بعض الأعمال السردية تقدم إلى القارئ صورا اجتماعية عن الأمكنة التي تتناولها، من زوايا متعددة، فنتعرف من خلالها إلى الكثير من التقاليد والعادات، والى جوانب من العلاقات بين الأفراد أو الجماعات والفئات. كتاب "قصص من دلمون" الذي أعده وقدّم له أحمد المؤذّن، وصدر عن "دار بسمة" في المغرب، يحتوي على قصص قصيرة لثلاثة وثلاثين كاتبا وكاتبة من البحرين، يدور معظمها حول المكان البحريني المعيش أو الذي أصبح إرثا في الذاكرة.
إنجاب الذكور
من أولى قصص المجموعة، قصة "كسرت القلب ولكن" لشيماء الوطني، تسرد قصة ابن لعائلة، وُلد بعد أن أنجبت أمه ثمانية أولاد قبله، وكانت تتمنى أن تنجب فتاة تدللها و"تتقاسم معها الأسرار النسائية"، ومن أجل ذلك هيأت نفسها باستمرار لاستقبال فتاة، من خلال شراء حاجيات طفلة كالعرائس والملابس والأقراط الذهبية، إلاّ أن ذلك لم يحدث، وكان ردها يشوبه التوتر حتى إنها كانت ترفض إرضاع الوليد.
لكنها أرادت أن يكون طفلها التاسع بديلا للفتاة المرتجاة، فتعاملت معه منذ ولادته كبنت، ألبسته الفساتين، وأرسلت شعره إلى منتصف ظهره، وأضافت تاء مربوطة إلى اسمه. ولم تفلح كل المحاولات من الوالد في ثنيها عن رغبتها. ولأنه كان يلعب في طفولته مع فتيات باعتباره مثلهن، فإنهن أصبحن يهربن منه بعد أن كبرن. وفي المقابل لم يستطع التأقلم مع الفتيان واللعب معهم لتعليقاتهم المتنمرة ضده، مع أن معالم الذكورة بدت واضحة في جسده، وصار يشعر بالضياع والتشتت بين سلوكه المعتاد كفتاة وسلوكه كولد.
تبدو هذه القصة معاكسة لروايتي الطاهر بن جلون "طفل الرمل" و"ليلة القدر"، حيث يقرر الأب معاملة ابنته الثامنة كولد بعد أن يئس من إنجاب الذكور. إلا أن شيماء الوطني تقدّم خاصية محلية في هذه القصة، التي تضيء على مأساة وجودية أخرى عن أولئك الذين حُرموا من إنجاب الإناث.