عندما منح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وسام الشرف الأعلى في البلاد، لوزير الخارجية المخضرم سيرغي لافروف مطلع هذا العام، كان ذلك تقديرا منه لسنوات طوال أمضاها لافروف في تقديم الدعم غير المشروط للكرملين في السياسة الخارجية الروسية.
ونص مرسوم الرئيس بوتين على منح لافروف وسام القديس أندراوس الرسول الأول، أرفع وسام في الدولة الروسية، على أن التكريم جاء تقديرا لـ"خدماته الجليلة للوطن، وإسهاماته البارزة في صياغة السياسة الخارجية الروسية وتنفيذها، وعطائه الدؤوب طوال سنوات عمله كرجل دولة".
تزامن هذا التكريم مع احتفال لافروف بعيد ميلاده الخامس والسبعين في شهر مارس/آذار، بعد أن أمضى ما يقارب اثنين وعشرين عاما في منصب كبير الدبلوماسيين الروس. وخلال هذه الفترة، تصدى لأصعب التحديات الدبلوماسية التي واجهتها موسكو بأسلوبه المتفرد والمميز. وقد عُرف عنه طبعه الصارم، وأسلوبه الحازم الذي قد يبعث على الترهيب أحيانا، فكان الذراع الصلبة للرئيس فلاديمير بوتين في الملفات الدولية الكبرى، من الحرب الأهلية الدامية في سوريا، التي دفعت موسكو إلى التدخل العسكري دعما لبشار الأسد، إلى الحرب في أوكرانيا، التي دافع فيها بضراوة عن الغزو الروسي عام 2022.
وبسبب صرامته وأسلوبه التهديدي أحيانا وموقفه المتصلب الرافض للتعاون مع الغرب في القضايا الأمنية المصيرية، لقب بـ(Mr. Nyet) (أي السيد "لا" بالروسية)- وهو اللقب ذاته الذي أُطلق سابقا على وزير الخارجية السوفياتي أندريه غروميكو خلال الحرب الباردة، في إشارة إلى سياسة الرفض الثابت التي اتبعها السوفيات آنذاك.
لقد بقي لافروف، بفضل الرعاية المخلصة التي حظي بها من بوتين، في منصبه لفترة أطول من أي دبلوماسي روسي آخر، ما خلا غروميكو الذي استمرت ولايته 28 عاما، والمستشار الحكومي للإمبراطورية الروسية ألكسندر غورتشاكوف الذي أمضى 26 عاما في الخدمة الدبلوماسية. ونظرا لخدمته الطويلة في السلك الدبلوماسي الروسي، فإن لافروف اليوم هو أقدم مسؤول حكومي في روسيا.
إذا كانت الدبلوماسية كما يُقال هي "فن المواربة في سبيل المصالح الوطنية" فإنها السمة التي طبعت أداء لافروف على الساحة الدولية بطابعها المميز. ففي أعقاب حادثة تسمم سالزبري عام 2018 بالمملكة المتحدة، عندما حاول عملاء روس اغتيال الجاسوس السابق سيرغي سكريبال باستخدام غاز الأعصاب "نوفيتشوك"، تصدى لافروف للاتهامات الموجهة لروسيا وتحميلها المسؤولية عن الحادث، وذلك برفض قاطع وغاضب.