الإرهاب يكشّر عن أنيابه مجددا في غرب أفريقيا

تظل الأسباب الجذرية مثل الفقر المدقع، والتوترات العرقية هي المحركات الرئيسة لتفاقم الإرهاب

أ ف ب
أ ف ب
جنود تشاديون من "قوة العمل المشتركة" في مدينة مونغونو النيجرية في 15 ديسمبر 2019

الإرهاب يكشّر عن أنيابه مجددا في غرب أفريقيا

منذ بداية هذا العام، شهدت دول غرب أفريقيا، والساحل وبالأخص بوركينا فاسو ومالي وبنين، تصاعدا ملحوظا ومقلقا في أنشطة الجماعات الإرهابية المتطرفة، وأبرزها "جماعة نصرة الإسلام والمسلمين".

بدأت هذه الهجمات الإرهابية في 8 يناير/كانون الثاني، حين شنت الجماعة هجوما على موقع عسكري في منطقة "بوينت تريبل" شمال بنين، بالقرب من الحدود مع بوركينا فاسو والنيجر، ما أسفر عن مقتل 28 جنديا. ثم هاجمت الجماعة نفسها في 7 فبراير/شباط قافلة مدنية تضم 19 مركبة محملة بالبضائع وتقل عمال مناجم وتجارا بالقرب من منطقة كوبي في دولة مالي، مما أدى إلى مقتل34 مدنيا وإصابة 34 آخرين. وفي 14 فبراير، حاولت "كتائب جبهة تحرير ماسينا"، وهي جماعة إسلامية سلفية جهادية، اغتيال وزير التعليم العالي في مالي بإطلاق صواريخ، فأصيب عدد من عناصر الأمن المكلفين بحمايته.

لم تتوقف موجة العنف عند هذا الحد. ففي 3 مارس/آذار الماضي، نفذت "جماعة نصرة الإسلام والمسلمين" (JNIM) هجوما على قرية في منطقة تاهوا في النيجر، بالقرب من الحدود مع مالي، مستهدفة تجمعا للمزارعين، فقتل 17 شخصا ونهبت كميات كبيرة من المحاصيل والماشية. وفي 20 أبريل/نيسان، استهدفت الجماعة نفسها قاعدة عسكرية في منطقة دجيبو في بوركينا فاسو، مستخدمة سيارة مفخخة وهجوما مباشرا، مما أسفر عن مقتل 12 جنديا وإصابة 19 آخرين.

كما شهدت بنين في 10 مايو/أيار هجوما على نقطة تفتيش حدودية في منطقة أليدجو، أدى إلى مقتل 7 من أفراد الأمن واختطاف 3 آخرين. كما قامت الجماعة أيضا باستهداف موقع عسكري في إقليم لوروم شمالي بوركينا فاسو، يوم 13 مايو قتلت فيه 60 جنديا. وظهر عثمان ديكو قائد جماعة "نصرة الإسلام والمسلمين" في بوركينا فاسو في تسجيل مصوّر في اليوم نفسه وهو يحث سكان بلدة جيبو شمال البلاد على مغادرتها حفاظا على سلامتهم. هذه الهجمات المتتالية تُظهر تنامي قدرات الجماعات الإرهابية من حيث التنظيم والتنسيق، ما يثير مخاوف من اتساع نطاق العنف.

تأسست "جماعة نصرة الإسلام والمسلمين" في مارس/آذار 2017 باندماج أربع حركات مسلحة في مالي ومنطقة الساحل، هي: "أنصار الدين"، و"كتائب ماسينا"، و"كتيبة المرابطون"، و"إمارة منطقة الصحراء الكبرى"، تحت قيادة إياد أغ غالي، الزعيم الطوارقي البارز. وقد أعلنت الجماعة ولاءها لتنظيم "القاعدة في المغرب الإسلامي" (AQIM)، مما جعلها جزءا من شبكة "القاعدة" العالمية. وعلى عكس تنظيم "داعش"، الذي يتبنى نهجا أكثر عنفا وتوسعا عالميا، تركز "نصرة الإسلام والمسلمين" على العمليات المحلية والإقليمية، مستغلة التوترات العرقية والاجتماعية في الساحل لتجنيد المقاتلين وتوسيع نفوذها.

علاقة الجماعة بتنظيم "القاعدة في المغرب الإسلامي" تنحصر في الدعم اللوجستي والتدريب على السلاح، حيث تلقت تسليحا وخبرات من فروع "القاعدة" في المنطقة. ولم تُظهر الجماعة أي ارتباط مباشر بتنظيم "داعش"، بل تنافست معه في بعض المناطق على النفوذ والموارد. في منطقة المغرب العربي، تقتصر أنشطة الجماعة على المناطق الحدودية في الجزائر وجنوب ليبيا، حيث نفذت عمليات محدودة مثل الهجمات على نقاط التفتيش العسكرية وخطف الأجانب للحصول على فدية. ولكن يبقى تركيزها الأساسي في منطقة الساحل الأفريقي، حيث تستغل ضعف الحكومات والصراعات المحلية.

إن هذا التصعيد في الهجمات الإرهابية ليس مجرد موجة عابرة، بل هو مؤشر على تعقيدات الأزمة الأمنية في منطقة الساحل. وتنشط جماعات مثل "نصرة الإسلام والمسلمين" و"جبهة تحرير ماسينا" في بيئة تتسم بالهشاشة السياسية، والفقر المدقع، والصراعات العرقية، مما يوفر أرضية خصبة لتجنيد المقاتلين وتوسيع نفوذ هذه الجماعات.

في بوركينا فاسو، على سبيل المثال، أدت الانقلابات العسكرية المتتالية منذ عام 2022 إلى إضعاف مؤسسات الدولة، مما سمح للجماعات المتطرفة باستغلال الفراغ الأمني. كما أن التوترات بين المجتمعات المحلية، خاصة بين الفولاني والجماعات العرقية الأخرى، غذت الصراعات التي تستغلها هذه الجماعات لتعزيز وجودها. وبينما تمحورت سياسة إبراهيم تراوري، رئيس بوركينا فاسو المؤقت منذ سبتمبر/ أيلول 2022، حول تعزيز السيادة الوطنية وتقليص التدخل الأجنبي، خاصة من خلال قطع العلاقات مع فرنسا، وتعزيز التعاون مع روسيا، وتأسيس تحالف دول الساحل مع مالي والنيجر.

هذا النهج يعكس موجة سياسية أوسع في غرب أفريقيا، حيث تسعى الأنظمة العسكرية الناشئة عن الانقلابات إلى استعادة السيطرة الوطنية وسط اتهامات للقوى الغربية باستغلال المنطقة.

"جماعة نصرة الإسلام والمسلمين" تقتات اليوم على الانقسامات العرقية في الساحل، وعلى تفكك مؤسسات الدولة في بوركينا فاسو ومالي

وعلى الرغم من جهود تراوري لمكافحة الإرهاب، مثل تجنيد "متطوعي الدفاع عن الوطن" وإنشاء وحدات عسكرية خاصة، فقد استمرت الهجمات الإرهابية، مثل هجوم دجيبو في أبريل/نيسان 2025 الذي أودى بحياة 12 جنديا. وفي مالي، فاقم انسحاب القوات الفرنسية والأوروبية من "عملية برخان" وتقليص وجود بعثة الأمم المتحدة (MINUSMA) من التحديات الأمنية.

هذا الانسحاب ترك فجوة كبيرة في القدرات العسكرية لمواجهة الجماعات الإرهابية، التي باتت تستخدم تكتيكات أكثر تعقيدا مثل الهجمات المفاجئة، والتفجيرات بالعبوات الناسفة، والاغتيالات المستهدفة. ومع ذلك، تظل الأسباب الجذرية مثل الفقر المدقع، والتوترات العرقية، وضعف الحكومات هي المحركات الرئيسة لتفاقم الإرهاب، مما يشير إلى أن السياسات العسكرية وحدها غير كافية، وأن الحلول الشاملة التي تستهدف التنمية والحكم الرشيد ضرورية لمواجهة هذا التهديد.

أما في بنين، التي كانت تُعتبر نسبيا ملاذا آمنا مقارنة بجيرانها، فقد بدأت الجماعات المتطرفة تنقل عملياتها إلى المناطق الحدودية، مما يهدد استقرار المنطقة بأكملها.

أ.ف.ب
يقف ضباط شرطة بالقرب من جثث مسلحين يزعم أنهم من "حركة الشباب"، قتلوا بعد حصار مقر بلدية مقديشو في 22 يناير 2023

ويتعزز فهم هذا السياق عند النظر إلى السياقات المماثلة والتي تبرز فيها مقاربة ضرورية مع مسار جماعة "بوكو حرام" في حوض بحيرة تشاد، لكونها تمثل نموذجا موازيا لكيفية تطور التنظيمات الجهادية المحلية إلى حركات مسلحة متمكنة إقليميا بفعل التدهور الاجتماعي والأمني.

تأسست "بوكو حرام" في نيجيريا في أواخر التسعينات كحركة دينية احتجاجية على الفساد وفشل الدولة في تقديم الخدمات الأساسية، لكنها تحولت تدريجيا إلى تنظيم مسلح شن تمردا واسع النطاق منذ عام 2009، وبلغ ذروته بين 2014 و2015 حين سيطر على مساحات شاسعة من شمال شرقي نيجيريا.

"بوكو حرام" تطورت ضمن دولة واحدة تعاني من هشاشة نسبية، بينما تتطور جماعات الساحل في فضاء أمني منحل عبر حدود ثلاث دول أو أكثر، مما يجعل احتواءها أكثر صعوبة

هذا التحول نبع من التربة نفسها التي تنمو فيها جماعات الساحل، أي مزيج من الفقر المدقع، والتهميش العرقي، وضعف الدولة، وانعدام الحوكمة. وكما استفادت "بوكو حرام" من الانقسام داخل المؤسسة العسكرية النيجيرية، واستغلال المظالم التاريخية لشعب الكانوري ضد النخبة السياسية في الجنوب، فإن "جماعة نصرة الإسلام والمسلمين" تقتات اليوم على الانقسامات العرقية في الساحل، لا سيما بين الفولاني والمجموعات الأخرى، وعلى تفكك مؤسسات الدولة في بوركينا فاسو ومالي. اللافت في المقارنة أن "بوكو حرام" شهدت أيضا انقساما داخليا قاد إلى بروز جناح موالٍ لـ"داعش" يعرف بـ(ISWAP)، تماما كما أن جماعات الساحل تشهد تنافسا بين جناح تابع لـ"القاعدة" (JNIM) وآخر لـ"داعش" (ISGS).

لكن الفارق الجوهري هو أن "بوكو حرام" تطورت ضمن دولة واحدة تعاني من هشاشة نسبية، بينما تتطور جماعات الساحل في فضاء أمني منحل عبر حدود ثلاث دول أو أكثر، مما يجعل احتواءها أكثر صعوبة. كما أن السياسات الأمنية النيجرية، رغم ما شابها من انتهاكات، سعت إلى الفصل بين المسلحين والسكان، وهو أمر لم يتحقق بعد في دول الساحل، حيث التداخل بين الجماعات المسلحة والمجتمعات المحلية لا يزال يشكل تحديا مركزيا. بالتالي، فإن فهم تجربة "بوكو حرام" لا يجب أن يُقرأ فقط كتحذير، بل كمرآة تعكس مستقبلا محتملا أكثر خطورة في الساحل ما لم تُتخذ إجراءات حقيقية وشاملة.

أ.ف.ب
جنود بوركينا فاسو يقومون بدوريات في شوارع واغادوغو، بعد هجوم نفذه مسلّحون يُشتبه بأنّهم متطرفون، في 30 سبتمبر 2022

تتجاوز تداعيات هذه الهجمات الخسائر البشرية إلى آثار إنسانية واقتصادية كارثية. في بوركينا فاسو، نزح أكثر من مليوني شخص داخليا بحلول منتصف عام 2025، ويعاني الملايين من انعدام الأمن الغذائي بسبب تعطيل الأنشطة الزراعية نتيجة العنف. وفي مالي، أدت الهجمات على القوافل التجارية، مثل هجوم كوبي، إلى شل حركة التجارة الإقليمية، مما زاد من أسعار السلع الأساسية وفاقم الفقر. أما في بنين، فإن الهجمات الحدودية تهدد بتقويض الاستثمارات في القطاعات السياحية والزراعية، التي تُعدّ ركائز أساسية لاقتصاد البلاد.

عودة النشاط الإرهابي في غرب أفريقيا تُشكل تهديدا خطيرا لاستقرار المنطقة وتنميتها. واستمرار الوضع الحالي دون تدخل فعال سيؤدي إلى تفاقم الأزمات الإنسانية والاقتصادية

وتواجه دول غرب أفريقيا والساحل تحديات كبيرة في التصدي لهذا التهديد المتزايد. وعلى الصعيد الإقليمي، تعاني "قوة الساحل المشتركة" (G5 Sahel) من نقص التمويل والتنسيق، ما يحد من فعاليتها. كما أن استبدال الاعتماد على شركاء دوليين، مثل روسيا أو الصين، بدلا من فرنسا التي فرضت نفوذها لعقود طويلة على المنطقة لم ينعكس نتائج ملموسة على الأرض حتى الآن. وعلى المستوى المحلي، تكافح الحكومات لاستعادة ثقة المواطنين، حيث تُوجه انتقادات متزايدة للقوات المسلحة بسبب الفشل في حماية المدنيين.

وللتصدي لهذا التصعيد الإرهابي، يتطلب الأمر نهجا شاملا يتجاوز الحلول العسكرية. أولا، يجب تعزيز التعاون الإقليمي من خلال تمكين قوة الساحل المشتركة وتزويدها بالموارد اللازمة وهو أمر يبدو من الصعوبة بمكان في ظل انهيار وضعف مؤسسات التعاون الدولي متعددة الأطراف.

ثانيا، ينبغي التركيز على معالجة الأسباب الجذرية مثل الفقر والبطالة من خلال برامج تنموية مستدامة تستهدف الشباب، الذين يُشكلون غالبية المجندين للجماعات المتطرفة.

ثالثا، تحتاج هذه الدول إلى برامج لتعزيز الحوكمة الرشيدة وبناء مؤسسات قوية قادرة على استعادة ثقة المواطنين.

وأخيرا، ينبغي على المجتمع الدولي تقديم دعم تقني ولوجستي دون فرض أجندات سياسية قد تُفاقم التوترات.

إن عودة النشاط الإرهابي في غرب أفريقيا تُشكل تهديدا خطيرا لاستقرار المنطقة وتنميتها. واستمرار الوضع الحالي دون تدخل فعال سيؤدي إلى تفاقم الأزمات الإنسانية والاقتصادية، وربما يوسع رقعة العنف إلى دول أخرى في المنطقة. ويتطلب الأمر جهودا منسقة وطويلة الأمد لمواجهة هذا الخطر، مع التركيز على بناء مجتمعات مرنة قادرة على الصمود أمام إغراءات التطرف.

font change