اندلعت المواجهات المسلحة بين الهند وباكستان في السابع من مايو/أيار، وانتهت بإعلان وقفٍ لإطلاق النار في العاشر منه. ورغم قِصر أمد النزاع، الذي تبادل فيه الطرفان مئات الصواريخ والطائرات المسيّرة، فإنه يشي بمستقبل قاتم لعلاقاتهما الثنائية، ويُنذر بتحولات مقلقة في موازين الأمن الإقليمي.
لقد طرأ تحوّل ملموس على المشهد الجيوسياسي في جنوب آسيا، بات يُقاس من خلال ثلاثة مؤشرات بارزة: تصاعد التنافس الإقليمي، وتسارع وتيرة التسلّح، وتدنّي عتبة الانزلاق إلى الحرب. وفي سابقة تُعدّ من بين الأكبر في سجل الاشتباكات الجوية في القارة، شاركت أكثر من مئة طائرة حربية من البلدين في معركة ليلية كثيفة بين السادس والسابع من مايو.
ورغم المناشدات الحثيثة التي أطلقها عدد من الدول والأمين العام للأمم المتحدة لاحتواء التصعيد، لم يكن بالإمكان منع اندلاع الأعمال العدائية. ومع ذلك ساد صوت العقل في نهاية المطاف، إذ وافق الطرفان على وقف إطلاق النار الذي أعلنه أولا الرئيس الأميركي دونالد ترمب.
وقد اضطلع كل من نائب الرئيس الأميركي، جيه دي فانس، ووزير الخارجية ماركو روبيو، بدور جوهري في إقناع القيادتين الهندية والباكستانية بإنهاء القتال، على الرغم من تصريح فانس في وقت سابق بأن النزاع "ليس من شأننا". كما انخرطت كل من المملكة العربية السعودية وإيران منذ اللحظات الأولى في جهود احتواء التصعيد، ما عكس إدراكا إقليميا لخطورة انفجار الوضع.
وتبعا للتصريحات الباكستانية، كان للدور الخارجي أثر حاسم في بلوغ التفاهم، في حين قابلت الهند هذا الانخراط بنوع من التحفظ، انسجاما مع موقفها التقليدي الرافض لأي وساطة خارجية في نزاعاتها مع إسلام آباد.
لكن، بعيدا عن تجاذبات الدبلوماسية، فإن المواجهة الأخيرة لم تُجدّد تسليط الضوء على قضية كشمير فحسب، بل أعادت طرح الأسئلة الكبرى حول هشاشة الاستقرار في منطقة تمتلك فيها الأطراف المتنازعة ترسانات نووية. ولا ريب أن هذا الاحتمال الخطِر قد دفع قوى دولية نافذة إلى التدخل استباقا لانهيار كامل للوضع.
وقد أسهمت هذه التطورات في خفض عتبة التصعيد العسكري، ودفع الدول المجاورة إلى التفكير بجدّية في إعداد خطط طوارئ تحسبا لأي نزاع محتمل في المستقبل القريب.
أسهمت الاتصالات الديبلوماسية في خفض عتبة التصعيد العسكري، ودفع الدول المجاورة إلى التفكير بجدّية في إعداد خطط طوارئ تحسبا لأي نزاع محتمل في المستقبل القريب
وكان قد سبق الاشتباكات المسلحة تبادلٌ عنيف للاتهامات، أعقب الهجوم الذي وقع في الثاني والعشرين من أبريل/نيسان في كشمير الخاضعة للإدارة الهندية، أسفر عن مقتل ستة وعشرين شخصا، معظمهم من السياح الهنود. وحمّلت نيودلهي وقتها باكستان المسؤولية، بينما وصفت إسلام آباد الاتهامات بأنها "مختلقة"، وطالبت بإجراء تحقيق دولي.
وعقب ذلك، أعلن الطرفان سلسلة من الإجراءات العقابية المتبادلة، شملت طرد المستشارين العسكريين من البعثات الدبلوماسية وإلغاء تأشيرات الدخول وتعليق الهند معاهدة مياه السند الموقّعة عام 1960، ثم تحذير باكستان من إمكانية تعليق اتفاقية "سيملا" لعام 1972. كما تم قطع العلاقات التجارية بين البلدين.
وكانت لغة التصعيد هذه، التي وسمت الخطاب السياسي من كلا الجانبين، تنذر باقتراب مواجهة عسكرية حتمية، وهو ما حدث بالفعل بطريقة مروعة. ولم يُبدّد وقف إطلاق النار، رغم ضرورته، الأسباب الجذرية للتوتر، ولا هو فتح أفقا واضحا للحل. فقضية كشمير، التي لطالما كانت محور النزاع منذ نحو ثمانية عقود، لا تزال تؤجج العداء بين البلدين، اللذين خاضا ثلاث حروب من أجلها.
وقد أثارت تصريحات الرئيس الأميركي دونالد ترمب استغرابا، حين قال إن النزاع بين الهند وباكستان يمتد إلى "آلاف السنين"، في إشارة فضفاضة إلى عمق التوتر، بينما الواقع يشير إلى تعقيدات تعود إلى ما بعد الاستقلال وتقسيم شبه القارة.
أما رئيس الوزراء الهندي، ناريندرا مودي، فقد ألقى خطابا حادّ اللهجة في الثاني عشر من مايو، تحدّث فيه عن "تحول في القواعد" في التعاطي مع ما وصفه بـ"التهديد الإرهابي"، مؤكدا نهجا أكثر صرامة في التعامل مع باكستان.
وفي الحادي عشر من مايو، زاد ترمب من حدة التفاعل الدولي مع القضية، حين نشر على وسائل التواصل الاجتماعي تصريحا ذكر فيه أن "حلا ممكنا يمكن التوصّل إليه بشأن كشمير"، وهو ما أسهم في تسليط الضوء العالمي على الملف، ويقوّض في الوقت ذاته مساعي نيودلهي لاحتواء النزاع ضمن الإطار الثنائي.
ومنذ إلغاء الحكومة الهندية للمادة 370 من الدستور في أغسطس/آب 2019، والتي كانت تمنح إقليم جامو وكشمير شكلا محدودا من الحكم الذاتي، انقطعت قنوات الحوار السياسي بين البلدين.
على أن ما أفرزته هذه المواجهة الأخيرة ليس مجرد اشتباك عسكري عابر، بل بيئة مشحونة قد تُصبح فيها النزعات القومية، والكراهية، والتراشق الإعلامي، والمواقف المتطرفة، جزءا من المشهد الاعتيادي في جنوب آسيا.