بديع بوبشيت: التجريب يؤدي إلى الأسلوب الخاص

درس الفنّ ذاتيا

الفنان بوبشيت يتوسط لوحاته

بديع بوبشيت: التجريب يؤدي إلى الأسلوب الخاص

يبرهن الفنان البحريني بديع الشيخ بوبشيت على أن الإبداع عالم واسع يمنح من سار في دروبهحرية الاختيار والتجديد، لذلك لم يكن مستغربا أن ينتقل خلال مسيرته الفنية التي تمتد نحوا من خمسين عاما من الواقعية إلى السوريالية والتكعيبية وأخيرا التجريد.

يقول: "تجربتي الفنية عادة ما تخط لي المسار، فأمشي بثبات وهي تنتظر مني أن أصل إلى الأعلى، وأنا أنجز أعمالي بمزاياها اللامعة، لذا معاني لوحاتي قائمة في الكون المحيط بي، فالمعنى موجود قبل أن يخلق الفنان، ومهمتي بيان الصلة الوثيقة بهذا الكون لتحكي صورة التجلي في النفس البشرية وإضفاء المشاعر الذاتية على تلك الصورة الظاهرة لتجعلها تنبض بالحياة".

معاني لوحاتي قائمة في الكون المحيط بي، فالمعنى موجود قبل أن يخلق الفنان، ومهمتي بيان الصلة الوثيقة بهذا الكون لتحكي صورة التجلي في النفس البشرية

تقنيات فنية

بديع بوبشيت يعد واحدا من رواد الفن التشكيلي في البحرين، بدأت تجربته الفنية منذ العام 1974 وأقام. العديد من المعارض الشخصية، وشارك في الكثير من المعارض الجماعية التي نُظمت في البحرين وفي دول عربية وأجنبية، منها الكويت والجزائر ومصر وبريطانيا وفرنسا، لتصبح لوحاته التجريدية الكبيرة بمثابة توقيعه الفني. كما ساهم بوبشيت في تأسيس جمعية البحرين للفنون التشكيلية في 1983.

قبل هذا التاريخ بكثير، ذهب إلى دراسة الفن في كليات العراق، إلا أنه لم يكمل بل عاد إلى موطنه ليواصل تعليم نفسه ذاتيا ويصل إلى المستوى الذي هو عليه الآن: "واصلت المجموعة التي ذهبت معها، دراسة الفن في العراق، أما أنا فلم أوفق وذلك بعدما تعثرت مسيرتي الفنية لظروف خارجة عن إرادتي، فقررت التوقف، وعدت إلى البحرين ودرست الفن ذاتيا، وهذا ما دفعني إلى الاستمرار إلى أن وصلت إلى المستوى الذي من خلاله أستطيع تقديم أعمالي". يعتبر أن "مواصلة تجريب المدارس الفنية المختلفة هي السبيل الذي لا بد أن يوصل إلى المدرسة الثابتة، لكل فنان يريد أن يجد مراده، بكل ما تسمو نفسه إليه، وبعد تجربة طويلة قضيتها بين ألواني وبياض سطوح لوحاتي استطعت أن أجد نفسي أعيش بين ألوان الزهور اقتبس منها ألوانا اشتقت إليها، واضعا لمسات فرشاتي على بياض سطوح اللوحة لأخرج منها بتجربة وجدانية أستشف من خلالها تجربة جديدة في رواق ثنايا الألوان".

يؤكد بوبشيت: "اكتشفت بعد المعاناة والتجربة أن التجريد هو ما كنت أصبو إليه، وهذه تجربة تحتاج إلى ممارسة، وكنت خلال ذلك أبحث في كل ما توصل إليه الفنانون، وكانت المشاعر النفسية تجد سماتها في هذا السياق، وعندما كنت أمارس تجربة ما وأتبحّر فيها كنت أهدف في النهاية إلى أن أجد الوصفة الفنية في تلك التجربة".

هناك فرق بين الرسم والفن التشكيلي. فالفن التشكيلي ليس مجرد أن ترسم أي شيء تراه، إنما هو أن ترسم لوحة ذات معنى وانطباع جيد


تجربة خاصة

رسم بديع بوبشيت وجوه نساء ورجال بتعابير مختلفة وتفاصيل متنوعة تكشف أحيانا عن ممارستهم لعمل ما، إلا أن السمة الواضحة التي تجمعهم، هي الألوان الخاصة التي تميزه كفنان متمرس استطاع خلال مسيرته أن يبتكر مجموعته اللونية المشرقة التي تتبدد على سطوح لوحاته بدرجات مختلفة وتتناثر بحرية كي تلغي الكثير من التفاصيل، أو لتصبح في بعضها خالية من أي تفصيل لصالح التجريد، الذي اعتمده بعد تجارب متنوعة قادته بطريقة عفوية اليه وفق تناغم بصري يحاكي المشاهد ويجذبه إلى أفق واسع يداعب الخيال. في محصلة التجربة وخلال محطات عدة من مسيرته، أهّله أسلوبه هذا للحصول على العديد من الجوائز. يقول: "حصلت على جائزة المركز الأول في معرض البحرين السنوي الثامن للفنون التشكيلية عام 1980 وجائزة الدانة في الكويت عام 1991. وفازت لوحتي في أول معرض لي على 50 فنانا، وحصلت على جائزة دلمون وشاركت خليجيا في معرضي الشارقة والرياض والمعرض الدوري في عمان وفي بينالي سعاد الصباح، وفزت بالجائزة كما فزت في الكويت مرتين بجائزة الدانة". ويشير في هذا السياق إلى أن أعماله موجودة ضمن مقتنيات خاصة في دول البحرين والكويت والإمارات والسعودية وبريطانيا والولايات المتحدة الأميركية. إلى جانب المقتنيات المعروضة في المتاحف مثل متحف البحرين الوطني وغيره.

الفنان بديع بوبشيت

يتحدث بوبشيت عن تلك المساحات التي ملأها بالبياض قبل أن تأخذ مكانها في قاعات المعارض أو على جدران المقتنين: "إنها مساحات على قماش اللوحة وصفحاتها وهي إحساس مرهف من الفن في شكله الجمالي الأخاذ نابع من أعماق نفسي ومعتمد على ما تنقشه فرشاتي ويخطه قلمي لتحكي تجربتي وتروي مشاعري وأفكاري، هكذا استطاعت لوحاتي أن تمثل صورة مركبة من جملة عناصر متعددة ومتنوعة نابعة مما أراه وأسمعه وأحسه معتمدا على ما أفكر فيه لحظة النقش والتنظيم في تصوير حقيقة عامة تنطبق على هذا وذاك من خلال الفن الرفيع والتصوير الدقيق، لأن الفن غايته الجمال وطريقه الشعور ووسيلته الذوق".   

هذا الإحساس العميق باللوحات ربما هو الذي جعله يرى أن للفنان أدوات خاصة تميزه عما يمكن أن يُطلق عليه مجرد رسام: "هناك فرق بين الرسم والفن التشكيلي. فالفن التشكيلي ليس مجرد أن ترسم أي شيء تراه، إنما هو أن ترسم لوحة ذات معنى وانطباع جيد". من هذا المنطلق يجد أن الفنانين الشباب يستعجلون الظهور من غير إدراك ووعي، فالمفترض "أن تكون لديهم الثقافة والمعرفة وأن يمروا بجميع مدارس الفن التشكيلي ويتعلموا من التجارب الأخرى، لكي يصلوا إلى تجربتهم الخاصة".

 

font change

مقالات ذات صلة