تقيم الفنانة الفرنسية المقيمة في نيويورك، كامي أنرو، من خلال منحوتاتها، مقاربة متداخلة الأبعاد ما بين البراءة بصيغتها المفتوحة على كل الاحتمالات، وضمنها الإقبال على المجازفة، وبين الضغوط الاجتماعية التي تتحرك بين طرفي ما يجب أن يفعل وما يجب ألا يفعل في حدود ما يمارسه المجتمع من رقابة على الأفراد. تلك فكرة تبدو غريبة عند إقحامها في عالم الفنون البصرية. ولكن أنرو تبدو مقنعة ومنسجمة مع رؤيتها الجمالية التي لم تفارق الصنيع النحتي، على الرغم من تعدد المواد التي تستعملها حين تقول تعريفا بمعرضها المقام في غاليري "هاوزر أند ويرث" بشارع 22 بنيويورك: "للمجتمع بنية غير مرئية لا ندركها، لأنها الماء الذي نسبح فيه".
"عدد من الأشياء"، هو عنوان المعرض. تسمية تبدو مستلهمة من عالم الرياضيات. تلك تبدو محاولة مرحة لاستدراج معادلات جمالية جديدة إلى عالمها، حين نكتشف أن الفنانة استعارت أدوات لعب كانت شائعة حتى سبعينات القرن الماضي لتعليم الأطفال الحساب. "أن نعد" يمكن أن يتحول إلى فعل رقابي ذاتي بمعنى "أن نعد خطواتنا لكي لا تخرج عن المسار المرسوم لها". لكن العالم الغرائبي الذي تنطوي عليه الأعمال النحتية الكبيرة يمكنه أن يكون أكثر سعة من التصادم بين قطبي العلاقة الاجتماعية، الفرد والمجتمع حين ننظر إليه من جهة عناصر بنائه المفعمة بطاقة شعرية خالصة. تظهر كامي أنرو جانبَي شخصيتها الموزعة بين الحداثة والمعاصرة، فهي نحاتة، وهي في الوقت نفسه صانعة محتوى مفاهيمي.
ترويض الكائنات المختلفة
بدأت عند دخولي إلى صالة العرض بمشهد ثم بعد أن انتهيت من رؤية المنحوتات والرسوم المعروضة، شعرت بالحاجة إلى العودة إلى ذلك المشهد. ذلك هو مشهد الكلاب المربوطة بعمود، كل واحد منها صنع من مادة مختلفة. والمواد المستعملة هي صفائح ألمنيوم وخشب وسلاسل حديد وصوف فولاذي وشمع ومواد أخرى. كل مادة صنعت الكلب المناسب لها. ولو شاءت الفنانة الاكتفاء بعرض كل منحوتة على حدة، لأقامت معرضا للنحت المعاصر يكون هدفه جماليات التعبير وقوته. لكن الفنانة غالبا ما تستجيب في عروضها لعادتها في استعادة ما فعلته في أوقات سابقة لتنفتح من خلاله على ما تفعله في مرحلة لاحقة.