"فخر السويدي" ومعنى السعي لتحقيق الأحلام

عوالم المدرسة ولغة الشباب والتواصل الاجتماعي

أبطال الفيلم

"فخر السويدي" ومعنى السعي لتحقيق الأحلام

عندما تبتكر فكرة غريبة أو جديدة لا يكفي الرهان عليها والإيمان بها، بل تحتاج إلى إقناع من حولك بإمكان تنفيذ ذلك المشروع، ونتائج هذا المشروع، سواء كانت ناجحة أو فاشلة، تطول كل من ركب سفينة فكرتك التي قدتها وأقنعتهم بأنك قادر على الوصول بها إلى برّ الأمان. لكن في بعض الأحيان يستحق الأمر مهما بدا مستحيلا، المغامرة من أجله.

يناقش الفيلم الكوميدي السعودي "فخر السويدي" الذي تمكن منذ بدء عرضه في مطلع مايو/ أيار الماضي من حجز مركز متقدم له في قائمة الأكثر مشاهدة في صالات السينما، معنى الإيمان بالفكرة في قالب كوميدي درامي بنقل يوميات مدرسة تقع بحي السويدي الذي اشتق منه عنوان الفيلم، وهو أحد أكبر أحياء العاصمة وأشهرها، ويقع في جنوب غرب الرياض. الفيلم من إنتاج شركتي "قطرب" و"حكواتي"، ومن تأليف يزيد الموسى، ويشترك في الإخراج الثلاثي هشام فتحي وعبد الله بامجبور وأسامة صالح الذي يشترك في التمثيل كذلك بدور معين دبكة، مالك المدرسة الأهلية التي تتكون من ثلاثة فروع.

يدور الفيلم حول مدير المدرسة شاهين (يؤديه فهد المطيري) الذي آمن بمشروعه المبتكر في إنشاء "مسار شرعي" لا تربطه صلة بالدراسات الدينية إلا الاسم، مبررا وحيدا وجده المدير لإنشاء فصل جديد خاص يقابل المسار العلمي، ويحاول إنجاح فكرته وإقناع شقيقه الأصغر معين دبكة بنجاعة فكرته. يشارك في البطولة إلى جانب المطيري فيصل الأحمري في دور الطالب زياد، وسعيد القحطاني في دور الطالب مازن، ويزيد الموسى الذي يؤدي دور الطالب سعيد.

استخدم "فخر السويدي" لغة سردية عصرية تتلاءم مع ذائقة المشاهد الشاب، وما يتوقعه من عمل معاصر

منذ البداية، راهن صناع العمل على عنوان الفيلم، وإن كان قد يبدو مبهما لمن هم خارج المملكة، وحتى لبعض من يعيشون فيها، ممن لا يعرفون تلك الإشارات والعبارات الدارجة المستمدة من جمل أطلقها أهالي الحي لتصبح شعارا خاصا بهم يعبر عن اختلافهم وتميز أجوائهم عن باقي مناطق الرياض.

توظيف انسيابي للغة

استخدم "فخر السويدي" لغة سردية عصرية تتلاءم مع ذائقة المشاهد الشاب، وما يتوقعه من عمل معاصر، معتمدا في ذلك على الذخيرة التي يمتلكها يزيد الموسى في التأليف، والتي ترجع إلى تجربته الناجحة في صناعة المقاطع القصيرة الكوميدية النوعية على منصات التواصل الاجتماعي، والتي تجسد مواقف، سواء في المدرسة أو في أي مكان آخر.

ملصق فيلم "فخر السويدي"

ينقل الفيلم الحكاية بواقعية تتوخى عدم الوقوع في المبالغة، وذلك من خلال رصد سلوك الطالب المراهق في الزمن الراهن، وتندرج في هذا السياق الحوارات الجريئة بعض الشيء، لا سيما في مشهد التراشق الكلامي بين الطلبة. إلا أن هذه اللغة لا تصل إلى مستوى السوقية، إذ يستخدم الفيلم لغة متوازنة لا تمعن في توظيف هذا العنصر إلا في الظرف المناسب ومن خلال الشخصية الملائمة. فمثلا حين يتشاجر الطالب مازن ذو الميول العدوانية مع أحد زملائه، فإنه لا يكفّ عن السباب وشتم خصمه. وفي خارج المدرسة نرى كيف ينساق الحوار مع تصرفات المراهقين الطبيعية بعيدا من أعين أهاليهم ومعلميهم. ولا يغفل السيناريو إلقاء الضوء على البيئات المختلفة التي ينحدر منها أولئك الطلبة وكيف تنعكس على أجواء القاعة الدراسية وصعوبة تكوين الصدقات في هذا المحيط العاصف.

مهرجان القاهرة السينمائي
فهد المطيري خلال حضور عرض فيلمه في "القاهرة السينمائي"

تطغى الصبغة الشبابية على طاقم عمل الفيلم، وهذا ليس مستغربا، إذ أن جل سكان المملكة تقع  أعمارهم دون الأربعين، وغالبية الطاقم خاض تجربة وسائل التواصل الاجتماعي، مما ساهم في واقعية أدوارهم وسلاستها.

تطغى الصبغة الشبابية على طاقم عمل الفيلم، وهذا ليس مستغربا، إذ أن جل سكان المملكة تقع أعمارهم دون الأربعين، وغالبية الطاقم خاض تجربة وسائل التواصل الاجتماعي

هذا البناء المتزن في النص يمثل نقطة مضافة إلى الفيلم في الميدان السنيمائي المتصاعد في المملكة على مستوى التنافسية بين الأعمال من خلال التحفيز على الكتابة الواقعية وتحرير المؤلف من القيود الوهمية التي كانت تفرض سطوتها خشية امتعاض البعض.  ويضيف "فخر السويدي"، بما هو فيلم كوميدي، جزءا مهما إلى لوحة السينما السعودية التي باتت تستوعب مختلف الألوان والأطياف.

قطار المدرسة يستوعب أحلام الجميع

لطالما كانت المرحلة الدراسية الثانوية أو التي تسبق الجامعة، مهمة في تحديد خيارات الطالب اللاحقة، لكن ماذا عن المعلمين الذين يرون في بعض الأولاد ذواتهم حين كانوا في تلك المرحلة، خصوصا الذين سعوا الى تحقيق حلم ظلّ بمرور الزمن مجرد حلم؟

الشركة المنتجة
الطلاب الثلاثة أبطال فيلم "فخر السويدي"

في حالة مدير المدرسة شاهين، فإنه يحاول البحث عن طلبة لديهم طموح يوازي ما يصبو إليه ويتناغم معه، من خلال ضمهم إلى المسار الجديد لمساعدته في الارتقاء بالمدرسة، وهذا لا يتحقق إلا بعثوره على ثلاثة طلبة يضمهم إلى الفصل، لديهم الطموح والمهارات اللازمة لتحقيق فكرته، وهم الطالب الذكي زياد العائد من أميركا الذي يبرع في ممارسة الألعاب ولا يتخيل مستقبله إلا في هذا المجال، إذ يرى في الفصل الجديد فرصة ليكون لديه متسع من الوقت للعمل على إنشاء لعبة خاصة به ويثبت لأبيه أن المستقبل يكمن في الألعاب.

أما الطالب سعيد فلديه ماض سيئ مليء بسرقة التلفزيونات وأجهزة المدرسة خلال المرحلة المتوسطة، وهذا سبب انتقاله إلى ذلك المسار، في محاولة التكفير عما اقترفه من مساوئ وتغيير نظرة الجميع تجاهه، وينضم إليه صديقه مازن المعروف بالعدوانية تجاه الآخرين لكي يؤازره في المهمة.

من الملاحظ لدى مراقب السينما السعودية، التقاطع الجلي بين شخصية المدير شاهين و"الأستاذ عرابي" (صهيب قدس) في فيلم "شمس المعارف" (2020) لفارس قدس، الذي يجد نفسه غريبا وسط محيطه حتى يتعرف الى الطالب حسام، الطامح أن يصبح ممثلا، فيشاطره حلمه ويعمل معه على تحقيقه محاولا استخدام سلطته كمدرس لتسهيل تصوير مشاهد فيلم لهما في المدرسة. يكمن التقاطع بين الأستاذين شاهين وعرابي في الصفات الغريبة والمتناقضة التي تميزهما، مثل السطحية والتصابي تارة، والجدية والصرامة تارة أخرى. وعلى الرغم من بساطة قدراتهما العملية إلا أن هذا لا يمنع محاولاتهما مساعدة الطلبة انطلاقا من الإيمان بأفكارهم، مهما بدت تلك الأفكار ضربا من الخيال، وفي المقابل يمثل الطلاب ملاذا لهما في الاستعانة بهم لتحقيق هدفهما.

يجادل "فخر السويدي" في سردية تخلط بين الفكاهة والدراما، أن مهارات التعامل مع الأطفال والمراهقين، لا تتأتى بالضرورة من التجربة الذاتية للمعلم، بل أحيانا من وعيه بمشكلاتهم

وقد أبدع النجم الصاعد فهد المطيري أو الملقب "بأبو سلو" في تجسيد دور الأخ الكبير الذي بات خلفا لدور الأب في العائلة، والأستاذ الذي يناهز عمره الخمسين، وقد بدا الشقيري مقنعا في تقديم شخصية الأستاذ والانتقال به بين مختلف الانفعالات.

المدرسة لا تزال قادرة

يجادل "فخر السويدي" في سردية تخلط بين الفكاهة والدراما، أن مهارات التعامل مع الأطفال والمراهقين، لا تتأتى بالضرورة من التجربة الذاتية للمعلم، بل أحيانا من وعيه بمشكلاتهم وتحدياتهم، مبرهنا من خلال المعلم شاهين العازب، على هذه النظرية في معالجته قضايا طلابه المختلفة من خلال الاستماع إليهم والإيمان بهم مهما تكررت هفواتهم.

ينغمس شاهين مع قضايا طلابه ومجاراتهم في تصرفاتهم واستخدام أسلوب المزج بين الهزل والجد، لكن يظل مبدأ التربية حاضرا حتى لو اضطر أحيانا إلى مناقضة نفسه، إلا أنه يعود ويطبق العقوبة اللازمة وإن كانت شكلية لكي يدرك الطالب حجم الخطأ الذي اقترفه، بجانب النصيحة والتوجيه وتحويل تلك المشكلات إلى فرصة لصالح الطالب. وفي تعاطيه مع قضية الطالب مازن، صاحب السلوك العدواني الذي يستخدم العنف للتعبير عن نفسه، استطاع المدير أن يسخر تلك الطاقة ويستخدمها بالشكل الصحيح من خلال ضمه إلى فريق الفنون القتالية.

لا ينحصر عمل المدير التربوي في طلبته، بل يمتد إلى زملائه المعلمين في معالجته الأزمة العاطفية التي يمر بها مشعل، المرشد الطالبي بعد انفصاله عن زوجته، وتصحيح هفوات البقية وتدارك أفعالهم قبل أن تنتج منها عواقب قد تعيق حلمه الذي يصبو إليه في جعل المدرسة التي يقودها هي الأفضل على مستوى حي السويدي ومدعاة فخر المنطقة، وإثبات جدارته الإدارية لنفسه أولا ولأخيه ثانيا.

font change