"محور موراج"... اكتمال الحصار العسكري الإسرائيلي

الأمل الأخير

رويترز
رويترز
جنود إسرائيليون أثناء عملية برية في رفح

"محور موراج"... اكتمال الحصار العسكري الإسرائيلي

بعد عودة استئناف الجيش الإسرائيلي للعمل العسكري على قطاع غزة في 18 مارس/آذار الماضي، استحوذت مدينة رفح في أقصى جنوب القطاع على النصيب الأكبر من العمليات العسكرية البرية، وطرد الغزيين من مدينتهم، والعمل على عزلها تماما، حتى أصبحت أول مدينة تقع تحت السيطرة الإسرائيلية من كافة الاتجاهات، وعزل باقي مساحة غزة وسكانها عن العالم الخارجي، بعدما كانوا على تماس مع العالم عن طريق معبر رفح البري جنوب شرقي رفح، وهو الممر الرئيس الذي كان يستخدمه قرابة 2.4 مليون غزي فيما قبل.

وكثف الجيش الذي كان لا يزال مسيطرا على محور فيلادلفي، وهو المحور الحدودي مع مصر جنوبا، وكذلك تمركز قواته داخل الحدود الشرقية للمدينة، وبعمق أقل من كيلومتر واحد، من هجماته بالقذائف المدفعية، وتقدم آلياته باتجاه عمق المدينة في المناطق الغربية، حتى أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي عن نيتهم إنشاء محور موراج على الحدود الفاصلة بين مدينتي رفح وخانيونس، والممتد من المناطق الشرقية وحتى أقصى الغرب بطول قرابة 12 كيلومترا.

وبالفعل، استمرت عمليات الجيش حتى تقدمت القوات والآليات العسكرية شاقة طريقها نحو مفترق يسمى "كَف موراج"، والذي يقع في منتصف طول المحور تقريبا، وبدأت التمركز والعمل على قصف المناطق المحيطة بالمكان بالأحزمة النارية من الطائرات الحربية والقذائف المدفعية، تبعتها عمليات تجريف واسعة للمنازل والشوارع قبل أن يصنع الجيش موقعه العسكري تحت المراقبة بالكاميرات والأسلحة الرشاشة، وبات كل من يحاول الاقتراب من المكان، هدفا تحت مرمى النيران الإسرائيلية.

لايزال هناك أكثر من 50 عائلة لم يغادروا منازلهم، من بينهم بعض السكان الذين تعرضوا للإصابة جراء استمرار القصف وإطلاق النار وتقطعت بهم السُبل

وسبق هذا الأمر، إصدار الجيش أوامر إخلاء للسكان الذين قرروا العودة إلى مدينتهم المدمرة بفعل الحرب الإسرائيلية، قبل إعلان وقف إطلاق النار في النصف الثاني من يناير/كانون الثاني الماضي، وقال محمود برهوم لـ"المجلة": "كنا مفكرين الحرب انتهت، رجعنا وعملنا خيام بجوار منازلنا المُدمرة، كان عنا أمل يتم إعادة إعمار المدينة قبل ما يتم استئناف الحرب،وطردنا مرة أخرى تحت القصف وإطلاق الرصاص الكثيف".

كانت مدينة رفح والتي تقدّر مساحتها بقرابة 70 كيلومترا مربعا، أي إنها تستحوذ على قرابة 20 في المئة من مساحة القطاع البالغة مساحته قبل الحرب الأخيرة 360 كيلومترا مربعا، وكان يقطنها قرابة 230 ألف نسمة، أُجبر الغالبية العظمى منهم على ترك منازلهم وأملاكهم وأمتعتهم، والنزوح قسرا إلى منطقة المواصي غرب مدينة خانيونس ومناطق أخرى.

وفي 12 أبريل/نيسان الحالي، ومع استمرار عمليات الجيش الإسرائيلي في فصل وعزل المدينة، أعلن عن استكمال تطويق رفح، ليكون بذلك أسس بالفعل "محور موراج"، وعزل المدينة عن أراضي قطاع غزة، حيث لا توجد إحصائيات من أي من الجهات الرسمية المحلية أو المنظمات الدولية حول عدد السكان الذين لايزالون داخل رفح بعد عزلها. وبحسب أحد السكان الذي تواصلت معه "المجلة"- رفض ذكر اسمه- قال إنه لايزال هناك أكثر من 50 عائلة لم يغادروا منازلهم، من بينهم بعض السكان الذين تعرضوا للإصابة جراء استمرار القصف وإطلاق النار وتقطعت بهم السُبل.

وبالعودة إلى السنوات الماضية ما قبل الانسحاب الإسرائيلي أحادي الجانب عام 2005، كان في قطاع غزة 21 مستوطنة إسرائيلية، منهم 16 مستوطنة كان يطلق عليها "مُجمع مستوطنات قطيف" أُقيمت غرب خانيونس ورفح، وكان من أبرزهم: مستوطنة غوش قطيف في خانيونس ومستوطنة موراج برفح، والذي سمي الطريق الحالي نسبة لها، كما أطلق الجيش الإسرائيلي في وقت سابق اسم محور نتساريم على الخط الذي فصل مدينة غزة وشمال القطاع عن باقي المناطق مع بداية الحرب الحالية في أكتوبر/تشرين الأول 2023، وذلك نسبة إلى المستوطنة الإسرائيلية "نتساريم" التي كانت مقامة في تلك المنطقة قبل عام الانسحاب.

مع عدم وضوح رؤية المؤسسة الأمنية والعسكرية لمستقبل مدينة رفح، وما ستكون عليه مستقبلا، يتابع الجيش الإسرائيلي عمليات الهدم والتوسع اليومية بحجة ملاحقة "الإرهاب"

لكن السيطرة على المدينة وعزلها وإقامة "خط موراج" أمر مختلف كثيرا عما حدث حينما سيطرت إسرائيل على "خط نتساريم" قبل أكثر من عام، وانسحبت منه مع إعلان اتفاق وقف إطلاق النار بينها وبين حركة "حماس" بداية العام الحالي، وعادت له جزئيا مع استئناف الحرب، وذلك يعود لأهمية مدينة رفح المحاذية للحدود المصرية، وبسبب المعبر الإنساني الوحيد الذي يسمح بسفر وتنقل السكان إلى العالم الخارجي، بينما ترى الحكومة الإسرائيلية أنّ رفح من أخطر المدن الغزية، بسبب موقعها الحدودي وإنشاء حركة "حماس" الأنفاق أسفل محور فيلادلفي مع مصر، حيث طالبت ودعمت إسرائيل والولايات المتحدة الأميركية من مصر، عملية تدمير الأنفاق وبناء سد خرساني تحت الأرض على طول الحدود بحجة تهريب الأسلحة والمواد المتفجرة إلى غزة.

سيناريو جباليا وبيت لاهيا

ومع اكتمال السيطرة الإسرائيلية وتطويق رفح، قالت صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية نقلا عن مصادر في المؤسسة الأمنية الإسرائيلية- لم تسمها- إنّ عمل الجيش جاء بعد عملية استئناف الحرب، وتصريحات رئيس الوزراء نتنياهو، الذي قال إن إسرائيل ستسيطر على مناطق واسعة في القطاع، وعلى ما يبدو فإن هناك نية إسرائيلية لتكرار ما تم فعله في شمال قطاع غزة- جباليا وبيت لاهيا وبيت حانون- حينما سيطر الجيش على المنطقة الشمالية بالكامل، وأجبر العدد الأكبر من السكان على النزوح القسري، وقام بعمليات تدمير وتجريف واسعة للمنازل والأراضي الزراعية طيلة أكثر من أربعة أشهر متواصلة، وقبل الانسحاب إلى المناطق الحدودية بداية العام الحالي.

وقالت ذات المصادر الأمنية لـ"هآرتس" في مقالها المنشور بتاريخ 9 أبريل الحالي، إن الجيش وبعد أن سيطر على طول "محور موراج"، بدأ بالفعل بتدمير مئات المنازل والأراضي الزراعية لتوسعة المحور الذي سيكون عرضه أكثر من كيلومتر واحد، مضيفة:"لم يتم اتخاذ القرار بعد بشأن ما إذا كان سيتم الاحتفاظ بالمنطقة بأكملها كمنطقة عازلة محظورة على المدنيين- كما حدث في مناطق أخرى من المحيط- أو تسوية جميع المباني بالأرض وتدميرها، وبالتالي إبادة مدينة رفح فعليا".

أ.ف.ب
غارة إسرائيلية على خان يونس جنوبي غزة

ومع عدم وضوح رؤية المؤسسة الأمنية والعسكرية لمستقبل مدينة رفح، وما ستكون عليه مستقبلا، يتابع الجيش الإسرائيلي عمليات الهدم والتوسع اليومية بحجة ملاحقة "الإرهاب" والعمل على تطهير المناطق من المقاومة الفلسطينية والسلاح، حيث أعلن المتحدث باسم الجيش باللغة العربية أفيخاي أدرعي أكثر من مرة خلال الأيام الماضية، عن قتل الجيش لعشرات من عناصر المقاومة، واكتشاف وتدمير فتحات أنفاق تحت أرضية ومصادرة أسلحة ومعدات عسكرية فلسطينية.

فقدنا أي نوع من الأمل سواء بانتهاء الحرب أو بفتح المعبر

ربما ما يُمارس من عزل مدينة رفح وتحويل باقي القطاع إلى قطعة أرض صغيرة، تضيق كل يوم على سكانها بسبب توغلات الجيش في عدة مناطق أخرى، شرق مدينة غزة وشمال القطاع، بالتزامن مع السيطرة على رفح، يعتبر واحدا من أساليب ضغط الحكومة الإسرائيلية على حركة "حماس" بهدف تسليم المعتقلين الإسرائيليين لديها منذ أكثر من 550 يوما، والبالغ عددهم 59 معتقلا منهم 22 أحياء بحسب ما تقول عدة مصادر إسرائيلية، بينما "حماس" ترفض الإفصاح رسميا عن العدد الحقيقي لديها، وكذلك الضغط عليها لتسليم سلاحها، والتنازل عن حكم القطاع الذي استمر 18 عاما، لكن ماذا عن سكان المدينة ومستقبلهم؟

ويقول وائل قشطة نازح من رفح إلى مواصي خانيونس، لـ"المجلة"، إنه وعائلته اضطروا للنزوح مجبرين للحفاظ على أطفالهم وأفراد العائلة، لكن لم يتوقعوا أن يتم عزل المدينة ومنعهم من العودة "كان عنا أمل نرجع خلال وقت قريب، كان عنا أمل تنتهي الحرب، لكن كل يوم عن يوم بيكون الوضع أسوأ، مصير بيوتنا صار مجهول بعد ما تعرضت لدمار جزئي خلال الحرب، يمكن إذا رجعنا مستقبلا ما نلاقي البيت".

فيما عبر آخرون من سكان مختلف مُدن ومناطق قطاع غزة، خلال حديثهم لـ"المجلة"، عن فقدانهم الأمل بفتح معبر رفح، وتمكنهم من السفر أو النجاة من حرب الإبادة الإسرائيلية المستمرة بفعل استمرار العمل العسكري، وعدم توصل "حماس" وإسرائيل لأي صيغة توافقية خلال عمليات المفاوضات المستمرة. تقول نعيمة الحسني لـ"المجلة"، والتي سبق أن حاولت وعائلتها السفر قبل سيطرة الجيش الإسرائيلي في مايو/أيار 2024 على معبر رفح:"كان عنا أمل يفتح المعبر بعد ما صار وقف إطلاق نار، لكن اليوم وبعد اللي صار برفح، فقدنا أي نوع من الأمل سواء بانتهاء الحرب أو بفتح المعبر، كل يوم بحس هو آخر يوم في الحياة بسبب استمرار القصف الإسرائيلي".

font change