التعليم هو وسيلة الأمة نحو الارتقاء في مدارج المعرفة والإنجازات، وهو بالتالي مستقبل الأمة نحو التقدم في كافة المجالات. ولن تفلح أمة من دون العلم والتعلم، ذلك أن الفارق الحضاري بين الأمم المتقدمة والأمم المتخلفة أن الأولى استثمرت في العلم والتعليم، وجعلته أولوية في خططها نحو السعي والتطور، أما الثانية فأهملت التعليم، واعتبرته لا لزوم له، وعندما احتاجته وتأثرت بالأمم المتقدمة وجدت البون شاسعا والمسافات طويلةً.
وتقاس الأمم يكون بعدد علمائها وفي كافة المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية والحقوقية، ومدى استيعابها للعلوم الأساسية. وهذه هي المفارقة الكبرى، فعندما ولجت الأمم الثانية أو الثالثة للعلم، ركزت على العلوم النظرية والشعر والنثر والتاريخ، وأهملت أسس التفكير العلمي ومنطلقاته. ومن هنا كان البون شاسعا، في المكان والزمان، وفي التحصيل العلمي. وركزت الأمم هذه على العودة إلى سلوك سبيل الحكاية وأصلها وفصلها، وابتعادها عن الإنجاز العلمي الواضح، لأنها لم تدرك كنه المستقبل وأثره المباشر وغير المباشر في انتشال الأمم من هدفها وإغراقها في البحث عن الماضي، والذي كان قد ولى وانقضى ولم نتعمق في المسائل الأكثر أهمية للتخلص من الواقع المأساوي الذي ترسف فيه هذه الأمم.
ولعلنا نستطيع أن نرصد الفارق العلمي المهم بين أمم تقدمت وركزت على العلوم الأساسية دون إهمال العلوم الأخرى (الفلسفة والإنسانيات)، ومسائل اللغة والشعر والنثر، فكنت ترى آلافا من العلماء في الرياضيات والفيزياء والكيمياء والعلوم والطب والهندسة، إلى جانبهم آلاف في الفلسفة والإنسانيات والأدب والموسيقى، وما إلى ذلك، لأن العلم كلٌّ متكامل. ولا انفصال بين هذا وذاك، فالأمم المتقدمة تراها سبّاقة إلى الجمع بين كل ذلك، وليست في مسار واحد إنما في مسارات متعددة ومتزامنة ومتراصفة ومتكاملة، وفي سباقٍ كلٌّ في مجاله، دونما تحجيم ولا حدود. وإزاء كل ذلك وجدنا النوابغ في العلوم الأساسية منهم وفيهم وفي العلوم الإنسانية والثقافية والفلسفية سبّاقين.
لذلك، فالسؤال المطروح: لماذا؟
والجواب: لأن الإعداد ابتدأ من الخطوة الأولى في التعليم وسبر مواضيع التربية العلمية، لأن المقدمات الصحيحة تعطينا نتائج صحيحة. ومن هنا كانت أهمية الصفوف الأولى في مراحل التعليم الأساسي بمناهج واضحة ومتطورة، ومعلمين تم إعدادهم بشكل هام، مشبعين بما يحتم عليهم السير في طريق واضح ومحدد منهاجا وسلوكا، وبيئة ومعلما ومدرسا، يتناول جميع من يدخل في هذا الاتجاه الأولي على مدارج العلم والتعليم، ويظل المنهاج ليس جامدا ومكررا، ولكنه مرن وقابل للتطوير وحرق المراحل، من خلال تقديم الأمثل في هذا التوجه ولصالح المتلقي من التلاميذ الصغار الذين يزودون بالتربية أولا، وبالأناقة ثانيا، وبالتعلُّم ثالثا، وليس بحشو المعلومات وتسطيرها مع خطوط لا يمكن تجاوزها، ولذلك كانت المدرسة الأولى هي الخطوة الأهم.