المسار الموازي لقناة السويس... هل من جدوى فعلا؟

طوله 192 كيلومتراً وتشكيك في فائدته الاقتصادية

نبكولا فيراريس
نبكولا فيراريس

المسار الموازي لقناة السويس... هل من جدوى فعلا؟

باتت قناة السويس قاب قوسين أو أدنى من بدء تنفيذ مسارٍ موازٍ أُعلِن أخيراً أو من تأجيله في حال استمرار هجمات الحوثيين في البحر الأحمر المرتبطة بالصراع الأميركي-الإيراني. في وقت تخوض طهران "مفاوضات مسلحة" مع واشنطن بعدما تخلت الأخيرة عن قرارها الإفراج عن أموال تخص إيران، التي تقدر بنحو سبعة مليارات دولار، محتجزة لديها جراء العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة عليها. وتضغط إيران بكل ما لديها من أوراق، وأبرزها ورقة الحوثيين التي تُعَد جزءاً من الأدوات الأساسية لإيران، من خلال تعطيل حركة التجارة العالمية في البحر الأحمر، مما أدى إلى انخفاض الموارد بالعملات الأجنبية لقناة السويس ما يزيد على 50 في المئة، لانخفاض عدد السفن التي تمر عبر البحر الأحمر بسبب تعرضها لهجمات الحوثيين. ناهيك عن سعي إيران إلى تحسين شروط الاتفاق النووي قبل عودة دونالد ترمب المحتملة إلى السلطة في الانتخابات الأميركية المقبلة، وهو الاتفاق الذي ألغاه ترمب خلال ولايته الأولى.

لا ترغب الولايات المتحدة حتى الآن الدخول في مواجهة مباشرة مع إيران. تعيد تلك الصراعات تشكيل طرق التجارة العالمية، ولا سيما المخطط الإثيوبي في شأن إبرام اتفاق للنفاذ إلى البحر الأحمر مع إقليم "أرض الصومال" يقضي بتأجير 20 كيلومتراً على طول ساحلها لأثيوبيا لإنشاء منفذ بحري تحميه قوة عسكرية ويمس الملاحة البحرية ويهدد أمن المنطقة واستقرارها، مستغلة استمرار الحرب على غزة والمخاوف المصرية من تنفيذ مشروع الممر الاقتصادي الذي ينطلق من الهند ويمر ببحر العرب.

الرهان على القناة

لذلك، تواصل مصر تعزيز سلامة الملاحة في قناة السويس بكل ما أوتيت من جهد لإزالة الاختناقات على طول مجراها الملاحي من خلال تنفيذ مشروع الازدواج الكامل للمرة الأولى، فلا يكون لها منافس. ويبقى الرهان على أن الفائدة المالية والجدوى الاقتصادية لقناة السويس ستظل الأقوى والأبرز باعتبارها الممر الملاحي والشريان الرئيس والوحيد الذي يؤدي دوراً كبيراً في ربط الشرق بالغرب وأحد الأركان الرئيسة في سلاسل الإمداد اللوجستية. ويمر عبر القناة حاليا 12 في المئة من التجارة الدولية و10 في المئة من شحنات الغاز والنفط العالمية ونحو 22 في المئة من تجارة الحاويات ونحو 40 في المئة من حجم التعاملات التجارية بين آسيا وأوروبا.

يصف البعض مشروع ازدواج القناة في الوقت الراهن بالمجازفة الاقتصادية، فيما يدعو خبراء الى استثمار الأموال التي حصلت عليها مصر، ليس فقط لتسديد فوائد الديون، بل لتحقيق التنمية

في خضم التوترات، ارتفع حجم الخسائر التي ألمت بالتجارة العالمية بسبب ارتفاع تكلفة إيجار السفن والوقود والتأمين على البواخر، وباتت قناة السويس، على الرغم من أهميتها الجيوستراتيجية والسياسية والعسكرية والاقتصادية الدولية، تواجه تحدياً كبيراً جراء تغيير مسار العديد من السفن إلى طريق رأس الرجاء الصالح البديل.

وطرحت الحكومة المصرية مشروع الازدواج بحفر مسار مواز بطول 192 كيلومتراً، سيشمل اتجاهين ذهاباً وإياباً، مما سيقلل مدة العبور إلى نحو تسع ساعات ويقلل وقت الترانزيت بشكل كبير. لا يزال المشروع قيد الدراسة من قبل كبرى الشركات الاستشارية العالمية المتخصصة، ومن المقرر الانتهاء من هذه الدراسة خلال 16 شهراً، ليبدأ تنفيذها بعد ذلك بتصديق من الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي.

Shutterstock
سفينة الحاويات "MSC Maya" تمر عبر قناة السويس.

تُعَدُّ القناة أحد أهم مصادر الدخل للعملات الأجنبية لمصر قبل اضطراب حركة الملاحة في البحر الأحمر، جراء الهجمات الحوثية على السفن، وكانت إيراداتها تجاوزت حاجز 10 مليارات دولار في العام المنصرم. لكن الرياح تأتي بما لا تشتهي السفن، فقد مر الاقتصاد المصري خلال السنتين الماضيتين بالعديد من الأزمات سواء كانت أسبابها محلية أو عالمية. وتوصلت الحكومة إلى انفراجات عدة، من موافقة صندوق النقد الدولي على قرض بقيمة 9,2 مليارات دولار، إلى عزم البنك الدولي تقديم أكثر من ستة مليارات دولار لمصر على مدى السنوات الثلاث المقبلة، والصفقة الإماراتية في "رأس الحكمة" التي بلغت قيمتها نحو 35 مليار دولار لتحدث انفراجاً دولارياً للبلاد، ينتظر المواطنون نتائجها انخفاضاً في معدل التضخم والأسعار. وجاءت أخيراً موافقة الاتحاد الأوروبي على حزمة تمويلية بنحو 8 مليارات دولار قروضاً واستثمارات وتعاوناً في ملفي الهجرة إلى أوروبا ومكافحة الإرهاب على مدى أربع سنوات.

آراء متناقضة

وصف البعض مشروع ازدواج القناة في الوقت الراهن بأنه يتسم بالمجازفة الاقتصادية، وسط أزمة اقتصادية خانقة تعاني منها البلاد، وطالت شرائح المجتمع كلها، نتيجة الإفراط في المشاريع العقارية وتشييد المدن والبنية التحتية، على الرغم من أهميتها. ويطالب البعض بضرورة استغلال الأموال التي حصلت عليها مصر أخيراً، وذلك ليس فقط لتسديد فوائد الديون، بل أيضاً لتحقيق التنمية الاقتصادية التي تبدأ من الاهتمام بالصحة والتعليم والتصنيع والتصدير، ولا تقف عند حدود الاستثمار العقاري.

تحولات في حركة الملاحة العالمية، إذ تحوّل روسيا تجارتها عبر القطب الشمالي، مما يختصر رحلات السفن. وهناك مشروع "أرض الصومال" لإنشاء ميناء في البحر الأحمر

رئيس منتدى الشرق الأوسط للدراسات السياسية والاستراتيجية، الدكتور سمير غطاس

وسط حالة الجدال والتجاذبات والزخم وردود الأفعال حول مشروع حفر مسار مواز في قناة السويس، أبدى سياسيون واقتصاديون، استطلعت "المجلة" آراء بعضهم، تخوفا من الجدوى الاقتصادية نظراً إلى التحديات والأوضاع السياسية المتقلبة والحروب والأزمات الاقتصادية، بالإضافة إلى حجم التكاليف الباهظة لتنفيذه. 

أشار رئيس منتدى الشرق الأوسط للدراسات السياسية والاستراتيجية، الدكتور سمير غطاس، إلى "أن إيران تستخدم الحوثيين كجزء من الأدوات الأساسية لها في البحر الأحمر، لكن في الوقت نفسه، يتمتع هؤلاء الحوثيون بشعور ذاتي بالقوة". وأوضح "أن المشكلة الرئيسة تكمن في سياسة الولايات المتحدة التي تنتقل من سياسة الاحتواء مع إيران إلى سياسة العقاب"، معتبراً "أن هذا الأمر لن يجدي مع الحوثيين".

وقال لـ"المجلة" إن مشكلة الحوثيين ليست في دعم قطاع غزة وشعبه، بل لتأثيرهم في حركة التجارة العالمية ومكانة الولايات المتحدة والدول الحليفة لها ونفوذها في المنطقة. وأشار إلى أن الأكثر تضرراً هي مصر وشركات الملاحة والتأمين. ومع تأكيد أهمية مشروع الممر الاقتصادي العابر للقارات، ثمة تحديات قد تواجهها مصر بسبب مخاوف من منافسته للممر الملاحي لقناة السويس، وتأثيره في حركة البضائع، مع تأكيد بقاء القناة في مكانتها في ما يتعلق بالنفط والحفاظ على دخلها من مرور ناقلاته العملاقة عبرها.

.أ.ب
الفرقاطة البريطانية "إت أم إس بورتلاند"، تعبر قناة السويس في الإسماعيلية، مصر، الأربعاء 3 ديسمبر 2008.

وأشار غطاس إلى تحولات في حركة الملاحة العالمية، إذ تحوّل روسيا تجارتها عبر القطب الشمالي، مما يختصر رحلات السفن بشكل كبير. وهناك مشاريع أخرى تنفذها دول أخرى، مثل مشروع إثيوبيا بالتعاون مع "أرض الصومال" لإنشاء ميناء في البحر الأحمر. ومع استمرار الأزمة وتشديد العقوبات الأميركية على إيران وحلفائها مثل الحوثيين، من المتوقع أن تستمر إيران في استخدام الحوثيين كجزء من استراتيجيتها لتحدي الولايات المتحدة في المنطقة. بالتالي، فإن مشروع ازدواج القناة لم يحظَ بترحيب من غطاس بسبب غياب الجدوى الاقتصادية له في ظل التحديات الجيوسياسية الراهنة.

تأخرت مصر كثيراً في تنفيذ هذا المشروع، مما أدى إلى تعقيد الدراسات المطلوبة وتأجيلها لفترة تصل إلى 16 شهراً، ويعد هذا التأخير خطأً كبيراً

الخبير الاقتصادي سامي رؤوف

ولفت غطاس إلى أن فتح التفريعة لقناة السويس عام 2015 لم يحقق النجاح المأمول في الوقت الحالي، لكن مع مرور الوقت، بدأت العوائد تزداد. مع ذلك، أرهقت تفريعة القناة البلاد بتكاليفها الباهظة وساهمت في تدهور قيمة العملة المحلية في مقابل الدولار. على إثر ذلك، بدأت مصر ببرنامج إصلاح اقتصادي يشمل خفض دعم الوقود وتعويم العملة. ولفت إلى تصريح وزير الخارجية المصري سامح شكري الذي أكد أن مسؤولية حماية البحر الأحمر تقع على عاتق الدول الشاطئية، وأن مصر ليست شريكة في التحالف الدولي في البحر الأحمر، على الرغم من أنها من أكثر الدول تضرراً نتيجة الأزمة. كذلك انتقد غطاس توسع الحكومة المصرية في الاستدانة سواء خارجياً أو داخلياً، مشيراً إلى أن هذا التوسع قد يزيد الأعباء المالية على الدولة وقد يؤثر سلباً في الاقتصاد ومعيشة المواطنين. 

من جهة أخرى، أعرب الخبير الاقتصادي سامي رؤوف عن رأي مختلف حيال مشروع ازدواج القناة، فأشار في حديث إلى "المجلة" إلى "أن مصر تأخرت كثيراً في تنفيذ هذا المشروع المزمع، مما أدى إلى تعقيد الدراسات المطلوبة وتأجيلها لفترة تصل إلى 16 شهراً". وأوضح "أن الكيلومترات التي حُفِرت عام 2014 كان يجب استكمالها ليكتمل المشروع منذ ذلك الوقت"، معتبراً التأخير "خطأً كبيراً ارتكبته مصر في ذلك الحين".

على الرغم من ذلك، رأى أن التوسع في الوقت الحالي قد يكون ممكناً نظراً إلى انخفاض عدد السفن التي تمر، ويمكن أن يوفر فرصة لتوسيع القناة القديمة أيضاً. وطالب بضرورة العمل في المنطقة الاقتصادية للتصنيع لاسترداد الأموال التي ستُصرَف على مشروع الازدواج. وأكد أن إيرادات قناة السويس تزايدت بشكل تدريجي، مشيراً إلى أن القناة حققت نحو 51 مليار دولار خلال السنوات الـ10 المنصرمة، واقتربت من 11 مليار دولار في نهاية العام المنصرم، وفق هيئة القناة. وأخيراً، أكد أهمية زيادة القيمة المضافة للأراضي المحيطة بالقناة من خلال تطوير منطقة صناعية ترتكز على التصدير وتطوير خدمات السفن وإنشاء منطقة صناعية متكاملة.

font change

مقالات ذات صلة