هل تبني ميلوني "تفاهما أوروبيا" مع ترمب؟

أثارت زيارة ميلوني إلى واشنطن القلق لدى الأوروبيين

هل تبني ميلوني "تفاهما أوروبيا" مع ترمب؟

في لحظة تدهورت فيها الشراكة العابرة للأطلسي بين الولايات المتحدة وأوروبا بسبب سياسة الرسوم الجمركية التي ينتهجها الرئيس الأميركي دونالد ترمب، يُتوقع أن تُسهم زيارة رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني إلى البيت الأبيض في تحسين كبير للعلاقات.

من بين القادة الأوروبيين الكبار، تبدو ميلوني، المنتمية إلى يمين الوسط، السياسية الوحيدة التي نجحت في بناء تفاهم شخصي مع الرئيس الأميركي. وقد تجلى إعجاب ترمب بها في دعوته لها لحضور حفل تنصيبه في يناير/كانون الثاني، في حين لم تشمل قائمة المدعوين عددا من القادة الأوروبيين الأساسيين، مثل رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون ديرلاين. وكانت ميلوني قد زارت في وقت سابق منتجع مارالاغو الخاص بترمب في ولاية فلوريدا، وقد وصفها ترمب بعد لقائهما بأنها "امرأة رائعة".

وفي مناسبات أخرى، وصفها ترمب بأنها "شخصية نشيطة للغاية" وأشار إلى قدرته على العمل معها "لإصلاح العالم بعض الشيء". ويقال إن وجهة نظره الإيجابية تجاه ميلوني تعززت بتقارير تلقاها من إيلون ماسك، الذي التقت به رئيسة الوزراء الإيطالية عدة مرات ووصفتْه بأنه "رجل عبقري".

الاحترام المتبادل والواضح بين ترمب وميلوني دفع البعض إلى تسميتها "هامسة ترمب" في أوروبا، ما عزز الآمال بإمكان مساهمتها في إصلاح العلاقات المتوترة بين أوروبا والولايات المتحدة، في وقت أخفق فيه قادة أوروبيون آخرون في تحقيق ذلك.

وعلى الرغم من أن قادة أوروبيين مثل رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، زاروا البيت الأبيض منذ بداية الولاية الثانية لترمب، فإن أيا منهم لم يتمكن من إقناع الرئيس الأميركي بتبني نهج أكثر مرونة في تعامله مع الحلفاء الأوروبيين.

يُمثل هذا اللقاء تحديا دقيقا لرئيسة الوزراء الإيطالية، التي تسعى إلى إبراز مواقفها المنتمية إلى يمين الوسط، مع إدراكها في الوقت ذاته لضرورة الحفاظ على علاقات متينة مع حلفائها الأوروبيين

وفي كلتا الحالتين، حاول ستارمر وماكرون إقناع ترمب بإيلاء مزيد من الاهتمام للمخاوف الأوروبية بشأن قضايا حيوية، مثل الصراع في أوكرانيا والعلاقات التجارية بين الولايات المتحدة وأوروبا. غير أن الأحداث الأخيرة أبرزت عدم اكتراث ترمب بتلك الأمور، مفضلا الاستمرار في تطبيق سياسة "أميركا أولا" في هذه القضايا وغيرها.
وقد أثار ترمب قلقا واسعا في أوروبا من خلال إصراره على إنهاء النزاع في أوكرانيا عبر فتح مفاوضات مباشرة مع موسكو، دون إشراك أوكرانيا أو أوروبا بشكل كامل في تلك المحادثات.
وتفاقمت المخاوف من تصرفات ترمب الأحادية بسبب قراره فرض مجموعة واسعة من الرسوم الجمركية على أوروبا، ما أثار غضبا عارما وتسبب في اضطراب الأسواق المالية الأوروبية.
وفي محاولة لخفض حدة التوترات، وافق ترمب على تعليق تنفيذ بعض الرسوم العقابية لمدة 90 يوما، مثل الضريبة بنسبة 20 في المئة على السلع الواردة من الاتحاد الأوروبي إلى الولايات المتحدة، والتي خُفضت مؤقتا إلى 10 في المئة.
ومع ذلك، دفعت السياسات التجارية المتشددة التي يتبعها ترمب الكثير من القادة الأوروبيين إلى التساؤل عما إذا كان من المجدي الاستمرار في الحفاظ على علاقاتهم التجارية الراسخة مع الولايات المتحدة، أم البدء في صياغة ترتيبات جديدة مع قوى منافسة مثل الصين.
ومع دخول العلاقات بين الولايات المتحدة وأوروبا إحدى أصعب مراحلها منذ عقود، يُعلّق كثيرون آمالهم على أن تسهم زيارة ميلوني إلى واشنطن ولقاؤها مع ترمب في تخفيف التوتر. وبصفتها أول زعيمة أوروبية تلتقي ترمب منذ بداية "حربه التجارية" مع أوروبا، يأمل البعض أن تنجح ميلوني في استخدام سحرها الخاص لإقناع الرئيس الأميركي بالتفاوض على اتفاق أكثر ملاءمة بشأن الرسوم الجمركية المفروضة على الاتحاد الأوروبي.
ورغم أن ميلوني نفسها انتقدت علنا قرار ترمب الأولي بفرض رسوم بنسبة 20 في المئة على صادرات الاتحاد الأوروبي، إلا أنها دعت القادة الأوروبيين إلى التروي في ردودهم، ما يمنحها فرصة لطرح موقفها الداعي إلى علاقة تجارية أكثر توازنا خلال لقائها الشخصي مع ترمب.
ومع ذلك، يُمثل هذا اللقاء تحديا دقيقا لرئيسة الوزراء الإيطالية، التي تسعى إلى إبراز مواقفها المنتمية إلى يمين الوسط، مع إدراكها في الوقت ذاته لضرورة الحفاظ على علاقات متينة مع حلفائها الأوروبيين.
وقد أثارت زيارتها إلى واشنطن بعض القلق لدى حلفائها الأوروبيين، إذ حذر وزير الصناعة الفرنسي مارك فيراتشي من أن اللقاء قد يهدد وحدة الموقف الأوروبي تجاه الرسوم الجمركية الأميركية.

وعلى ميلوني أن تتصرف بحذر، بالنظر إلى كون إيطاليا ثالث أكبر مصدر في الاتحاد الأوروبي إلى الولايات المتحدة، ما يفرض عليها ضغوطا لحماية مصالح الأعمال والاستثمار الإيطالية.
وأشارت تقارير إلى أن ميلوني ناقشت، قبيل زيارتها، مع فون ديرلاين خطة تعاونية للتعامل مع ترمب. وذكرت صحف إيطالية أن من بين أهداف الزيارة تمهيد الطريق لعقد لقاء بين ترمب وفون ديرلاين.
وفي تعليقها على زيارة ميلوني إلى واشنطن، قالت متحدثة باسم المفوضية الأوروبية إن "تواصل ميلوني محل ترحيب كبير"، مشيرة إلى أن اللقاء "منسق بشكل وثيق" مع الاتحاد الأوروبي، مضيفة أن ميلوني وفون ديرلاين كانتا "على تواصل منتظم".
وقد صرحت ميلوني بأن الهدف يجب أن يكون إلغاء ما يسمى الرسوم الجمركية المتبادلة على المنتجات الصناعية، وفق صيغة "صفر مقابل صفر" التي طرحتها المفوضية الأوروبية في وقت سابق من هذا الشهر.
وقالت قبيل مغادرتها إلى الولايات المتحدة: "ندرك أننا نمر بفترة صعبة، لنرَ كيف ستسير الأمور في الساعات المقبلة". وأضافت: "أنا على دراية بما أمثله وعلى دراية بما أدافع عنه".

font change