العراق... كيف تعاطى مع المواجهة الأميركية -الإيرانية؟

يرتبط مستقبل البلاد السياسي ارتباطا وثيقا بمصير النظام الإيراني

أ.ف.ب
أ.ف.ب
القائد العام للجيش الإيراني، أمير حاتمي، خلال اجتماع في غرفة قيادة الحرب التابعة للجيش الإيراني في مكان لم يُكشف عنه في إيران، في 23 يونيو

العراق... كيف تعاطى مع المواجهة الأميركية -الإيرانية؟

أصبح العراق ضمن دائرة الخطر مع اتساع رقعة الحرب بين إيران وإسرائيل، خاصة بعد دخول الولايات المتحدة على خط المواجهة، واستهدافها لثلاث منشآت نووية إيرانية. وجاء هذا التهديد في ظل وجود فصائل مسلحة عراقية، تتخذ من المرشد الإيراني علي خامنئي مرجعا لها، إلى جانب القواعد العسكرية الأميركية المنتشرة على أراضي العراق، مما جعله ساحة محتملة لتصاعد النزاع، وتحوله إلى صراع إقليمي مفتوح. وعلى الرغم من وقف اطلاق النار الا ان مواقف القوى العراقية المؤيدة لايران لا تزال موضع تساؤل.

وقال العراق الثلاثاء إن عدة طائرات مسيرة استهدفت عددا من المواقع والقواعد العسكرية التابعة لقوات الأمن العراقية، وألحقت أضرارا كبيرة بمنظومتي رادار تابعتين للجيش وإن رئيس الوزراء أمر بفتح تحقيق في الواقعة.

ولم يتضح بعد مصدر الطائرات المسيرة، ومن المنتظر أن تكشف نتائج التحقيق عنه، لكن مصدرين أمنيين قالا إن الطائرات المسيرة كانت صغيرة الحجم ووصلت إلى المواقع المستهدفة انطلاقا من مواقع قريبة.

وقال المتحدث باسم الجيش العراقي صباح النعمان في بيان إن منظومتي الرادار المتضررتين بشدة كانتا "في معسكر التاجي، شمال بغداد، وقاعدة الإمام علي في محافظة ذي قار (جنوب العراق) دون وقوع أي ضحايا". وأضاف: "القوات العراقية تمكنت من التصدي وإحباط جميع محاولات الاعتداء الأخرى على أربعة مواقع في أماكن مختلفة، والتعامل مع الطائرات المسيرة وإسقاطها، بعد أن كانت تروم استهداف هذه المواقع". واضاف: "جميع المواقع المستهدفة، هي مواقع عسكرية تابعة للقوات الأمنية العراقية بشكل كامل، ومسؤول عنها ويقوم على إدارتها ضباط ومنتسبون من تشكيلات قواتنا الأمنية البطلة".

وأضاف المتحدث أن رئيس الوزراء العراقي أمر "بتشكيل لجنة فنية ومخابراتية عالية المستوى، تضم ممثلين عن الأجهزة الأمنية المعنية كافة، للتحقيق في ملابسات هذا الاعتداء وكشف الجهات المنفذة له ومتابعة نتائج التحقيق بشكل كامل".

لكن كيف نجح العراق بـ "تحييد" نفسه في المواجهة؟

وفقا لمسؤولين حكوميين، التقتهم "المجلة"، فإن رئيس الحكومة محمد شياع السوداني، أجرى اتصالات مكثفة مع قادة الدول العربية، وبعض السفراء الأوروبيين، من أجل إبعاد العراق عن دخول الحرب الدائرة بين إسرائيل وإيران، بالرغم من تأييد الكثير من الشيعة العراقيين لإيران.

واتخذت الفصائل العراقية بالتنسيق مع الحكومة، قرارا بعدم التصعيد في حال عدم دخول أطراف أخرى لمساندة إسرائيل، ومنها أميركا. لكن استهداف إسرائيل لمسؤول في "حركة سيد الشهداء" الذي كان يرافق الحارس الشخصي للأمين العام السابق لـ"حزب الله" اللبناني، حسن نصر الله في إيران، قد يعتبر استفزازا إسرائيليا للفصائل العراقية، ومحاولة لجرها إلى المواجهة المباشرة.

وحسب المصادر، فإن الحكومة العراقية كانت تلقت رسائل من إيران، تتضمن إشارات إلى استهداف إيران القواعد الأميركية داخل العراق، في حال تدخلت واشنطن في دعم إسرائيل، لذلك أصبحت السفارة الأميركية حاليا، خالية من الموظفين الأميركان والأجانب، بالإضافة إلى تواجد عسكري قليل جدا مقارنة بالأشهر الماضية.

وقامت الفصائل العراقية، خلال الأيام الماضية، باستطلاع القواعد الأميركية، عبر الطيران المسير، وردت على ذلك الحكومة، بنشر قوات أمنية في محيطها، خوفا من أي استهداف.

استمرار الحرب قد يُفضي إلى إضعاف النظام السياسي العراقي القائم على توازن دقيق بين النفوذين الإيراني والأميركي في تشكيل الحكومات

 وأبدت الفصائل العراقية، رغبة واضحة في إنهاء الحرب بين إسرائيل وإيران وتجنّب توسعها، مدفوعة بجملة من الأسباب. إذ إن استمرار الصراع لفترة طويلة قد يؤدي إلى إسقاط النظام السياسي الإيراني، واستبداله بآخر موالٍ للغرب، ما يُهدد مستقبل الفصائل العراقية المدعومة من طهران، ويعرّض وجودها للخطر، كما أن استمرار الحرب قد يُفضي إلى إضعاف النظام السياسي العراقي، القائم على توازن دقيق بين النفوذين الإيراني والأميركي في تشكيل الحكومات.

إضافة إلى ذلك، فإن السيطرة الإسرائيلية المتزايدة على الأجواء العراقية والإيرانية، تُقيّد من حرية تحرّك الفصائل العراقية، وتُسهل عملية رصد مواقعها واستهداف قياداتها، كما ظهر جليا في حادثة تتبّع إسرائيل لحارس حسن نصر الله، من داخل العراق وصولا إلى داخل الأراضي الإيرانية.

ووفقا للمصادر، فإن الحكومة العراقية، طلبت من أميركا، حماية أجوائها من انتهاك السيادة من قبل إسرائيل، التي سيطرت على الأجواء العراقية بشكل كامل تقريبا، وتقوم باستهداف إيران من خلالها. وقد تجاهلت أميركا الطلب، واعتبرته مرفوضا.

وتبدي الحكومة العراقية مخاوف جدية من اتساع رقعة الحرب واستمرارها، لما قد يترتب على ذلك من تهديد مباشر لقدرات العراق العسكرية، لا سيما في المجال الجوي. وتخشى بغداد من أن تُقدم إسرائيل على استهداف طائرات "إف-16" العراقية، في ظل غياب منظومة دفاع جوي متطورة، وضعف الإمكانيات البحرية، ما يجعل البلاد مكشوفة أمام أي تصعيد عسكري. كما يتسم الموقف السياسي الداخلي في العراق بغياب التوافق، وهو ما برز في الجلسة الاستثنائية التي دعت إليها رئاسة البرلمان، لمناقشة الاعتداءات الإسرائيلية على إيران، وانعكاساتها المحتملة على العراق، حيث فشلت الجلسة في الانعقاد الرسمي بسبب حضور أقل من 75 نائبا من أصل 329، ما أدى لتحويلها إلى جلسة تداولية بلا قرارات ملزمة.

أ.ف.ب
عراقيون خلال مظاهرة داعمة لإيران في بغداد، قرب جسر يؤدي إلى المنطقة الخضراء، الحي الذي يضم السفارة الأميركية، في 16 يونيو

كما ظهر التباين بوضوح داخل ائتلاف "إدارة الدولة" المكلّف بإدارة الحكومة، إذ اتخذت معظم القوى السنية والكردية موقف الحياد، في ظل ما يعتبرونه هيمنة إيرانية على القرار السياسي العراقي.

في المقابل، التزم الكثير من السياسيين العراقيين المعارضين للنفوذ الإيراني الصمت، وتجنبوا توجيه انتقادات علنية لطهران، خشية اتهامهم بالخيانة، خصوصا مع اندلاع الحرب مع إسرائيل، وهي تهمة قد تفتح باب التحريض الشعبي والملاحقات القضائية، التي قد تصل إلى السجن المؤبد أو الإعدام.

وقال السياسي السني، مشعان الجبوري: "عارضنا نهج إيران، وتصدّينا لمشروعها في العراق منذ 2003، لكننا نرفض أن نرتكب عار الاصطفاف مع إسرائيل ضدّها، فهي دولةٌ جارةٌ مسلمة، لا نريد لها شرا، وإن كان تدخلها في بلدنا قد جلب الألم والخراب".

ويكثف الإطار التنسيقي الذي يضم غالبية القوى السياسية الشيعية المقربة من إيران ضغوطها على الحكومة العراقية، للمطالبة بإلغاء الاتفاقية الأمنية مع الولايات المتحدة، وسحب قوات التحالف الدولي من القواعد العسكرية في الأنبار وإقليم كردستان، وذلك على خلفية السماح بانتهاك الأجواء العراقية من قبل الطائرات الإسرائيلية.

وفي تصريح لـ"المجلة" قال عضو الإطار التنسيقي أحمد الموسوي: "إن العراق يقف إلى جانب إيران في حربها ضد إسرائيل"، مؤكدا أن النظام السياسي العراقي الحالي مهدد بالسقوط بعد إيران، كونه يرفض التطبيع مع إسرائيل. وأوضح أن العراق يتشارك مع إيران حدودا طويلة وعلاقات دينية وتجارية، وقد وقفت طهران إلى جانب بغداد خلال الحرب ضد تنظيم "داعش"، مضيفا أن الإطار التنسيقي يعمل على منع إسرائيل من استخدام الأجواء العراقية، لتنفيذ ضربات ضد الأراضي الإيرانية. ولفت إلى أن الولايات المتحدة حالت في السنوات الماضية، دون تزويد العراق بمنظومات دفاع جوي متطورة، مما أدى إلى وجود فجوة خطيرة في قدرات البلاد الدفاعية، مشيرا إلى أن الحكومة الحالية، أبرمت اتفاقا مع كوريا الجنوبية لشراء منظومة دفاع جوي، من المتوقع أن تصل خلال الأشهر المقبلة. وختم بالتحذير من أن "استمرار الحرب سيؤدي إلى اتساعها، مع احتمال دخول أطراف إقليمية ودولية جديدة على خط الصراع".

ويبقى موقف زعيم "التيار الصدري"، مقتدى الصدر، من أبرز المواقف السياسية في العراق، حيث دعا بوضوح إلى تجنيب البلاد الدخول في أتون الحرب بين إيران وإسرائيل. وقال الصدر في بيان له، يجب أن يبقى العراق بعيدا عن هذه الحرب، فهو ليس بحاجة إلى حرب جديدة، مشددا على ضرورة إسكات الأصوات الفردية المستفزة، والإصغاء لصوت الحكمة. كما دعا الحكومة العراقية إلى اتباع الوسائل القانونية لمحاسبة إسرائيل على انتهاكها لسيادة العراق، واستخدام أجوائه في تنفيذ ضربات ضد إيران دون إذن رسمي.

وفي إقليم كردستان، تُعد المنطقة من أكثر النقاط حساسية في حال توسعت رقعة الحرب، إذ تتهم إيران الإقليم، باحتضان نشاطات لجهاز الموساد الإسرائيلي، وقد استهدفته في أكثر من مناسبة بصواريخ باليستية، رئاسة كردستان أصدرت بيانا أدانت فيه الهجوم الإسرائيلي على إيران، في محاولة لدرء أي تصعيد إيراني جديد على أراضيها.

ويُشار إلى أن الإقليم يحتضن عددا من القواعد العسكرية الأميركية التي يُعتقد أنها تشارك في التصدي للطائرات المسيّرة الإيرانية المتجهة نحو إسرائيل، ما يزيد من حساسية الوضع في كردستان، ويجعلها عرضة لمزيد من الضغوط والتطورات الميدانية.

وقال عضو البرلمان، عامر عبد الجبار لـ"المجلة" إن: "العراق ينفق أكثر من 10 مليارات دولار سنويا على القوات الأمنية، مشيرا إلى أن العراق يمتلك قوى عسكرية بشرية كبيرة جدا مقارنة بالمنطقة، بينما هو غير قادر على حماية أجوائه من الطائرات الإسرائيلية".

تتحاشى الحكومة العراقية استهداف الطائرات الإسرائيلية، رغم نشر منظومات دفاع جوي قرب الحقول النفطية والمواقع الحيوية، وذلك تجنبا لأي رد عسكري إسرائيلي، قد يُدخل العراق رسميا في أتون الحرب الجارية

وتتحاشى الحكومة العراقية استهداف الطائرات الإسرائيلية، رغم نشر منظومات دفاع جوي قرب الحقول النفطية والمواقع الحيوية، وذلك تجنبا لأي رد عسكري إسرائيلي، قد يُدخل العراق رسميا في أتون الحرب الجارية. ويأتي هذا الحذر امتدادا لموقف سابق، حيث تمكن العراق من تفادي ضربات إسرائيلية بفضل وساطة قطرية، ما يعكس رغبة واضحة في تجنيب البلاد الانخراط المباشر في الصراع.

من جانب آخر، يرتبط مستقبل العراق السياسي ارتباطا وثيقا بمصير النظام الإيراني؛ ففي حال انهيار الأخير أو تراجع نفوذه الإقليمي، ستفقد القوى المقرّبة من طهران جزءا كبيرا من تأثيرها، ما سيُعيد رسم ملامح التحالفات داخل العراق، وقد تلوح إمكانية إحياء "التحالف الثلاثي" الذي يضم "التيار الصدري" بزعامة مقتدى الصدر، إلى جانب قوى سياسية سنية وكردية، لتشكيل الحكومة المقبلة، بعدما أُجهض هذا التحالف سابقا بفعل التدخل الإيراني، كما قد يشهد المشهد عودة تدريجية للقوى المدنية التي انسحبت من الساحة السياسية، خلال السنوات الماضية، نتيجة حملات الاستهداف والاغتيال التي طالت الكثير من قادتها ونشطائها.

font change

مقالات ذات صلة