في عالم الكتابة الإبداعية، يلاحظ أن غالبية كتاب الرواية، بعد أن يضعوا النقطة الأخيرة في نصوصهم، يميلون إلى عدم العودة إلى قراءتها مجددا. هذا الموقف، الذي قد يستغربه بعض القراء، يشبه قطع صلة عاطفية أو التخلي عن جزء من الذات بعد استنفاد طاقته. لماذا يحدث هذا؟ هل هو تعبير عن الإرهاق، أم خوف من مواجهة العيوب، أم ربما انتهاء علاقة حميمة مع النص؟ سنحاول هنا، أن نستكشف هذه الظاهرة، مستعينين بتجارب كتاب عالميين بارزين مثل إيزابيل الليندي وجورج أورويل وتوني موريسون وإرنست همنغواي، لنفهم الدوافع النفسية والإبداعية وراء هذا التجنب، وكيف يعكس علاقة هؤلاء المبدعين المعقدة بالكتابة.
الإرهاق النفسي والإبداعي
أحد أبرز الأسباب التي تدفع بعض الكتاب إلى عدم العودة الى قراءة رواياتهم هو الإرهاق النفسي والإبداعي الذي يرافق عملية الكتابة. كتابة الرواية ليست مجرد عمل تقني، بل رحلة عاطفية وفكرية تستنزف الكاتب. إيزابيل الليندي، الروائية التشيليانية المعروفة بـ"بيت الأرواح"، تتحدث في كتاب "لماذا نكتب؟" لميريدث ماران عن الكتابة باعتبارها عملية تتطلب "تسليم الروح". تقول إنها، بعد انتهائها من رواية، تشعر أنها أفرغت كل ما لديها، وأن العودة الى النص تعني إعادة عيش تلك الحالة المرهقة. بالنسبة إليها، الرواية تصبح ذكرى مؤلمة وحميمة في آن واحد، تجد في تركها راحة أكثر من مواجهتها.