أسئلة عن جدوى ووظيفة السلاح الفلسطيني في لبنان

بات البلد ساحة أخرى للمداخلات الإقليمية في الشأن الفلسطيني

أسئلة عن جدوى ووظيفة السلاح الفلسطيني في لبنان

استمع إلى المقال دقيقة

مشكلة معظم الفصائل الفلسطينية، بخاصة التي تعيش على تاريخها، أي على ماضيها، وليس على حاضرها، أنها باتت تضع وجودها مقابل قضية شعبها وحقوقه، وسلاحها مقابل وجود الشعب الفلسطيني، سواء في الداخل أو في الخارج، كأنها باتت هي القضية والشعب.

المشكلة الثانية تكمن في تشبّث تلك الفصائل بالكفاح المسلح كلاميا، في حين لا تمارسه عمليا، ولا تملك إمكانياته، منذ زمن طويل، بحكم التحولات والتغيرات الذاتية والموضوعية، وبسبب أفول الحركة الوطنية الفلسطينية، وتحولها إلى سلطة أو سلطتين في الضفة وغزة.

يفاقم مما تقدم افتقاد الحركة الوطنية الفلسطينية، وعمرها ستة عقود، لاستراتيجية سياسية وكفاحية، ولإجماعات وطنية، رغم تجربة مريرة وصعبة ومأساوية ومكلفة.

على ذلك، وبمناسبة الجدل الدائر بخصوص السلاح الفلسطيني في لبنان، يفترض لفت الانتباه إلى أن تيار الكفاح المسلح الفلسطيني مدين بصعوده، أساسا، إلى هزيمة يونيو/حزيران 1967، إذ وجدته الأنظمة "القومية التقدمية"، في حينه، كتعويض لها، وكتغطية على مسؤوليتها، في تلك الهزيمة. والمعنى أن الحركة الوطنية الفلسطينية مدينة بصعودها لدعم هذه الأنظمة لها في تلك الفترة، إذ سهل النظامان المصري والسوري، آنذاك، هذا الطريق، لكن الأردن ولبنان اكتفيا من ذلك بالدعم اللوجستي والتوظيف السياسي فقط.

وفي المحصلة، تركز الثقل العسكري للفصائل في لبنان، بعد خروجها أو إخراجها من الأردن (1970)، الذي يمتلك أطول حدود عربية مع إسرائيل، وأكبر تجمع للاجئين الفلسطينيين، إذ إن هشاشة النظام السياسي اللبناني وضعف الدولة والتركيبة الطائفية سهلت ذلك، بضغط الفاعلين الإقليميين وفقا لـ"اتفاق القاهرة" (1969)، والذي ألغي في عام 1987.

وقد خلق الوجود السياسي والعسكري الفلسطيني سلطة موازية في لبنان، ونوعا من دولة داخل الدولة، ما سرّع من اندلاع حرب أهلية فيه، كان للعامل الفلسطيني دور مقرر فيها منذ أواسط السبعينات حتى غزو إسرائيل للبنان، وإخراج المنظمة وفصائلها منه (1982).

الوجود العسكري الفلسطيني في لبنان لم تعد له وظيفة، ولا دور، في مواجهة إسرائيل، منذ عام 1982، إذ إن ما بقي تم توظيفه في الخلافات الداخلية الفلسطينية، وفي التوظيفات الإقليمية

ما يفترض إدراكه هنا، وهو ما أركز عليه دوما، أن الحركة الوطنية الفلسطينية كانت حققت ما تستطيعه بقواها، وبفضل الحواضن العربية والدولية الداعمة، في أواسط السبعينات، أي بعد عشرة أعوام على قيامها، وهو ما تمثل باستنهاض الشعب الفلسطيني، وفرض كيانه السياسي (منظمة التحرير)، مع الاعتراف العربي والدولي بها كممثل شرعي وحيد له، بإلقاء ياسر عرفات كلمة في الأمم المتحدة، وقرار القمة العربية في الرباط (أواخر 1974).

القصد، أنه منذ منتصف السبعينات، وصل العمل الفلسطيني إلى السقف السياسي المتاح له، ولم يعد بإمكانه- وفقا لأوضاعه وللمعطيات المحيطة- أن يضيف جديدا. والمشكلة أن القيادة الفلسطينية أدركت ذلك وقامت بإدخال تغييرات كبيرة على رؤيتها السياسية، بالتحول من هدف التحرير إلى هدف إقامة دولة فلسطينية في الضفة والقطاع، لكنها لم تقم بما يوازي ذلك بخصوص خياراتها الكفاحية، وكان ذلك خطأ كبيرا.

هكذا ظلت "منظمة التحرير" كدولة داخل الدولة في لبنان، بل واستدرجت إلى مربع "الحرب الأهلية"، ما استنزفها سياسيا وعسكريا، بكلفة مادية وبشرية كبيرة للفلسطينيين واللبنانيين، وفوق ذلك تآكلت قدرة الحركة الفلسطينية في مقاومة إسرائيل، وصد اعتداءاتها على المخيمات الفلسطينية والمدن اللبنانية، أي فقد الكفاح المسلح وظيفته، ثم أتى اجتياح إسرائيل للبنان (1982) ليوجه ضربة قاضية للفصائل، ولتيار الكفاح المسلح الفلسطيني في الخارج.

الفكرة أن خيار الكفاح المسلح أعطى ما يمكن أن يعطيه إلى أواسط السبعينات، وقد انتهت وظيفته آنذاك، لكنه استمر بسبب تكلس أو تخلف الحركة الوطنية الفلسطينية، وبسبب المداخلات والتوظيفات العربية والإقليمية. ويمكن التدليل على ذلك أيضا باستثمار النظام السوري للوضع في لبنان، بهيمنته عليه لثلاثة عقود (1976-2005)، ثم بصعود "حزب الله"، كذراع إقليمية لإيران، حيث هيمن على لبنان طوال العقدين الماضيين، وهذان العاملان ما كان لهما أن يحصلا أصلا، لولا المناخات التي فرضها الوجود العسكري الفلسطيني فيه.

في الغضون، بات لبنان ورقةً أو ساحة في يد النظامين السوري والإيراني، وبينما تم تقنين الحالة العسكرية الفلسطينية الرسمية (التابعة لـ"منظمة التحرير") في المخيمات، تم تشجيع الفصائل الموالية لسوريا وإيران لتعزيز وجودها، في إطار مصارعة قيادة "منظمة التحرير"، بحيث بات لبنان ساحة أخرى للمداخلات الإقليمية في الشأن الفلسطيني.

القصد أن الوجود العسكري الفلسطيني في لبنان لم تعد له وظيفة، ولا دور، في مواجهة إسرائيل، منذ عام 1982، إذ إن ما بقي تم توظيفه في الخلافات الداخلية الفلسطينية، وفي التوظيفات الإقليمية للورقة الفلسطينية، وفي الحالين يدفع ثمن ذلك الفلسطينيون واللبنانيون.

لعل أكثر شيء يفترض بالفلسطينيين الانتباه إليه عدم الاستدراج لفخ الخيار المسلح، في ظروف ليست مناسبة ولا مواتية، وتؤدي إلى كوارث إضافية

المعنى أن إحالة تمسك بعض الفصائل بالسلاح يفترض مساءلتها عن السبب: هل لمقاومة إسرائيل؟ ومتى قامت بذلك آخر مرة؟ أم هل سمح لها حليفها "حزب الله" بذلك؟ أم هل لحماية المخيمات؟ وهل تم ذلك في مخيمات تل الزعتر والضبية وصبرا وشاتيلا وبرج البراجنة ونهر البارد سواء من إسرائيل أو من القوى الأخرى، وضمنها الحليفة لسوريا وإيران، والتي نجم عنها دمار معظم تلك المخيمات؟

والسؤال الأهم: هل تسمح السلطة الفلسطينية، سواء التي تهيمن عليها "فتح" في الضفة، أو التي تهيمن عليها "حماس" في غزة، بتعددية السلاح؟

في السياق، تحاول "حماس" طرح مسألتين: الأولى، أن التوافق على السلاح الفلسطيني في لبنان يفترض أخذ رأيها، أو يفترض توافقات فلسطينية. وثانيا، أن ذلك يتطلب الاستجابة للحقوق المدنية لفلسطينيي لبنان، بيد أن هذين المطلبين المشروعين، يبدوان مجرد وضع العصي في الدواليب، لأن هذين الشرطين لا يجيبان عن الأسئلة السابقة، لا من قريب ولا من بعيد، بقدر ما يربطان السلاح الفلسطيني كورقة بيد "حزب الله"، الذي لم يكن يسمح أصلا، بأي سلاح غير سلاحه، في قرار الحرب والسلم في لبنان في العقدين السابقين.

الآن، وبعد كل تلك التجربة المريرة والمكلفة والمأساوية، لعل أكثر شيء يفترض بالفلسطينيين الانتباه إليه عدم الاستدراج لفخ الخيار المسلح، في ظروف ليست مناسبة ولا مواتية، وتؤدي إلى كوارث إضافية، وعدم الاستدراج لتوظيف كفاح وتضحيات الفلسطينيين وقضيتهم في أجندات خارجية تضر بهم. وباختصار، الأحرى بالفلسطينيين مراعاة محاولة لبنان استعادة سيادته وعافيته بعد أن دفع غاليا ثمن الوجود الفلسطيني المسلح على أرضه.

font change