لم تعد معرفتنا بالأدب النيجيري الحديث تقتصر على وولي سوينكا (نوبل 1986) وتشينوا أتشيبي، منذ أن وضعت مواطنتهما شيماماندا نغوزي أديشي روايتها الثالثة، "أميريكانا" (2013)، وباتت الصوت الأكثر وقعا من بين الكتّاب الأفارقة الذين ينتمون إلى جيلها، بفضل المهارات السردية والكتابية التي أبدتها في هذا العمل، وخصوصا بفضل البصيرة التي أثبتتها داخله في مقاربة أسئلة العرق والجندر والهوية.
هذه المهارات والبصيرة تنتظرنا كاملة في روايتها الجديدة، "احتساب الأحلام"، التي صدرت حديثا في نيويورك (دار "كنوب")، بالتزامن مع صدور ترجمتها الفرنسية في باريس (دار "غاليمار")، وتتنقل أديشي فيها بين لاغوس ونيويورك وواشنطن وماريلاند لرسم أربعة بورتريهات نسائية آسرة، ومن خلالها، مواصلة سبر أسئلة روايتها السابقة، مع التركيز هذه المرة على الإكراهات التي تخضع لها المرأة الأفريقية، وعلى العنف الذكوري الممارس عليها، وعلى إمكانات التحرر المفتوحة أمامها.
أحداث الرواية تدور خلال جائحة كوفيد19 التي أجبرت الناس في مختلف أنحاء العالم على ملازمة منازلهم، والتي ستشكل لبطلات الرواية الأربع، ذوات الأصل الأفريقي، فرصة للعودة إلى الذات ومحاولة معرفة أين هن اليوم، وماذا حققن من أحلامهن، وهل كانت حقا أحلامهن. أسئلة ثلاثة تستحوذ على هؤلاء النساء لأنهن لم يتبعن الدرب المرسوم سلفا لهن من قبل مجتمعهن، والذي يقود حتما إلى الزواج وإنجاب الأطفال وتأسيس عائلة تقليدية، بل تجرأن على الإمساك بزمام حياتهن والهجرة إلى أميركا لتحقيق تطلعاتهن، فاختبرن، كل واحدة بطريقة مختلفة، نعيم الحلم الأميركي، وأوهامه.
ثلاث من هؤلاء النساء يتمتعن بشخصيات قوية ويملكن الإمكانات المادية لاتخاذ قرارات جريئة، حتى وإن راودهن الشك أحيانا في الخيارات التي اتبعنها. الأولى، شياماكا، تبلغ من العمر 44 عاما، وسواء في اسمها، أو في سنها، أو في الكثير من مواصفاتها الأخرى، تستحضر بقوة الكاتبة. في مطلع الرواية، تقول لنا: "منذ الولادة، أدخلت يد ذات سلطة لا تناقَش الزواج في صلب حياتنا، فصار حلما خاضعا لمرور الزمن، لكن في أي لحظة تحول انتظاره إلى يأس جارف؟" متمردة، خيبت شياماكا أمل عائلتها الثرية في نيجيريا، لأنها فضلت الكتابة على الزواج والإنجاب، وتمكنت من أن تصبح كاتبة تخط مقالات تستقي مادتها من أسفارها العديدة. لكن هذا هو حلم حياتها حقا؟