أعاد اندلاع أعمال العنف الأخيرة بين الهند وباكستان، على خلفية هجوم إرهابي جديد في كشمير الخاضعة للإدارة الهندية، أنظار العالم إلى خطوط التماس المتوترة في جنوب آسيا. ورغم أن جهود الوساطة الدولية، وفي مقدمتها الولايات المتحدة، نجحت في إبعاد الجارتين النوويتين عن شفا الحرب، فإن هذا الهدوء الحذر لا يجوز اعتباره سلاما دائما.
في ظل غياب حل للنزاع حول كشمير، الذي يشكّل جوهر الخلاف بين البلدين، تبقى المنطقة رهينة لدورة تصعيدية تُهدد حياة أكثر من مليار نسمة.
تُعد هذه الحادثة ثالث تصعيد كبير في أقل من عقد، مع زيادة خطورة كل موجة عن سابقتها. فقد أسفر الهجوم الذي وقع في باهلغام، والذي سارعت الهند بنسبته إلى مسلحين ينشطون من داخل الأراضي الباكستانية، عن سلسلة من الضربات الصاروخية والهجمات بالطائرات المسيّرة استهدفت منشآت عسكرية على الجانبين. وقد ساهمت سرعة التصعيد وشدّته في رفع مستوى المخاطر، ما يؤكد هشاشة الوضع وقابلية شبه القارة للانزلاق نحو كارثة كبرى. وكما في مرات سابقة، تدخلت الولايات المتحدة للوساطة، بدعم من جهود صينية وخليجية غير معلنة، لاحتواء الأزمة.
بات هذا النمط مألوفا: حادث إرهابي في كشمير يتبعه ردّ هندي، ثم ردّ عسكري من باكستان.
وما يميز جولة العنف الأخيرة ليس فقط حدّتها، بل أيضا تطور أدوات القتال المستخدمة. فقد لجأ الطرفان إلى العمليات السيبرانية والطائرات المسيّرة، إلى جانب استخدام القوة العسكرية التقليدية. وشكّل هذا النزاع فصلا جديدا في التاريخ العسكري لجنوب آسيا، حيث بدأت تقنيات الذكاء الاصطناعي والطائرات الذاتية والحرب السيبرانية بإعادة تشكيل ساحة المعركة. ومع ذلك، فإن الخطاب السياسي ظلّ جامدا ولم يشهد أي تحول يُذكر.
ورغم أن الهند، بفضل اقتصادها الأكبر بكثير من مثيله الباكستاني وتقاربها المتزايد مع الغرب، قد تشعر بأنها تمتلك زخما استراتيجياً، فإن استمرار حالة عدم الاستقرار يُهدد طموحاتها الكبرى. فالشركات العالمية التي تدرس إمكان نقل سلاسل التوريد إلى الهند تتردد أمام مشهد إقليمي مضطرب. كما أن الموارد التي يمكن استثمارها في التنمية أو في مواجهة التهديد الصيني في الشمال تُستهلك بسبب الأزمة الحدودية المزمنة. فضلا عن ذلك، فإن الاضطرابات المستمرة في كشمير تؤدي إلى مزيد من العزلة بين السكان المحليين والدولة، ما يُغذّي التمرّد الذي تسعى نيودلهي إلى القضاء عليه.
أما باكستان، فتكاليف التصعيد أشد وطأة عليها. فاقتصادها الهش، الذي يعتمد على القروض الدولية وقد خرج مؤخرا من قائمة مراقبة تمويل الإرهاب، يتكبد خسائر فادحة مع كل تصعيد.
ويستحق عرض باكستان إجراء تحقيق مشترك في هجوم باهلغام– رغم رفض الهند المتكرر لمثل هذه المبادرات– أن يُؤخذ على محمل الجد. فالشفافية والتعاون في مثل هذه القضايا قد يساعدان في كسر دوامة الشكوك المتبادلة. وإذا كانت الهند تطمح فعلا إلى سلام طويل الأمد لا مجرد تهدئة مرحلية، فعليها الانخراط في حوار جاد مع إسلام آباد بهدف وضع آليات تقلّل من مخاطر سوء التقدير.
وعوضا عن الاكتفاء بإدارة الأزمات، على البلدين الشروع في المهمة الأصعب: معالجة جذور النزاع. لقد أكدت التوترات الأخيرة بين الجارتين النوويتين أن قضية كشمير تمثل نقطة اشتعال نووية لا بد من معالجتها بأسرع وقت. فهذه الأزمة تُهدد أرواح أكثر من مليار شخص في الهند وباكستان.
ينبغي على الأطراف الدولية، وفي مقدمتها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي ودول الخليج، استغلال هذه اللحظة للدفع نحو إنشاء آلية فعالة لإدارة الأزمات، تشمل قنوات اتصال عسكرية مباشرة
بينما ينبغي على باكستان أن تُدرك أن حل قضية كشمير لا يمكن أن يتحقق إلا بالحوار، ويجب على الهند أن تُسلّم بأن القمع العسكري لا يُعد بديلا عن التسوية السياسية. فحل عادل ودائم في كشمير لن يؤدي فقط إلى استقرار الإقليم، بل سيُمهّد الطريق أمام التعاون الاقتصادي والتجاري وتطبيع العلاقات المنتظر منذ عقود.
انتهاء الجولة الأخيرة من التصعيد، التي أُوقفت بضغط خارجي، لم يُغيّر شيئا من الوقائع على الأرض. ولا تزال القوات في الجانبين في حالة تأهب قصوى، ولم يُوقّع اتفاق سلام رسمي. ومع ذلك، قد يشكل هذا التصعيد نقطة تحول، إذا ما قررت العاصمتان تجاوز الحسابات التكتيكية قصيرة الأجل.
ينبغي على الأطراف الدولية، وفي مقدمتها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي ودول الخليج، استغلال هذه اللحظة للدفع نحو إنشاء آلية فعالة لإدارة الأزمات، تشمل قنوات اتصال عسكرية مباشرة، وهيئات تحقيق مستقلة، والتزامات متبادلة بالشفافية. كما أن دعم الاقتصاد الباكستاني من خلال الحوافز التجارية والاستثمارية قد يُقلل من اعتماده على أساليب غير تقليدية، في حين أن موقفا أكثر ضبطا من جانب الهند قد يُعيد بناء الثقة بين الكشميريين وسكان المنطقة بوجه عام.
لم تكن هذه حربا من أجل الغنائم، ولم يُسجل فيها أي طرف نصرا. بل كانت تذكيرا موجعا بمدى اقتراب جنوب آسيا من الهاوية، ودعوة عاجلة لقادة دلهي وإسلام آباد لبدء العمل الشاق والمطلوب من أجل سلام دائم.