"هيئة الترفيه" وخطوات ملموسة لنقل السينما السعودية إلى المنافسة العالمية

أستوديوهات الحصن وجائزة "القلم الذهبي"

هيئة الترفيه
هيئة الترفيه
تسعى الاستوديوهات إلى تبسيط وتسريع عمليات الإنتاج وجمع احتياجات الإنتاج في موقع واحد

"هيئة الترفيه" وخطوات ملموسة لنقل السينما السعودية إلى المنافسة العالمية

الرياض: يتصدر الحقل الثقافي المشهد العام في المملكة، حيث كان عام 2024 غنيا بالإنجازات، بما في ذلك في قطاع السينما، حيث حصل العديد من الأفلام السعودية على جوائز عربية ورشح إلى مهرجانات عالمية فضلا عن الإيرادات المالية المتزايدة التي تعكس مدى نجاعة هذا القطاع في المملكة.

من ضمن هذه الأفلام "مندوب الليل" الذي حصد جوائز عدة آخرها جائزة "الوهر الذهبي" في "مهرجان وهران السينمائي"، كما مثل فيلم "نوره" السينما السعودية لأول مرة في "مهرجان كان السينمائي".

فعلى الرغم من أن قطاع السينما في المملكة لا يزال ناشئا، إلا أنه تمكن في فترة وجيزة من حجز مكانه في المشهد السينمائي العالمي، ومن تحويل أنظار المنتجين الدوليين إلى ما تقدمه التجربة السعودية، سواء من الناحية الإنتاجية أو الفنية.

مستهدفات

وفي خضم ازدهار قطاع السينما الآخذ في التنامي، تبرز الحاجة إلى نقل الواقع الثقافي المتقدم الذي تعيشه المملكة، على عكس ما يذهب إليه بعض الإعلام والنتاج الفني الغربي الذي رسخ في عقل المشاهد صورة نمطية عن دول الشرق الأوسط مغايرة تماما لما يحدث هناك، لذلك فإنه من المهم تسليط الضوء أكثر على الثقافة السعودية وتنوع مناطقها.

تلتقي مستهدفات "هيئة الترفيه" في المملكة مع مساعي قطاعي السينما والتلفزيون، حيث يهتم كلاهما بتعزيز الجانب الترفيهي والسياحي ليصبح من أهم موارد المملكة غير النفطية في إطار رؤية 2030 التي تهتم بإحياء التراث الوطني والتعريف بالثقافة التاريخية والحضارة الكامنة في المملكة، خصوصا أنها على موعد مع استضافة أهم الفعاليات العالمية في العشر سنوات المقبلة، ومنها "إكسبو الرياض 2030" وبطولات عالمية رياضية في مقدمها كأس العالم 2034، فضلا عن بروز عاصمتها كأحد أهم المراكز للأعمال والتجارة في منطقة الشرق الأوسط وهنا يبرز دور السينما في جذب السياح والوافدين.

لعبت "هيئة الترفيه" دورا جوهريا في خلق بيئة حاضنة لصناعة السينما، من خلال تحفيز الحراك الإبداعي والتشجيع على خوض التجارب الجديدة

محمد الفهادي

كما يمتلك المجال الفني تأثيرا كبيرا في بناء وتعزيز القوة الناعمة في استخدام المسلسلات والأفلام كأدوات تأثير، وتبرز إقليميا تركيا، وعالميا الولايات المتحدة كنموذجين في هذا الحقل، وهو ما تصبو إليه السعودية لا سيما مع تنامي حضورها في الميادين الدولية، ومن هنا تزداد أهمية دور "هيئة الترفيه" وقطاع السينما وغيرهما، لإخبار العالم من خلال الأعمال الفنية عن تاريخ المملكة الثري وهويتها الثقافية وواقعها وما ينتجه من تحولات تنبئ بملامح مستقبلها.

تأصيل الوعي

ساهمت "هيئة الترفيه" في تأصيل الوعي بالتراث السعودي في فعالياتها والأحداث التي نظمتها واستضافتها، وذلك بتعميق الفائدة من الترفيه من خلال التعريف بالهوية السعودية بطرق عصرية تواكب جيل الشباب، وإطلاق مبادرات ثقافية مبتكرة تصب في هذا السياق. لكن التأثير الثقافي الأكبر للهيئة كان في المجال الفني بجميع أشكاله المسرحية والسينمائية والتلفزيونية والموسيقية. ولا تقتصر مساهمتها على الجانب الرمزي في الفعاليات التي تستضيفها، بل امتدت إلى إطلاق العديد من البرامج والمسابقات خصوصا في العام الماضي حيث كثفت جهودها من خلال دعم الإنتاج الفني.

هيئة الترفيه هيئة الترفيه
بنيت الاستوديوهات في فترة قياسية قصيرة تقدر بـ120 يوماً

وكانت البداية عندما قررت الهيئة المشاركة بتمويل أو دعم بعض الأعمال السينمائية العربية والمحلية وذلك في إطار صندوق "بيغ تايم"  Big Timeالذي أطلقه رئيس "هيئة الترفيه" المستشار تركي آل الشيخ في مصر بداية عام 2024، معلنا تخصيص ميزانية ضخمة لتمويل بعض الأعمال العربية ومنها على سبيل المثل فيلم "ولاد رزق" الذي عرض العام الماضي.

وعلى الرغم من غزارة إنتاج الأعمال السعودية، لا سيما في الأعوام الثلاثة الماضية وما صاحبها من سرعة النسق في التغير والتحول، إلا أن هناك شحا في النصوص التي توثق هذه الحالة التي تعيشها المملكة ليتم تحويلها وتترجمها لاحقا في قالب سينمائي، وقد سعت "هيئة الترفيه" إلى سد هذه الثغرة في العلاقة بين الكتابة والفيلم السعودي وعمدت الى تعزيز هذا الجانب في القطاع وذلك عبر إطلاق مسابقة "القلم الذهبي" الفريدة من نوعها عربيا، إذ تحوي مسارات متنوعة لنصوص وروايات محلية وعربية يمكن تحويلها إلى أفلام ومسلسلات، ومكنت هذه الخطوة من تنشيط العلاقة بين الأدب والسينما في المملكة، لتبني من خلال هذه المسابقة قاعدة متينة بين المجالين يمكن المنتجين والمخرجين الانطلاق منها.

كان الدعم الكبير من "هيئة الترفيه" لافتا وصنع فارقا كبيرا في إنتاج الأعمال السينمائية، وغير المعادلة برفع نوعية الأفلام إلى مستويات تنافسية عالميا

سلطان العبد المحسن

في هذا الصدد، يقول السيناريست السعودي ومؤلف كتاب "إيقاع السينما وفن التحكم بالزمن" محمد الفهادي لـ"المجلة": "لعبت هيئة الترفيه دورا جوهريا في خلق بيئة حاضنة لصناعة السينما، من خلال تحفيز الحراك الإبداعي والتشجيع على خوض التجارب الجديدة وخلق نوافذ عصرية تعيد تشكيل علاقة السينما مع الجمهور وتعبر عنهم".

هيئة الترفيه هيئة الترفيه
المستشار تركي آل الشيخ يتحدث خلال المؤتمر الصحافي للجائزة

وعن الشراكة بين الهيئة والسينما يؤكد الفهادي أن "التعاون الدؤوب بين الهيئة والقطاع يعود إلى حرص المستشار تركي آل الشيخ على إشراك السينما في المشهد الترفيهي النشط في المملكة من خلال إعادة تعريف مفهوم الترفيه ليشمل الفن والفكر معا، وهو ما يعطي السينما السعودية دفعة نوعية في الظهور بصورة أكثر احترافية وانفتاحا". ويضيف: "أرى أن هذا الدعم وتكامل الجهود بين الجهات المعنية وصنّاع المحتوى، يخدم مستقبل السينما السعودية ويمكنها من أن تنافس إقليميا وعالميا".

استوديوهات الحصن

لم تلبث أن تحولت هذه المبادرات إلى شراكة متينة ومتبادلة في المنافع والمقاصد بين "هيئة الترفيه" وقطاع السينما بمختلف مؤسساته، سواء من خلال الرعاية أو إطلاق العديد من المبادرات بالتعاون والتكامل مع وزارة الثقافة وهيئة الأفلام، فكل المبادرات والمشاريع تأتي سعيا إلى إنتاج أعمال سعودية تنافسية والانتقال بها إلى أبرز المنصات العالمية.

هيئة الترفيه هيئة الترفيه
تشكل استوديوهات الحصن فرصة استراتيجية للقطاع المالي والمصرفي لدعم شركات الإنتاج

وتمخضت عن هذه الشراكة بين قطاع السينما و"هيئة الترفيه" استوديوهات الحصن "بيغ تايم" الذي أطلقتها الهيئة في أواخر 2024، ويعد المشروع الأكبر من نوعه في الشرق الوسط، لتعلن من خلاله دخول السينما السعودية فصلا جديدا. وتتجاوز مساحة الاستوديوهات 300 ألف متر مربع تتضمن سبعة مبان للإنتاج مزودة تقنيات حديثة، بالإضافة إلى قرية مجهزة بأدوات وورش، وقد بنيت الاستوديوهات في فترة وجيزة لم تتجاوز 120 يوما.

وجود هذه التجهيزات والمواقع التي وفرتها "هيئة الترفيه" يختصر الكثير من التحديات اللوجستية والإنتاجية على صناع الأفلام

عبد الرحمن اليحيى

وعن تأثير استوديوهات الحصن على الأعمال السينمائية السعودية، يقول المخرج السعودي سلطان العبد المحسن لـ"المجلة": "كان الدعم الكبير من هيئة الترفيه لافتا وصنع فارقا كبيرا في إنتاج الأعمال السينمائية، وغير المعادلة برفع نوعية الأفلام إلى مستويات تنافسية عالميا لا سيما بعد افتتاح استوديوهات الحصن".

تبرز أهمية هذا النوع من المشاريع في توفير تسهيلات لوجستية وبدائل تسهل عمل المخرج في بناء مواقع تصوير قد يصعب الحصول عليها على أرض الواقع، سواء كان ذلك بسبب عقبات جغرافية أو غيرها من التحديات الإدارية. ومن المتوقع أن تتحول هذه الأستوديوهات إلى مدينة إنتاجية على غرار استوديوهات هوليوود، بما يؤدي إلى استقطاب منتجي الأفلام العالمية ويجذب مزيدا من الاستثمارات في هذا القطاع.

هيئة الترفيه هيئة الترفيه
استوديوهات الحصن

من جهته، يقول رئيس "نادي ألوان السينما" المخرج السعودي عبد الرحمن اليحيى لـ"المجلة" إن "إطلاق استوديوهات ضخمة بحجم الحصن بما فيها من تقنيات حديثة، يمثل نقلة نوعية لصناعة السينما في السعودية، كما أن وجود هذه التجهيزات والمواقع التي وفرتها هيئة الترفيه يختصر الكثير من التحديات اللوجستية والإنتاجية على صناع الأفلام ويفتح الباب لأعمال بمعايير عالمية دون اللجوء إلى الذهاب خارج المملكة بسبب الحاجة إلى تصوير مشاهد معينة".

خلال فترة قصيرة تمكن عدد من الأفلام من المشاركة والترشح في مهرجانات عالمية، وإن لم تحظ جميع الأفلام بالضرورة بصدى جماهيري لافت

عباس الحايك

وفي ما يخص مستقبل القطاع يرى اليحيى أن السينما السعودية "تمضي في المسار الصحيح، فقد استطاعت خلال السنوات القليلة الماضية أن تنتقل من مرحلة البدايات إلى الحضور في المهرجانات والظفر بالجوائز، وهذا بفضل المحتوى الذي تميزت به السينما السعودية من قصص إنسانية وجرأة في مناقشة القضايا المحلية".

هيئة الترفيه هيئة الترفيه
أول عمل يُصوّر في استوديوهات الحصن Big Time

من جانبه، يؤكد الناقد الفني السعودي عباس الحايك لـ"المجلة" أهمية دعم السينما في المملكة، "ذلك أن التعاون يخلق مشاريع سينمائية ويوفر حاضنة لصناع الأفلام السعوديين، والهيئة تعتبر من أكبر الداعمين لهذا القطاع وكان آخر هذه الجهود فيلم 'إسعاف' الذي حقق نجاحا في أول أيام عرضه".

حراك لافت

وفي ما يتعلق بالحراك الذي تشهده السينما السعودية اليوم، أوضح الحايك أنه "خلال فترة قصيرة تمكن عدد من الأفلام من المشاركة والترشح في مهرجانات عالمية، وإن لم تحظ جميع الأفلام بالضرورة بصدى جماهيري لافت، إلا أنها تجارب سينمائية مهمة جدا تؤسس لحركة سينمائية قيد التطور والنمو. ويبدو أن السعودية تسير في المسار الصحيح وهذا ما أتطلع إليه شخصيا في المستقبل".

هيئة الترفيه هيئة الترفيه
يعد فيلم «The Seven Dogs» الأضخم في الإنتاج العربي

وفي مطلع العام الجاري بدأ قطاع السينما السعودية بحصد ما زرعته "هيئة الترفيه" وذلك بعدما أعلنت الأخيرة الانتهاء من تصوير فيلم The Seven Dogs بمشاركة نخبة من الفنانين العرب والأجانب من بينهم كريم عبد العزيز وأحمد عز وناصر القصبي، بميزانية تجاوزت 40 مليون دولار وهو العمل الأول الذي صور في استوديوهات الحصن واشترك في إخراجه كل من بلال فلاح وإيلي عرابي.

وخلال شهر أبريل/ نيسان الماضي كشف المستشار تركي ال الشيخ أنه يجري تصوير  أعمال عدة في الأستوديوهات، منها فيلم "معركة اليرموك" باللغة الانكليزية الذي يروي بطولات الصحابي خالد بن الوليد في تلك الحقبة، كما يجري العمل على تصوير مستوحى من أحداث حقيقية تتناول مكافحة المخدرات في المملكة، إلى جانب فيلم "البلوليفارد" من اخراج محمد الملا، وفيلم الرعب "قصر الضباب" الذي يشارك فيه فنانون سعوديون وعالميون.

كما تلعب الهيئة دورا غير مباشر في إلهام الأفكار والنصوص، أو حتى في بعض الأحيان بناء استديو للقطة واحدة، بما في ذلك استخدام مواقع موسم الرياض على سبيل المثل حيث صور مشهد في البوليفارد، أو غيره من المواقع التي يستفيد منها المخرج او صانع المحتوى، ومثل هذه الحلول كانت السينما السعودية بحاجة إليها لتعزيز علاقة العمل السينمائي مع الجمهور من خلال مشاهد ومواقف حقيقية تمثل الأمكنة الحقيقية.

font change