منذ بداية هذا العام، شهدت دول غرب أفريقيا، والساحل وبالأخص بوركينا فاسو ومالي وبنين، تصاعدا ملحوظا ومقلقا في أنشطة الجماعات الإرهابية المتطرفة، وأبرزها "جماعة نصرة الإسلام والمسلمين".
بدأت هذه الهجمات الإرهابية في 8 يناير/كانون الثاني، حين شنت الجماعة هجوما على موقع عسكري في منطقة "بوينت تريبل" شمال بنين، بالقرب من الحدود مع بوركينا فاسو والنيجر، ما أسفر عن مقتل 28 جنديا. ثم هاجمت الجماعة نفسها في 7 فبراير/شباط قافلة مدنية تضم 19 مركبة محملة بالبضائع وتقل عمال مناجم وتجارا بالقرب من منطقة كوبي في دولة مالي، مما أدى إلى مقتل34 مدنيا وإصابة 34 آخرين. وفي 14 فبراير، حاولت "كتائب جبهة تحرير ماسينا"، وهي جماعة إسلامية سلفية جهادية، اغتيال وزير التعليم العالي في مالي بإطلاق صواريخ، فأصيب عدد من عناصر الأمن المكلفين بحمايته.
لم تتوقف موجة العنف عند هذا الحد. ففي 3 مارس/آذار الماضي، نفذت "جماعة نصرة الإسلام والمسلمين" (JNIM) هجوما على قرية في منطقة تاهوا في النيجر، بالقرب من الحدود مع مالي، مستهدفة تجمعا للمزارعين، فقتل 17 شخصا ونهبت كميات كبيرة من المحاصيل والماشية. وفي 20 أبريل/نيسان، استهدفت الجماعة نفسها قاعدة عسكرية في منطقة دجيبو في بوركينا فاسو، مستخدمة سيارة مفخخة وهجوما مباشرا، مما أسفر عن مقتل 12 جنديا وإصابة 19 آخرين.
كما شهدت بنين في 10 مايو/أيار هجوما على نقطة تفتيش حدودية في منطقة أليدجو، أدى إلى مقتل 7 من أفراد الأمن واختطاف 3 آخرين. كما قامت الجماعة أيضا باستهداف موقع عسكري في إقليم لوروم شمالي بوركينا فاسو، يوم 13 مايو قتلت فيه 60 جنديا. وظهر عثمان ديكو قائد جماعة "نصرة الإسلام والمسلمين" في بوركينا فاسو في تسجيل مصوّر في اليوم نفسه وهو يحث سكان بلدة جيبو شمال البلاد على مغادرتها حفاظا على سلامتهم. هذه الهجمات المتتالية تُظهر تنامي قدرات الجماعات الإرهابية من حيث التنظيم والتنسيق، ما يثير مخاوف من اتساع نطاق العنف.
تأسست "جماعة نصرة الإسلام والمسلمين" في مارس/آذار 2017 باندماج أربع حركات مسلحة في مالي ومنطقة الساحل، هي: "أنصار الدين"، و"كتائب ماسينا"، و"كتيبة المرابطون"، و"إمارة منطقة الصحراء الكبرى"، تحت قيادة إياد أغ غالي، الزعيم الطوارقي البارز. وقد أعلنت الجماعة ولاءها لتنظيم "القاعدة في المغرب الإسلامي" (AQIM)، مما جعلها جزءا من شبكة "القاعدة" العالمية. وعلى عكس تنظيم "داعش"، الذي يتبنى نهجا أكثر عنفا وتوسعا عالميا، تركز "نصرة الإسلام والمسلمين" على العمليات المحلية والإقليمية، مستغلة التوترات العرقية والاجتماعية في الساحل لتجنيد المقاتلين وتوسيع نفوذها.
علاقة الجماعة بتنظيم "القاعدة في المغرب الإسلامي" تنحصر في الدعم اللوجستي والتدريب على السلاح، حيث تلقت تسليحا وخبرات من فروع "القاعدة" في المنطقة. ولم تُظهر الجماعة أي ارتباط مباشر بتنظيم "داعش"، بل تنافست معه في بعض المناطق على النفوذ والموارد. في منطقة المغرب العربي، تقتصر أنشطة الجماعة على المناطق الحدودية في الجزائر وجنوب ليبيا، حيث نفذت عمليات محدودة مثل الهجمات على نقاط التفتيش العسكرية وخطف الأجانب للحصول على فدية. ولكن يبقى تركيزها الأساسي في منطقة الساحل الأفريقي، حيث تستغل ضعف الحكومات والصراعات المحلية.
إن هذا التصعيد في الهجمات الإرهابية ليس مجرد موجة عابرة، بل هو مؤشر على تعقيدات الأزمة الأمنية في منطقة الساحل. وتنشط جماعات مثل "نصرة الإسلام والمسلمين" و"جبهة تحرير ماسينا" في بيئة تتسم بالهشاشة السياسية، والفقر المدقع، والصراعات العرقية، مما يوفر أرضية خصبة لتجنيد المقاتلين وتوسيع نفوذ هذه الجماعات.
في بوركينا فاسو، على سبيل المثال، أدت الانقلابات العسكرية المتتالية منذ عام 2022 إلى إضعاف مؤسسات الدولة، مما سمح للجماعات المتطرفة باستغلال الفراغ الأمني. كما أن التوترات بين المجتمعات المحلية، خاصة بين الفولاني والجماعات العرقية الأخرى، غذت الصراعات التي تستغلها هذه الجماعات لتعزيز وجودها. وبينما تمحورت سياسة إبراهيم تراوري، رئيس بوركينا فاسو المؤقت منذ سبتمبر/ أيلول 2022، حول تعزيز السيادة الوطنية وتقليص التدخل الأجنبي، خاصة من خلال قطع العلاقات مع فرنسا، وتعزيز التعاون مع روسيا، وتأسيس تحالف دول الساحل مع مالي والنيجر.
هذا النهج يعكس موجة سياسية أوسع في غرب أفريقيا، حيث تسعى الأنظمة العسكرية الناشئة عن الانقلابات إلى استعادة السيطرة الوطنية وسط اتهامات للقوى الغربية باستغلال المنطقة.