"الاستثمارات الأجنبية المباشرة"... مفتاح الاقتصاد الكويتي للتنوع والنمو

من المهم تسريع الإصلاحات المالية والتشريعية وتحسين بيئة الأعمال وتعزيز الشفافية

Shutterstock
Shutterstock
أبراج ومباني مدينة الكويت

"الاستثمارات الأجنبية المباشرة"... مفتاح الاقتصاد الكويتي للتنوع والنمو

في عام 2013 صدر القانون الرقم 116 لتشجيع الاستثمارات الأجنبية المباشرة في الكويت، مما أدى إلى تأسيس هيئة تشجيع الاستثمار المباشر، التي تهدف إلى الارتقاء ببيئة الاستثمار المحلية وجذب الاستثمارات الأجنبية إلى مختلف القطاعات الاقتصادية في البلاد.

قبل تأسيس الهيئة، كانت الأمور المتعلقة بالاستثمار تدار عبر إدارات في وزارتي المالية، والتجارة والصناعة، وتُعرف الكويت بصعوبة بيئتها الاقتصادية وتشدد قوانين التملك الخاصة بالأجانب، مما يُعدّ تحديا أمام جذب الاستثمارات. ومع ذلك، تُبذل جهود جادة حاليا لتسريع الإصلاحات المالية والاقتصادية، وتطوير بيئة الأعمال المحلية وتعزيز تنافسيتها، بما يتماشى مع أهداف "رؤية الكويت 2035". لكن هل ستتمكن الهيئة من تحقيق ما عجزت عنه الدوائر الحكومية السابقة وتعزيز تدفق الاستثمارات المباشرة؟

إن جذب الاستثمار المباشر لأي دولة لا يعتمد فقط على التشريعات، بل يتطلب أيضا بيئة أعمال جاذبة ونظاما إداريا فعالا يتميز بإجراءات حكومية مبسطة ومرنة، ويتعاون بشكل وثيق مع القطاع الخاص. إضافة إلى ذلك، يجب توفير بنية تحتية متطورة تدعم النمو الاقتصادي، وضمان وجود عمالة مؤهلة تلبي احتياجات السوق.

يجب توفير ميزات نسبية للمشاريع المطروحة، بما يتماشى مع أهداف رؤية 2035، التي تشمل تطوير بيئة الأعمال وتعزيز كفاءة منظومة العمل الحكومية، وتنويع القاعدة الاقتصادية

كما يجب توفير ميزات نسبية للمشاريع المطروحة، بما يتماشى مع أهداف "رؤية 2035"، التي تشمل تطوير بيئة الأعمال وتعزيز كفاءة منظومة العمل الحكومية، وتنويع القاعدة الاقتصادية وزيادة مساهمة القطاعات غير النفطية في الاقتصاد المحلي. كما تسعى الرؤية إلى تحسين البنية التحتية، وتعزيز جودة الحياة والارتقاء بالرعاية الصحية وتطوير رأس المال البشري، مما يشكل أساسا لدعم التنمية الاقتصادية الشاملة والمستدامة في البلاد.

تدفق الاستثمار

تظل الأهداف المعلنة لجذب الاستثمارات المباشرة تقليدية، وتطرحها مختلف الدول الساعية إلى جذب تلك الاستثمارات. لكن منذ تأسيس هيئة تشجيع الاستثمار المباشر، وربما قبل ذلك، استمرت الجهود المبذولة لجذب الاستثمارات، بيد أن التدفقات بقيت دون مستوى التطلعات. وفقا لتقرير الهيئة السنوي، بلغ حجم الاستثمارات الأجنبية المباشرة خلال السنة المالية 2024/2023 نحو 206.9 ملايين دينار (ما يعادل 671 مليون دولار). وعلى مدار الفترة من 2015 – 2023، بلغت الاستثمارات الأجنبية المباشرة الإجمالية التراكمية نحو 1.7 مليار دينار أو (ما يعادل نحو 5.55 مليارات دولار).

فجوة كبيرة مقارنة بدول الخليج الأخرى

وفقا لإحصاءات مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (UNCTAD)، بلغ متوسط تدفقات الاستثمارات المباشرة إلى الكويت نحو 615 مليون دولار سنويا، وهو معدل منخفض مقارنة بدول الخليج الأخرى. مثلا، بلغ المعدل السنوي في الإمارات العربية المتحدة 17 مليار دولار، وفي المملكة العربية السعودية11 مليار دولار، وفي سلطنة عمان 3.5 مليار دولار، وفي البحرين 1.9 مليار دولار.

Shutterstock

تظهر هذه الأرقام فارقا شاسعا في جاذبية الاستثمار بين الكويت وبقية دول الخليج. من المحتمل أن الأوضاع السياسية خلال الفترة المشار إليها قد ساهمت في عزوف المستثمرين الأجانب عن السوق الكويتية. يمكن القول إن بيئة الأعمال في الكويت كانت طاردة للمستثمرين، بمن في ذلك المستثمرون المحليون، حيث اختار العديد منهم توجيه استثماراتهم إلى بلدان الخليج الأخرى أو مناطق أبعد.

تجارب مريرة وإخفاقات سابقة

إن القيود التي فرضت على ملكية الأجانب ربما كانت من الأسباب الموضوعية التي حالت دون تدفق الاستثمارات الأجنبية إلى الكويت بالقدر المطلوب. قبل تأسيس هيئة تشجيع الاستثمار المباشر، كانت هناك محاولات لجذب الشركات الأجنبية لتطوير حقول الشمال النفطية، بالإضافة إلى مشروع "الداو كيميكال"، وهو مشروع صناعات بيتروكيماوية ضخم تم توقيعه بين الحكومة الكويتية وشركة "داو كيميكال" الأميركية، ولكن ألغي بعد تدخلات سياسية من مجلس الأمة، مما أدى إلى تغربم الكويت مبلغ 2.16 مليار دولار كتعويض جزائي، وفقا لبند في الاتفاقية ينص على دفع هذا المبلغ في حال إلغاء العقد بعد التوقيع.

بقي القطاع العقاري مغلقاً أمام المستثمرين غير الكويتيين، حيث إن القانون رقم 74 لسنة 1979 يحصر تملك العقارات على الكويتيين فقط. القانون ذاته يتيح للأجنبي تملك عقار بمساحة 1000 متر مربع لا أكثر

كما لم يتم التوافق على مشروع تطوير حقول نفط الشمال بسبب التجاذبات السياسية بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، التي تركت أثرا كبييرا على مشاريع التنمية الكبرى في البلاد.

هذه الاخفاقات السابقة شكلت ضربة قاصمة لطموحات الكويت في جذب الاستثمار المباشر، خصوصا في القطاع النفطي والصناعات التحويلية التي تُعد عماد الاقتصاد الوطني. كما أن الكويت لم تبذل جهودا كافية لإقناع المستثمرين بحيوية الاقتصاد المحلي واستقرار أوضاعه المالية وكفاءة البنية التحتية وتوفر قوانين ملائمة للاستثمار.

Shutterstock
أبراج ومباني مدينة الكويت

من جهة أخرى، بقي القطاع العقاري مغلقا أمام المستثمرين غير الكويتيين، حيث إن القانون رقم 74 لسنة 1979 يحصر تملك العقارات على الكويتيين فقط. القانون ذاته يتيح للأجنبي تملك عقار بمساحة 1000 متر مربع لا أكثر، ولكن وفق ضوابط وشروط معينة. برزت في السنوات الماضية مشكلات في تسجيل عقارات لشركات كويتية مدرجة في البورصة يساهم فيها مستثمرون أجانب، مما أثر سلبا على نشاط هذه الشركات في السوق العقارية المحلية.

يُعد الاستثمار الأجنبي المباشر (FDI) من الدعائم الأساسية لتعزيز النمو الاقتصادي، إلا أنه يتطلب دراس دقيقة للبيئة الاستثمارية، وتحليل المنافسة، وتحديد المزايا النسبية لكل قطاع. لذلك، يتعين على الجهات المعنية، مثل هيئة تشجيع الاستثمار المباشر، تحديد القطاعات المناسبة التي يمكن أن تجذب الاستثمارات الأجنبية. ما هي هذه القطاعات؟

قطاع النفط كجاذب أساسي للاستثمارات

يظل قطاع النفط من القطاعات الجاذبة للاستثمار، خاصة في مجالات التنقيب والتكرير، ومع ذلك، منذ تأميم النفط في سبعينات القرن الماضي، اقتصر دور الشركات الأجنبية على تقديم الخدمات والدعم الفني، دون المشاركة المباشرة في الإنتاج أو ملكية المصافي أو شركات البتروكيماويات.

يجب فتح المجال للاستثمار الأجنبي في قطاع المصب، الذي يشمل مصافي تكرير النفط الخام والصناعات التحويلية المعتمدة على مدخلات النفط والغاز. هذا القطاع يتمتع بفرص كبيرة

هناك فرصة لتعزيز الشراكة بين مؤسسة البترول الكويتية والشركات العالمية العاملة في هذا القطاع لرفع الطاقة الإنتاجية وتحسين الكفاءة ومعالجة المصاعب الفنية التي تواجهها الشركات المحلية في عمليات الإنتاج.  

يجب فتح المجال للاستثمار الأجنبي في قطاع المصب، الذي يشمل مصافي تكرير النفط الخام والصناعات التحويلية المعتمدة على مدخلات النفط والغاز. هذا القطاع يتمتع بفرص كبيرة خاصة في ظل الطلب المتزايد على المنتجات البتروكيماوية.

قطاع السياحة الكويتي

 يُعد قطاع السياحة من القطاعات الواعدة التي يمكن أن تجذب الاستثمار الأجنبي المباشر، وتسهم في تنويع الاقتصاد الكويتي الذي لا يزال يعتمد بدرجة كبيرة على النفط. ومع ذلك، لا يزال هذا القطاع يواجه تحديات تتطلب تعزيز الشراكة مع الشركات المتخصصة والمستثمرين الأجانب الذين يمتلكون الخبرة والمعرفة اللازمة، مما يمكّن من نجاح المشاريع السياحية.

أ.ف.ب.
قارب صيد قبالة ساحل مدينة الخيران الكويتية، 30 يوليو 2019

وتتطلب السياحة، أيضا، تعزيز الانفتاح وتسهيل إجراءات دخول السياح، وإقامة فعاليات متنوعة جاذبة للزوار من البلدان المجاورة، ومنها الأنشطة الرياضية والمعارض، والمهرجانات، فضلا عن تسويق المنتجات الاستهلاكية.

الاعتماد العالمي على الاستثمار المباشر

خلال العقود الماضية، ساهم الاستثمار المباشر في تعزيز اقتصادات العديد من الدول، ومكّنها من أن تصبح من أهم الدول الصناعية والمصدرة للسلع. على سبيل المثل، استفادت الصين من التدفقات الاستثمارية منذ انفتاحها في الثمانينات، مع استقطاب الشركات العالمية للإقامة وتطوير أعمالها على الأراضي الصينية. وكذلك الحال مع البرازيل والهند.

وفقا لصندوق النقد الدولي، بلغ إجمالي قيمة الاستثمارات الأجنبية المباشرة عالميا 41 تريليون دولار في نهاية عام 2023، بزيادة 1.75 تريليون دولار عن العام السابق. أكد التقرير أن بلدانا منها الهند والمكسيك والبرازيل تمكنت من جذب أموال مهمة بعد أن أجرت إصلاحات حيوية لاقتصاداتها.

 تواصل هيئة تشجيع الاستثمار جهودها الحثيثة لتحسين البيئة الاستثمارية المحلية، إلا أن هناك حاجة ملحة لتحديث التشريعات الاقتصادية بما يرتقي بثقة المستثمرين الأجانب ويسهل إجراءات أعمالهم في البلاد

بطبيعة الحال، تتمتع هذه الاقتصادات بإمكانات متنوعة وأكبر حجما قياسا بالاقتصاد الكويتي، إلا أن الكويت قادرة على تعزيز جاذبيتها الاستثمارية من خلال مواصلة الإصلاحات الهيكلية التي تنفذها الحكومة وتعزيز دور القطاع الخاص في الاقتصاد الوطني، وتفعيل الشراكات الاستراتيجية مع المستثمرين الأجانب.

 تواصل هيئة تشجيع الاستثمار جهودها الحثيثة لتحسين البيئة الاستثمارية المحلية، إلا أن هناك حاجة ملحة لتحديث التشريعات الاقتصادية بما يرتقي بثقة المستثمرين الأجانب ويسهل إجراءات أعمالهم في البلاد.

.أ.ف.ب
مصفاة الأحمدي النفطية جنوب العاصمة الكويت، 10 مارس 2022

 في العام المنصرم، بذلت الحكومة جهودا ملحوظة لتسهيل ممارسات الأعمال من خلال تقليص الإجراءات وتوظيف التقنيات الحديثة في إصدار التراخيص وتسجيل الشركات، وكذلك تسهيل جلب العمالة الماهرة التي تحتاجها الشركات لدعم نموها وتعزيز إنتاجيتها وقدرتها التنافسية. هذه الجهود لا بد أن ترافقها إصلاحات هيكلية شاملة، تحرر الاقتصاد من الاعتماد على الإنفاق العام، وتعزز التنمية البشرية، بما يساهم في تأهيل وتوفير قوى عاملة وطنية ماهرة ومتمكنة، قادرة على تلبية احتياجات مختلف القطاعات الحيوية.

في الخلاصة، من الضروري أن تواصل الكويت جهودها في تنفيذ الإصلاحات المالية والتشريعية، وتحسين بيئة الأعمال، وتطوير البنية التحتية، وتعزيز الشفافية، لتصبح وجهة جاذبة للاستثمارات الأجنبية المباشرة، بما يدعم رؤيتها الاقتصادية الهادفة إلى تحقيق التنمية المستدامة وتحويل البلاد إلى مركز مالي وتجاري رائد في المنطقة.

font change