الرسوم الأميركية... هدية غير متوقعة لصناعة الملابس المصرية

يستفيد القطاع من اتفاقية المناطق الصناعية المؤهلة "الكويز" بين مصر وأميركا وإسرائيل

سارة بادوفان
سارة بادوفان

الرسوم الأميركية... هدية غير متوقعة لصناعة الملابس المصرية

في وقت انهمك المصنعون الكبار في الصين بحسابات الخسائر مع تراجع حصتهم من السوق الأميركية بسبب ارتفاع تكلفة التصدير، وجدت مصر نفسها في موقع تنافسي متميز بفضل اتفاقية "الكويز" (QIZ، أو Qualified Industrial Zone)، والبنية الإنتاجية المؤهلة، والعمالة المنخفضة التكلفة.

يأتي قطاع المنسوجات والملابس الجاهزة في طليعة المتضررين، إذ تُعتبَر الصين المصنع الأول لأشهر العلامات التجارية الأميركية مثل "أديداس"، "نايكي"، و"أميريكان إيغل"، التي تُصنع في شكل أساس في آسيا. وبذلك، أصبحت الرسوم الجديدة تهديدا مباشرا لسلاسل الإمداد التي تعتمد عليها السوق الأميركية.

وعلى الرغم من أن قرار تعليق الرسوم الجمركية لاقى ترحيبا في بعض الأوساط الاقتصادية والدولية، فإن تأثيراته الفعلية لن تتضح بالكامل إلا خلال الأسابيع والأشهر المقبلة. فالمشهد التجاري العالمي لا يزال غير منضبط، والتوتر مع الصين آخذ في التصاعد.

فرصة ذهبية لصادرات مصر من الملابس

في المقابل، وُضِعت مصر في موقع مختلف. إذ فرضت الولايات المتحدة رسوما جمركية لا تتجاوز 10 في المئة على الواردات المصرية، وهو ما ينطبق أيضا على المملكة العربية السعودية، ودولة الإمارات العربية المتحدة، وقطر، والمملكة المغربية. وبهذا أصبحت الرسوم الأميركية، على الرغم من أنها تبدو عدائية، فرصة ذهبية لصادرات مصر من الملابس الجاهزة.

يشكل قطاع الملابس والمنسوجات نحو 53 في المئة من الصادرات المصرية الإجمالية إلى الولايات المتحدة، بقيمة تبلغ نحو 1,2 مليار دولار سنويا. ويستفيد من اتفاقية "الكويز"، الموقعة بين مصر وأميركا وإسرائيل

يشكل هذا القطاع نحو 53 في المئة من الصادرات المصرية الإجمالية إلى الولايات المتحدة، بقيمة تبلغ نحو 1,2 مليار دولار سنويا. ويستفيد القطاع من اتفاقية المناطق الصناعية المؤهلة (الكويز)، الموقعة عام 2004 بين مصر وأميركا وإسرائيل، والتي تتيح دخول المنتجات المصرية إلى السوق الأميركية من دون رسوم، شرط أن تتضمن مكونا إسرائيليا بنسبة لا تقل عن 10,5 في المئة. يُذكَر أن مما يجعل هذه الاتفاقية ذات طابع استراتيجي، أنها تعفي صادرات مصر من أي رسوم حمائية إضافية قد تُفرَض، مما يمنحها أفضلية في سوق تنافسية بامتياز.

الولايات المتحدة تتصدر الدول المستوردة من مصر

وكان مجلس التصدير للملابس الجاهزة، كشف في تقرير عن ارتفاع صادرات القطاع بنسبة 22 في المئة، بحيث سجلت 551 مليون دولار خلال أول شهرين من عام 2025، في مقابل 451 مليون دولار في الفترة ذاتها من العام المنصرم، وقد شهدت صادرات القطاع حركة إيجابية للغاية من ضمن خطة المجلس لتحقيق نمو لا يقل عن 20 إلى 25 في المئة. وأشار التقرير إلى أن الولايات المتحدة تتصدر الدول المستقبلة لمنتجات الملابس الجاهزة المصرية بما قيمته 193 مليون دولار خلال أول شهرين من عام 2025 في مقابل 183 مليون دولار خلال الفترة المقابلة من العام المنصرم.

سارة بادوفان

يُقدَّر حجم التبادل التجاري بين مصر والولايات المتحدة بنحو 9,7 مليارات دولار عام 2024، مما يعكس وجود علاقات اقتصادية وتجارية قائمة بين البلدين، إلا أن طبيعة هذه العلاقات تُظهِر ميلا واضحا لصالح الجانب الأميركي، إذ لا تتجاوز قيمة الصادرات المصرية إلى السوق الأميركية 2,2 مليار دولار.

ويعني ذلك أن الصادرات المصرية إلى الولايات المتحدة تمثّل نحو خمسة في المئة فقط من الصادرات الإجمالية لمصر إلى مختلف دول العالم، والتي تبلغ 44,8 مليار دولار. وهذه النسبة المحدودة تعكس حجم الاعتماد النسبي الضعيف على السوق الأميركية كمصدر رئيس للصادرات المصرية، مما يقلل أثر أي تغييرات أو رسوم جمركية تُفرَض على الصادرات إلى الولايات المتحدة، ويجعل تداعياتها محدودة.

تكلفة منخفضة وبنية جاهزة وموقع استراتيجي

في خضم الاضطرابات الجمركية، تبرز مصر كإحدى أكثر الدول المؤهلة لجذب استثمارات جديدة في قطاع الملابس الجاهزة والمنسوجات. فبينما تمثل صادرات مصر 1,65 في المئة فقط من واردات الولايات المتحدة في هذا القطاع، تستأثر الصين بـ22 في المئة، وفيتنام بـ18 في المئة، وبنغلاديش وإندونيسيا بنحو خمسة في المئة لكل منهما.

غير أن الصين باتت تحت ضغط التعريفات الجديدة، التي وصلت الى 145 في المئة حتى كتابة هذه الكلمات، في انتظار نتيجة المفاوضات، مقارنة بـ10 في المئة فقط على مصر. هذا الفارق الكبير يمنح المنتج المصري ميزة تنافسية حقيقية، ويحفز شركات متعددة الجنسيات على التفكير في نقل مصانعها إلى مصر.

لا تنطبق الرسوم الجمركية على صادرات الملابس المصرية ضمن اتفاقية "الكويز"، فهي توفر ميزة تنافسية قوية لمصر، ولا سيما أن الصين تواجه حاليا رسوما مرتفعة

المهندس فاضل مرزوق، رئيس مجلس إدارة مصنع "شركة جيزة للغزل والنسيج"

تتميز السوق المصرية بتوفر عمالة مدربة ومنخفضة التكلفة، وبنية تحتية صناعية جيدة، فضلا عن سعر صرف منخفض للجنيه في مقابل الدولار الأميركي، يعزز قدرة مصر التصديرية. وعلى صعيد التكلفة، يبلغ متوسط أجر العامل المصري نحو 200 دولار شهريا، مقارنة بألف إلى ألف و200 دولار للعامل في تركيا، حيث تواجه الصناعة هناك تحديات من ارتفاع الأجور وتكاليف الطاقة.

بحسب الخبراء الذين التقتهم "المجلة"، فإن الأثر الفعلي للرسوم الحمائية في قطاع الملابس في مصر "ضئيل للغاية"، بل يشكل فرصة سانحة لإعادة تموضع القطاع وجذب الاستثمارات الأجنبية، ولا سيما في الصناعات الكثيفة العمالة، التي لا تتطلب رؤوس أموال ضخمة.

رويترز
عامل في مصنع للغزل وحياكة الملابس، محافظة المحلة المصرية، 29 يناير 2025

أوضح الخبير الاقتصادي الدكتور محمد فؤاد أن "الفرصة لا تكمن فقط في دخول مستثمرين جدد، بل في التوسع الفوري في العلاقات القائمة وزيادة حجم التصدير بسرعة، لتعويض تراجع الصادرات من دول منافسة". ولفت فؤاد إلى الأثر المرتقب للسياسات الحمائية الأميركية في احتياطي مصر من النقد الأجنبي، متوقعا أن يتراجع بسبب ضغوط أسواق المال "إذ يمكن أن يؤدي الانهيار في أسواق المال إلى شح في السيولة بما يضطر المستثمرين إلى بيع أصول، بما في ذلك الأوراق المالية العائدة إلى الأسواق الناشئة، لتغطية الخسائر، مما يعني هروب رؤوس الأموال من الأسواق الناشئة، لكن الأثر في الاحتياطي النقدي سيتمثل في زيادة في الأجلين المتوسط والطويل بفضل زيادة التصدير في المقام الأول ثم الاستثمار الأجنبي المباشر في المقام الثاني".

"الكويز": الاتفاقية التي تحمي صادرات الملابس المصرية

في زيارة لمصنع "شركة جيزة للغزل والنسيج"، أحد أكبر مصانع الملابس الجاهزة في مصر، تحدث المهندس فاضل مرزوق، رئيس مجلس إدارة المصنع ورئيس مجلس التصدير للملابس الجاهزة، مؤكدا أن "الرسوم الجمركية لا تنطبق على صادرات الملابس المصرية ضمن اتفاقية الكويز"، مضيفا أن "هذه الاتفاقية توفر ميزة تنافسية قوية لمصر، ولا سيما أن الصين تواجه حاليا رسوما مرتفعة" للغاية. وعلى الرغم من محاولة ترمب تهدئة الأسواق وفتح نافذة تفاوض مع الشركاء في العالم فإن التصعيد مع الصين يشير إلى أن الحرب التجارية لا تزال مستعرة، وأن إدارة ترمب ماضية في فرض ضغوط متزايدة على بكين.

وأشار مرزوق في حديث إلى "المجلة" إلى أن شركته تصدّر 60 في المئة من إنتاجها إلى السوق الأميركية، بينما يذهب الباقي إلى أوروبا ودول أخرى. يُذكَر أن أكثر من 10 آلاف و200 عامل يعملون في الشركة، وتبلغ صادراتها نحو 150 مليون دولار، باستثمارات كلية تُقدّر بـ650 مليون جنيه (12,7 مليون دولار).

من أبرزالتحديات انخفاض إيرادات قناة السويس نتيجة تراجع صادرات الصين إلى دول شرق آسيا بسبب الرسوم الأميركية، فهذه الدول كانت تعتمد القناة كممر أساس إلى أميركا

وتوقع مرزوق أن ترتفع صادرات الملابس الجاهزة المصرية بنسبة 25 إلى 30 في المئة سنويا خلال الأعوام المقبلة، مشيرا إلى أن حجم صادرات القطاع بلغ ثلاثة مليارات دولار عام 2024، منها 1,2 مليار إلى الولايات المتحدة. وعن أثر الرسوم الأميركية، قال: "الرسوم المفروضة على مصر ليست ضريبة عقابية، بل رسوم حمائية، وستمنحنا في الواقع ميزة تنافسية إضافية".

من جهته، رأى المهندس محمد عبد السلام، رئيس مصنع "حبيبة للملابس الجاهزة"، ورئيس غرفة الملابس الجاهزة، في حديثه إلى "المجلة" أن "الرسوم على مصر 10 في المئة، حتى في حال إلغاء اتفاقية 'الكويز'، في حين أنها على الصين 145 في المئة، مما يبقي الميزة النسبية لصادراتنا". وأوضح أن "المستهلك الأميركي سيفضل المنتجات الواردة من مصر لانخفاض الرسوم الجمركية عليها".

الاستثمار الأجنبي آتٍ... وسلاسل الإمداد تتأقلم

وأكد عبد السلام أن الرسوم الأميركية الجديدة، على الرغم من طابعها الحمائي، فتحت الباب أمام جذب استثمارات أجنبية واسعة النطاق إلى السوق المصرية. "فمع تضييق الخناق على الصين ودول آسيا، تبدو مصر الخيار الأكثر منطقية أمام شركات تبحث عن بنية مؤهلة وتكلفة مقبولة، وسوق قادرة على التصدير إلى أميركا من دون عقبات جمركية".

أ.ب.
تراجع إيرادات قناة السويس، في وقت يطالب ترمب بعبور السفن الأميركية مجانا، من دون دفع أي رسوم، 16 أبريل 2025

وأشار عبد السلام إلى أن حجم الصادرات المصرية إلى الولايات المتحدة قد يزداد بنحو مليار دولار سنويا خلال السنوات الأربع المقبلة، مما يرفع صادرات الملابس الإجمالية إلى ما بين ثمانية و10 مليارات دولار. هذا النمو المتوقع، إن تحقق، سيكون نتيجة مباشرة لاستغلال الطاقات الإنتاجية المهدورة، وتحفيز الشركات المحلية والأجنبية على التوسع.

تحدي تراجع إيرادات قناة السويس

في المقابل، ثمة تحديات قائمة، من أبرزها انخفاض إيرادات قناة السويس نتيجة تراجع صادرات الصين إلى دول شرق آسيا بسبب الرسوم الأميركية، فهذه الدول كانت تعتمد القناة كممر أساس إلى أميركا. وتشير التقديرات إلى أن إيرادات القناة تراجعت بنحو سبعة مليارات دولار عام 2024 بسبب التوترات الجيوسياسية في البحر الأحمر ومضيق باب المندب.

يذكر أن ترمب طالب بعبور السفن الأميركية عبر قناة السويس مجانا بحسب ما كشفت صحيفة "وول ستريت جورنال" الشهر الماضي، الأمر الذي أثار ردود فعل غاضبة في الأوساط السياسية والإعلامية المصرية.

ينشط في قطاع الملابس في مصر أكثر من 12 ألفا و800 شركة، من الكبيرة إلى المتوسطة والصغيرة. ويغطي المنتج المحلي 90 في المئة من احتياجات السوق

يشار إلى أن قطاع الملابس في مصر يضم أكثر من 12 ألفا و800 شركة، من الكبيرة إلى المتوسطة والصغيرة. ويغطي المنتج المحلي 90 في المئة من احتياجات السوق، مقارنة بـ50 في المئة فقط قبل عام 2016، نتيجة القيود المفروضة على الاستيراد وتحسن جودة الإنتاج المحلي.

أ.ف.ب.
خيطان من صناعة مصرية لانتاج السجاد، القاهرة، 20 فبراير 2023

أما في ما يتعلق بالقطن، فيرى بعض المزارعين أن أثر الرسوم الأميركية فيه سيكون محدودا، ولا سيما في ظل التراجع الكبير في زراعته خلال السنوات الأخيرة. فمصر باتت تستورد الأقطان القصيرة التيلة وتقوم بمعالجتها محليا، بينما تصدّر الأقطان الطويلة التيلة إلى أوروبا، في حين تعتمد أميركا على القطن المحلي (البيما أو Pima)، ولا تستورد كميات كبيرة من الخارج.

أثر غير مباشر على الصادرات الزراعية

وعن تداعيات الرسوم الحمائية على المنتجات الزراعية، رأى مزارعون أن الآثار المباشرة للرسوم على مصر تشمل تداعيات سلبية على الصادرات المصرية إلى الولايات المتحدة، ولا سيما الصادرات الزراعية مثل الفراولة والعديد من الأصناف الأخرى. أما الأثر غير المباشر، فيكمن في أن الرسوم فُرِضت على معظم الدول، مما ينعكس على العلاقات التجارية مع دول تستورد من مصر منتجات زراعية طازجة كمادة خام، وتعيد تصديرها إلى الولايات المتحدة في صورة منتجات مصنّعة. بالتالي، سيكون هناك أثر غير مباشر. وعموما، فإن الأثر على الرغم من سلبيته يُعَد طفيفا في الوقت الحالي، نظرا إلى كون العلاقات الزراعية مع الولايات المتحدة محدودة في الأساس.

font change