ثمة تطورات دراماتيكية اكتنفت المشهد المالي خلال الأيام الماضية، على خلفية إعلان مجموعة "فاغنر" العسكرية الروسية الخاصة أنها "ستغادر مالي بعد قتالها في المنطقة لمدة 3 سنوات ونصف السنة وإكمالها مهمتها في هذا البلد الأفريقي"، والجزء المهم في هذه التطورات هو إعلان "الفيلق الروسي" بقاءه في المنطقة.
ويصطدم قرار انسحاب "فاغنر" بمبرر نهاية المهمة بأسئلة جوهرية تبحث عن إجابات منطقية: السؤال الأول، يتعلق بالخلفيات التي تقف وراء ذلك وانعكاساته على السلطات العسكرية الانتقالية في باماكو وعلى المنطقة بأكملها، لا سيما وأن القرار تزامن مع تصاعد الهجمات بين قوات الجيش والجماعات المسلحة في مالي ويمكن الإشارة هنا إلى التصعيد بين الجيش المالي وجماعة "نصرة الإسلام والمسلمين" التي قالت منذ أسبوع تقريبا إنها استخدمت طائرات مسيرة في هجومها مكّنتها من الاستيلاء على معدات عسكرية متعددة الأغراض تابعة للجيش المالي.
ويتعلق السؤال الثاني بطبيعة الوجود الروسي في المنطقة، خاصة وأنه يجري حديث عن تعويض "فاغنر" بـ"فيلق أفريقيا"، وهل يتوافق هذا الوجود مع المقاربة الجزائرية التي تدعو إلى المحافظة على التماسك المجتمعي من خلال الحوار والثقة المتبادلة؟ وهو الموقف الجزائري المتجدد الرافض للتدخل الأجنبي في إنهاء الصراعات والنزاعات في الدول الأفريقية، وتم تأكيده مرارا وتكرارا في مالي وليبيا في أكثر من مناسبة. وفي الأخير يحضر سؤال ملح ثالث حول طبيعة النقاشات والمخرجات المحتملة بين روسيا والجزائر بشأن التطورات في الساحل وعما إذا كانت هذه المرحلة تشكل "فرصة جديدة" لتطبيق اتفاق السلم والمصالحة المنبثق عن مسار الجزائر.
خلفيات
في الحديث عن الخلفيات التي تقف وراء قرار انسحاب مجموعة "فاغنر" الأمنية من مالي يحضر الكثير من الأسباب من بينها: الضغوط الجزائرية المباشرة وهنا يمكن تسليط الضوء على تطورين مهمين يتعلق الأول بتوثيق التعاون العسكري مع أميركا بإبرام مذكرة تعاون وقع عليها في العاصمة الجزائرية الجنرال مايكل لانغلي والوزير المنتدب للدفاع الوطني في الجزائر قائد أركان الجيش الجنرال سعيد شنقريحة، في يناير/كانون الثاني 2025.