ترمب يعيد تسليح اوكرانيا

ترمب يعيد تسليح اوكرانيا

استمع إلى المقال دقيقة

قد تُشكّل حالة الإحباط المتزايدة لدى الرئيس الأميركي دونالد ترمب من نظيره الروسي فلاديمير بوتين، بسبب رفض الأخير قبول شروط وقف إطلاق النار في أوكرانيا، عاملا حاسما في تغيير مجريات الصراع المستمر منذ وقت طويل.

فمنذ عودته إلى البيت الأبيض في يناير/ كانون الثاني، تصدّر إنهاء النزاع في أوكرانيا قائمة أولويات إدارة ترمب. ورغم أن الرئيس الأميركي كان يفاخر بقدرته على إنهاء الحرب خلال أربع وعشرين ساعة من توليه المنصب، وهو وعد لم يكن واقعيا منذ البداية، إلا أنه كرّس وقتا وجهدا كبيرين لإيجاد حل سلمي للصراع.

على الصعيد الدبلوماسي، ضغط ترمب على الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي لقبول اقتراح وقف إطلاق النار الذي صاغته واشنطن، ويشترط على كييف القبول باستمرار الاحتلال الروسي لأراض في شرق أوكرانيا وشبه جزيرة القرم. في المقابل، قدّم ترمب التزامات مبهمة تتعلق بتجميد مساعي أوكرانيا للانضمام الكامل إلى حلف شمال الأطلسي "الناتو" إلى أجل غير مسمى، وهو المبرر الذي استند إليه بوتين في غزوه لأوكرانيا في فبراير/ شباط 2022.

ورغم قبول زيلينسكي بشروط وقف إطلاق النار مقابل إنهاء فوري للهجوم الروسي، فإن ترمب، الذي لم يُعرف يوما بحماسه الشديد لدعم القضية الأوكرانية، خفّض مستوى الدعم العسكري الأميركي لكييف، ما أضعف بشكل كبير قدرة القوات المسلحة الأوكرانية على الدفاع عن أراضيها. يبدو أن البيت الأبيض لا يرى في استمرار دعم الجيش الأوكراني خلال المفاوضات مع الكرملين خيارا مناسبا، خاصة مع جعل إنهاء الحرب أولوية قصوى للإدارة.

ومع انطلاق الهجوم الصيفي الروسي للسيطرة على مزيد من الأراضي، واجهت كييف صعوبات في الدفاع عن مناطق رئيسية على الجبهة الشرقية بسبب نقص حاد في الأسلحة. وقد أعلن البنتاغون، في الأسبوع الماضي، تعليق شحنات بعض صواريخ الدفاع الجوي والذخائر الدقيقة الأخرى، بدعوى تراجع مستويات المخزون الأميركي من الأسلحة. وفي تعليقها على القرار، قالت نائبة السكرتير الصحافي للبيت الأبيض، آنا كيلي، إن القرار "اتُّخذ بوضع مصلحة أميركا أولا، عقب مراجعة من وزارة الدفاع للدعم والمساعدات العسكرية التي تقدمها بلادنا لدول العالم،” ثم أضافت بلهجة حازمة: "قوة القوات المسلحة الأميركية لا جدال فيها، و إيران خير دليل."

وفي ظل غياب مؤشرات حقيقية على نية بوتين إنهاء الأعمال العدائية ضد أوكرانيا في المستقبل القريب، تتجه سياسة إدارة ترمب نحو تغيير جذري

اتُخذ القرار الأخير بشأن تقليص الدعم العسكري قبل وقت وجيز من إجراء ترمب مكالمة هاتفية جديدة مع بوتين، بهدف دفعه إلى قبول اتفاق وقف إطلاق النار. وكان الرئيس الأميركي قد أجرى عدة مكالمات مماثلة مع بوتين خلال الأشهر الأخيرة، بدأها بتفاؤل نسبي حين أشار في فبراير إلى أن بوتين يبدو مهتما بإبرام اتفاق.
لكن مع استمرار المفاوضات دون تقدم ملموس، أخذ الإحباط يتسلل إلى ترمب، فعبّر علنا عن شكوكه في أن بوتين "يماطله" لكسب مزيد من الوقت لتعزيز المكاسب الروسية على الأرض. وبدت المكالمة الأخيرة بين الطرفين، والتي جرت نهاية الأسبوع الماضي، وكأنها القشة التي قصمت ظهر صبر الرئيس الأميركي، إذ صرّح بأنه "محبط" من موقف بوتين الذي لا يبدو جادا في التفاوض.
وخلال اجتماع لمجلس الوزراء في وقت لاحق، قال ترمب: "إذا أردتم الحقيقة، فإن بوتين يُمطرنا بالكثير من الكلام الفارغ. إنه دائما مهذب، لكن كل ذلك بلا معنى." وقد زاد من استياء ترمب أن روسيا، وبعد ساعات فقط من انتهاء المكالمة، شنّت واحدة من أكبر هجماتها بالطائرات المسيّرة والصواريخ على عدة مدن أوكرانية كبرى، من بينها العاصمة كييف، واستمرت هذه الهجمات على نحو شبه يومي.
في ضوء ذلك، تراجع ترمب عن قرار البنتاغون واستأنف تزويد أوكرانيا بالسلاح، في خطوة قد تُشكّل نقطة تحول حاسمة في سياسة الإدارة الأميركية تجاه النزاع. ووسط تقارير في واشنطن تفيد بأن ترمب فوجئ بتقليص الدعم العسكري، تشير جميع المؤشرات إلى أن الرئيس يتجه لاعتماد نهج أكثر صرامة في مواجهة روسيا بسبب استمرارها في الحرب.
إلى جانب إعادة تزويد كييف بأنظمة الدفاع الجوي الضرورية، بما في ذلك منظومات "باتريوت" الصاروخية للدفاع الجوي، أعلن ترمب أنه يدرس بجدية الموافقة على مشروع قانون يناقشه الكونغرس حاليا، يقضي بفرض عقوبات اقتصادية إضافية على موسكو. ويتضمن المشروع فرض "عقوبات ثانوية" على الدول، مثل الصين والهند، التي تواصل شراء النفط والغاز من روسيا، مما يمنح بوتين الموارد المالية اللازمة لمواصلة حربه في أوكرانيا.
وحيث إن نحو خمسين في المئة من الاقتصاد الروسي يعتمد على صادرات الطاقة، فإن أي خطوة من الولايات المتحدة تستهدف الدول التي لا تزال تتعامل تجاريا مع موسكو، لا سيما مع الحديث عن فرض رسوم جمركية بنسبة 500 في المئة على هذه الدول، قد تُحدث تأثيرا مدمّرا على قدرة بوتين على تمويل حربه.
وفي ظل غياب مؤشرات حقيقية على نية بوتين إنهاء الأعمال العدائية ضد أوكرانيا في المستقبل القريب، تتجه سياسة إدارة ترمب نحو تغيير جذري، حيث يبدو أن الرئيس عازم على اتخاذ موقف أكثر حزما في التعامل مع نظيره الروسي. كما قال ترمب بعد مكالمته الأخيرة مع بوتين: "لا أظنه ينوي التوقف عن الحرب... أنا مستاء منه جدا، هذا ما يمكنني قوله في الوقت الحالي. هذه الحرب تحصد أرواح الكثيرين."

font change