ترمب يحتفظ بالعلاقة مع "الناتو"... مؤقتا

ظلّت الشكوك قائمة في العواصم الأوروبية بشأن مدى التزام واشنطن بالحلف

ترمب يحتفظ بالعلاقة مع "الناتو"... مؤقتا

استمع إلى المقال دقيقة

تنفّس قادة حلف "الناتو" الصعداء عند مغادرة الرئيس الأميركي دونالد ترمب قمة الحلف السنوية في لاهاي عائدا إلى الولايات المتحدة، ما يعكس قلقهم المشترك إزاء التزام الزعيم الأميركي الدائم تجاه التحالف.

منذ توليه الرئاسة للمرة الأولى في عام 2016، اتسمت علاقة ترمب مع الحلف الأطلسي بالتوتر منذ بدايتها، إذ لم يكفّ عن اتهام قادة الدول المشاركة في الحلف بالتقصير في تحمل مسؤولياتهم الأمنية، لا سيما في أوروبا.

ويُعد خلاف ترمب مع المستشارة الألمانية آنذاك، أنغيلا ميركل، عام 2018، من أبرز محطات التوتر، بسبب رفض ألمانيا الالتزام بحد الإنفاق الدفاعي الأدنى المقدر بنسبة اثنين في المئة من الناتج المحلي الإجمالي. ووفقا لجون بولتون، مستشار الأمن القومي الأسبق في إدارة ترمب، فقد فكّر الأخير بجدية في الانسحاب من الحلف، وربما كان سيفعل ذلك لو فاز بولاية ثانية في عام 2020. لكن خسارته أمام المرشح الديمقراطي جو بايدن أبقت التزام واشنطن بـ"الناتو" قائما.

ومع عودته إلى البيت الأبيض مطلع هذا العام، جدد ترمب ومسؤولو إدارته انتقاداتهم الحادة للدول الأوروبية الأعضاء في الحلف، رغم أن معظمها- بما في ذلك ألمانيا- رفع إنفاقه الدفاعي ليتجاوز نسبة اثنين في المئة، وهو ما جعل برلين تتفوق على كل من فرنسا والمملكة المتحدة من حيث سرعة زيادة الميزانية الدفاعية.

أثمرت ضغوط ترمب، إذ وافقت معظم الدول الأوروبية، قبيل انعقاد قمة لاهاي، فعليا على هذا المطلب، رغم الصعوبات المتوقعة في تطبيقه

ومع ذلك، لم تثنِ هذه الزيادات الكبيرة في الإنفاق الدفاعي الأوروبي مسؤولي إدارة ترمب عن مواصلة التشكيك في جاهزية أوروبا الدفاعية، والتساؤل علنا عمّا إذا كانت عضوية الولايات المتحدة في "الناتو" لا تزال ذات جدوى.
وقد أدهش القادة الأوروبيين، على نحو خاص، تصريح وزير الدفاع الأميركي الجديد، بيت هيغسيث، في فبراير/شباط، عندما أعلن أن أوروبا لم تعد قادرة على التعويل على الولايات المتحدة لضمان أمنها.
ففي مؤتمر أمني عقد بألمانيا، صرّح هيغسيث قائلا: "أود أن أعبّر بوضوح ودون مواربة عن أن الواقع الاستراتيجي القاسي يمنع الولايات المتحدة الأميركية من التركيز الأساسي على أمن أوروبا".
وقد كرر نائب الرئيس الأميركي، جيه دي فانس، هذا الموقف في أبريل/نيسان، محذرا من أن على أوروبا أن تكف عن كونها "تابعة أمنية دائمة للولايات المتحدة".
وتزامن التصعيد الأميركي مع دعوة ترمب دول "الناتو" إلى رفع إنفاقها الدفاعي إلى خمسة في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، وهو ما يُعد قفزة كبيرة عن الحد السابق البالغ اثنين في المئة.
وقد أثمرت ضغوط ترمب، إذ وافقت معظم الدول الأوروبية، قبيل انعقاد قمة لاهاي، فعليا على هذا المطلب، رغم الصعوبات المتوقعة في تطبيقه.
وجاء في البيان المشترك لقادة الحلف، الذي يضم 32 عضوا: "في مواجهة التهديدات والتحديات الأمنية العميقة، لا سيما التهديد طويل الأمد الذي تشكله روسيا على أمن المنطقة الأوروبية الأطلسية، والتهديد المستمر للإرهاب، يتعهد الحلفاء بالاستثمار بنسبة خمسة في المئة من الناتج المحلي الإجمالي سنويا في المتطلبات الدفاعية الأساسية والإنفاق المتعلق بالأمن والدفاع بحلول عام 2035".
وفي مسعى واضح لاسترضاء إدارة ترمب، بادر الأمين العام لحلف "الناتو"، مارك روته، إلى إطلاق حملة استرضاء مباشرة موجهة نحو الرئيس الأميركي، مشيدا بدوره في وقف إطلاق النار بين إسرائيل وإيران، وواصفا إياه بـ"الأب"، و"الرجل القوي"، و"رجل سلام".

وكان ترمب قد شبّه إسرائيل وإيران في وقت سابق بـ"طفلين في ساحة المدرسة" يتقاتلان، قائلا: "إنهما يتقاتلان بشراسة. لا يمكنك إيقافهما. دعهما يتقاتلان لدقيقتين أو ثلاث، ثم يصبح من الأسهل إيقافهما". فعلق روته قائلا: "ثم يتدخل الأب أحيانا بلغة صارمة".
ويبدو أن مزيج موافقة الأوروبيين على زيادة إنفاقهم الدفاعي، وحملة الاسترضاء التي قادها روته، قد دفعا ترمب إلى اعتماد نبرة أقل تصادمية تجاه الحلف، وإن ظلّت الشكوك قائمة في العواصم الأوروبية بشأن مدى التزام واشنطن طويل الأمد بالحلف.
وقد أثار ترمب مخاوف عديدة عشية القمة، عندما بدا وكأنه يُعيد النظر في التزام واشنطن بالبند الخامس من ميثاق "الناتو"، والذي ينص على أن أي اعتداء على دولة عضو يُعد اعتداء على الحلف بأكمله. وهذه المادة، التي تُعد حجر الزاوية في "الناتو"، لم تُفعّل سوى مرة واحدة عقب هجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001.
وفي تصريحات للصحافيين على متن طائرة "إير فورس وان" الرئاسية قبيل القمة، قال ترمب: "الأمر يتوقف على تفسيرك. ثمة تفسيرات متعددة للمادة الخامسة. أنتم تعرفون ذلك، أليس كذلك؟ لكنني ملتزم بأن أكون صديقا لهم".
ولحسن حظ الأوروبيين، اختُتمت القمة بإعلان "التزام قادة (الناتو) الراسخ" بالبند الخامس. إلا أن البيان لم يتضمّن إدانة لغزو روسيا لأوكرانيا، على خلاف بيانات العام الماضي.
وقد أعرب ترمب عن رضاه بنتائج القمة، قائلا إن موافقة القادة الأوروبيين على زيادة الإنفاق الدفاعي تمثل "نصرا كبيرا لأوروبا... وللحضارة الغربية". وأضاف: "جئت إلى هنا لأن هذا ما يُفترض بي القيام به، لكنني غادرت وقد تغيّرت قليلا. رأيت رؤساء هذه الدول ينهضون، وكانت المحبة والشغف الذي أظهروه لبلادهم أمرا لا يُصدق".
وفيما يخص قرار زيادة الإنفاق، قال: "كان أمرا لا يظن أحد أنه ممكن. وقالوا: لقد فعلتها، سيدي، لقد فعلتها.. لا أعرف إن كنت أنا من فعلها... لكنني أعتقد أنني فعلت".
ومع مغادرة طائرة "إير فورس وان" الأجواء الأوروبية، شعر القادة الأوروبيون بشيء من الارتياح، لنجاحهم- ولو مؤقتا- في تهدئة العلاقات المتوترة بين واشنطن وحلفائها الأوروبيين. ومع ذلك، يبقى السؤال مطروحا حول ما إذا كانت هذه الجهود كافية لضمان بقاء إدارة ترمب ملتزمة بالدفاع عن أوروبا في حال نشوب صراع كبير آخر داخل القارة.

font change