خلال الأسابيع الأخيرة، طفت على السطح وبشكل واضح في المغرب، معالم صراع حزبي حاد، اشتعل بشراسة ليزج بالمتتبعين وسط أجواء حملة انتخابية سابقة لأوانها. وكأننا بصدد تمرين تربصِي، يفصح عما سيكون عليه الحال من احتدام في التنافس ومن مواجهات عنيفة في الانتخابات المقبلة، المرتقب إجراؤها بعد أشهر تزيد قليلا عن عام، أي في سبتمبر/أيلول 2026.
وتطور الصراع السياسي بمحاولة أحزاب المعارضة تقديم طلب رقابة لإسقاط حكومة رجل الأعمال عزيز أخنوش، الذي يقود ائتلافا حكوميا حاز الأغلبية المطلقة داخل مجلس النواب، في انتخابات سبتمبر 2021، ويتكون من حزب "التجمع الوطني للأحرار" (120 مقعدا)، وحزب "الأصالة والمعاصرة" (86 مقعدا)، مع حزب "الاستقلال" (81 مقعدا).
في حين لم يتجاوز عدد نواب أحزاب المعارضة 120 نائبا من أصل 395 نائبا.
بالرغم من توفر المعارضة على أكثر من 95 نائبا، يؤهلها قانونيا القيام بتفعيل الآلية الدستورية المتمثلة في رفع طلب حجب الثقة عن الحكومة، (محدد في 79 توقيعا)، إلا أن المعارضة لم تنجح في هذا المسعى في محاولتين متتاليتين.
ففي العام الماضي صوتت الأغلبية في مجلس النواب ضد فرض "ملتمس الرقابة" الذي تقدم به حزب "الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية".
وفي المحاولة الثانية، خلال الأيام الفائتة، سيتكرر الفشل في إسقاط الحكومة.
لذلك صرح نبيل بنعبد الله، الأمين العام لـ"التقدم والاشتراكية" قائلا: "نعلم أن الحكومة لن تسقط، لكننا نتحرك لإبراز الحقيقة، ومخاطبة الشعب من داخل البرلمان بكل وضوح وشفافية".
إذن، كان الأمر متوقعا، خصوصا وأن أحزاب المعارضة تعيش خلافات ظاهرة في ما بينها، تجسدها انقسامات وخصومات أيديولوجية ومنازعات سياسية، ساهمت في تشتتها وإبعادها عن التكتل أو التوصل إلى تنسيق متوافق عليه، ولو في شروط حدوده الدنيا.
لذلك حدث "الحجب التلقائي" لملتمس حجب الثقة عن الحكومة ونسف قبل ولادته، كمحصلة طبيعية لخلافات تبدو في ظاهرها تقنية وبسيطة أو غير جوهرية، مثل المنافسة حول من هو "زعيم المعارضة وقائدها"؟
بينما الحقيقة أكبر من ذلك، إذ إن لها ذيولها وتداعياتها الشخصية الملونة بالخصومة العالقة والمشاحنة المعلنة والخفية في آن، بين إدريس لشكر، الكاتب الأول لحزب "الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية"، ونبيل بنعبد الله، الأمين العام لحزب "التقدم والاشتراكية" (الشيوعي). وبين إدريس لشكر وعبد الإله بنكيران الأمين العام لحزب "العدالة والتنمية" (إسلامي).
معارضان رغما عنهما... وثالث بلا غفران!
حزبان آخران من أحزاب المعارضة، هما حزب "الحركة الشعبية" (يمين)، يتزعمه محمد أوزين، الذي فرضت عليه المعارضة، شأنه في ذلك لا يختلف عن الاتحادي إدريس لشكر. وقد تتبع الرأي العام وقتها بالتفاصيل كيف سعى الرجلان من أجل التحاق حزبيهما بالائتلاف الحكومي الحالي بأي ثمن.
والحزب الثاني هو حزب "العدالة والتنمية"، بقيادة عبد الإله بنكيران، الرئيس السابق للحكومة (بين 2012- 2016). هذا الأخير لا يكتم الجهر بأنه لن يغفر الدور "التآمري" (كما يصفه)، الذي قام به إدريس لشكر، الكاتب الأول لـ"الاتحاد الاشتراكي"، برعاية عزيز أخنوش الأمين العام لـ"التجمع الوطني للأحرار".