كيف تعاطت "حماس" مع المواجهة الإسرائيلية-الإيرانية؟

رويترز
رويترز
لقاء جمع خامنئي ويحيى السنوار في طهران، إيران، 12 فبراير 2012

كيف تعاطت "حماس" مع المواجهة الإسرائيلية-الإيرانية؟

رام الله- ما إن اندلعت المواجهة العسكرية غير المسبوقة بين إسرائيل وإيران في الثالث عشر من يونيو/حزيران، حتى بدأت أصداء الشعور بالزهو والثقة العالية بما أحدثته صواريخ طهران المنهمرة على تل أبيب تتردد في مكاتب قادة "حماس" السياسيين في الخارج وسراديب قادتها العسكريين في قطاع غزة في الوقت الذي اعلنت الدوحة ان المفاوضات غير المباشرة بين "حماس" واسرائيل ستستأنف خلال ايام قليل. فيما باتت الحركة التي تخوض مفاوضات شاقة منذ أشهر بوساطة مصرية-قطرية ورعاية أميركية بهدف التوصل لوقف إطلاق نار في غزة، أكثر تشددا في مطالبها، الأمر الذي طرح تساؤلا فيما إذا عززت صواريخ إيران المستهدفة لإسرائيل حسابات "حماس" التفاوضية، ومنحتها جرعة معنوية آنذاك؟

وفي هذا السياق، أكدت مصادر قريبة من الدوحة أن حسابات "حماس" تغيرت بعيد نشوب المواجهة العسكرية وأنها أصبحت أقل مرونة وأكثر تصعيدا مع إصرارها على مطالب كانت قد قبلت سابقا بتأجيلها أو تعديلها، وأنها لم تعد مستعدة لتقديم تنازلات، الأمر الذي أشار لارتفاع معنويات قادتها في أعقاب الرد الإيراني على إسرائيل، واعتقاد قادتها بأن إيران باتت في موقع قوة. وربما تكون الحركة التي تربطها بطهران علاقات وطيدة قد تلقت ضوءا أخضر من طهران للتشدد وعدم الاستعجال في توقيع صفقة لوقف إطلاق نار في غزة، حيث رأت طهران في تصعيد موقف حلفائها في غزة وسيلة ضغط إضافية على إسرائيل، ما يعكس الطبيعة المتشابكة للتحالف الإيراني-الفلسطيني على الساحة الأمنية.

لقد انتظر قائد "حماس" السابق في غزة يحيى السنوار- الذي اغتالته إسرائيل في أكتوبر الماضي- انخراط إيران في المعركة ضد إسرائيل منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023. وعندما لم تفعل شعرت قيادة "حماس" العسكرية بأن حليفتهم إيران قد خذلتهم وتخلت عنهم، غير أن إيران دخلت المعركة ضد إسرائيل فقط عندما هوجمت من قبل تل أبيب، لكن الدمار المادي وحالة الهلع اللذين أحدثتهما الصواريخ الإيرانية المستهدفة لإسرائيل عززت شعور واعتقاد "حماس" أن بلدا صغيرا جغرافياً وسكانياً كإسرائيل لن يستطيع تحمل حالة حرب طويلة وخسائر مادية وبشرية واقتصادية وتكلفة عسكرية باهظة الثمن.

ولا يبدو موقف "حماس" من المواجهة العسكرية التي اندلعت بين إيران وإسرائيل سابقة غريبة، إذ صرح زعيم الحركة البارز خالد مشعل بعد أحداث 7 أكتوبر 2023 بأن ما كانت قد قبلت به حركة "حماس" قبل 7 أكتوبر من دولة فلسطينية على حدود عام 1967 لم يعد مقبولا بعد أحداث يوم 7 أكتوبر وأن الوضع قد اختلف. وكانت الحركة قد اعلنت إنها ستطلق سراح الرهائن الاسرائيليين لديها إذا وافقت إسرائيل على وقف إطلاق نار دائم وانسحبت من غزة لكنها رفضت مناقشة مسألة نزع سلاحها.

وفي هذا السياق، يقول دبلوماسي عربي رفيع المستوى- تتوسط بلاده بين "حماس" وإسرائيل- مفضلا عدم ذكر اسمه لـ"المجلة"، إن إيران أرادت الاستفادة من الموقف الغربي المناوئ لإسرائيل بسبب فظائع حربها بغزة، فلو وافقت "حماس" على التوصل لوقف إطلاق نار مع إسرائيل في غزة خلال المواجهة العسكرية فإن الموقف السلبي لدى الغرب ضد إسرائيل سيتلاشى ويتحول ليصبح مؤيدا لإسرائيل في حربها ضد إيران وهو ما لا تريد طهران حدوثه.

لم يتغير موقف "حماس" الذي بنى آمالا كبيرة على ما يمكن أن تحققه صواريخ ومسيرات إيران ضد إسرائيل حتى بعد قيام الولايات المتحدة بقصف المنشآت النووية الإيرانية

وربما اعتقدت "حماس" أن إسرائيل التي فشلت خلال أكثر من عشرين شهرا من محاربتها في قطاع غزة في إخضاع وهزيمة الحركة، من المستحيل أن تنجح في إلحاق هزيمة ساحقة بإيران ذات المساحة الجغرافية الشاسعة والإمكانيات العسكرية الهائلة.

ومع أنه في مثل المواجهة العسكرية التي نشبت بين تل أبيب وطهران لاثني عشر يوما من الصعب أن تسجل انتصارات أو هزائم مطلقة، لكن في حال هزمت إيران في هذه المعركة فمن المؤكد أن تدفع "حماس" ثمنا باهظا، ولن يكون لها سند داعم من بعد إيران، إذ لا تشكل قطر داعما عسكريا لـ"حماس"، وقد تتخلى طهران عن دعمها للحركة كشرط إسرائيلي-أميركي ضمن تنازلات دبلوماسية للتوصل لتسوية بين إسرائيل وإيران بوساطة دولية، حيث ستفضل طهران التخلي عن "حماس" على التخلي عن برنامجها النووي أو صواريخها الباليستية.

أ.ف.ب
فتاة فلسطينية تنظر في منزل متضرر، في حي الصفطاوي، غرب جباليا، شمال قطاع غزة، بعد استهدافه في غارة إسرائيلية يوم 9 يونيو

وكان قيادي بارز في حركة "حماس" فضل عدم ذكر اسمه قد كشف لـ"المجلة" أن جهاز المخابرات العامة المصرية قد تواصل مع قيادة الحركة هذا الأسبوع للاطلاع على موقفهم من فكرة استئناف جهود الوساطة بناء على المقترح السابق للوسيط الأميركي ستيف ويتكوف من أجل التوصل إلى وقف لإطلاق النار في غزة، لكن دون تقديم أية ضمانات دولية ولا انسحاب للجيش الإسرائيلي من قطاع غزة ولا وقف للحرب، وهو ما تعتبره "حماس" أقل من الحد الأدنى المطلوب الذي يدفعها للتفكير بالتعاطي مع الجهود المصرية.

ولم يخف المسؤول "الحمساوي" شعور قيادة الحركة العسكرية بشكل خاص والسياسية بشكل عام في قطاع غزة بالفرح لمشاهدة صواريخ إيران الثقيلة تدك تل أبيب، مشيرا إلى أنها المرة الأولى منذ عقود التي تبادر فيها قوة إقليمية كإيران لتدك إسرائيل بهذا الوابل الكبير من الصواريخ الباليستية الثقيلة.

ولم يتغير موقف "حماس" الذي بنى آمالا كبيرة على ما يمكن أن تحققه صواريخ ومسيرات إيران ضد إسرائيل حتى بعد قيام الولايات المتحدة بقصف المنشآت النووية الإيرانية الثلاث بما فيها فوردو، حيث أملت "حماس" أن تحقق إيران إنجازا عسكريا ملموسا في تلك المواجهة وأن تحقق الحركة إنجازا يذكر في أية ترتيبات بين إيران والولايات المتحدة لوقف التصعيد العسكري الحالي.  

قلصت إيران دعمها المالي والعسكري والسياسي لكل من "حماس" و"الجهاد الإسلامي" في الأشهر الأخيرة، فيما يعتقد أنها ورقة مساومة في مفاوضاتها مع إدارة ترمب حول مشروعها النووي

لقد فقدت "حماس" منذ بدء معركتها مع إسرائيل بعد السابع من أكتوبر 2023 مراكز قوتها، كسلاحها والمنطقة الجغرافية التي سيطرت عليها منذ عام 2007 في قطاع غزة، وقادتها البارزين كإسماعيل هنية ويحيى السنوار وصالح العاروري ومحمد الضيف ومروان عيسى، وحلفائها مثل "حزب الله" وسوريا (والآن إيران) ولم يتبق لها سوى أموالها التي تقدر بمئات الملايين و"الإخوان المسلمين" وقيادتها بالخارج.

لذا، فإن قلق "حماس" من إمكانية خسارة إيران المواجهة العسكرية مع إسرائيل كان مضاعفا خشية أن يفرض على "حماس" القبول عندئذ بجميع شروط وإملاءات رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، أو تتعرض لشن حرب شاملة ضد عناصرها وما تبقى من قياداتها وبنيتها التحتية في قطاع غزة، وأن تتنصل إسرائيل من وعودها حتى الآن بعدم اغتيال قيادات الحركة بالخارج المقيمين على الأراضي القطرية وتقوم بتصفيتهم حتى في قطر، بل وأكثر من ذلك طلب الولايات المتحدة من قطر طرد قيادة "حماس" من أراضيها وهي التي تستضيفها منذ عام 2012.

وكان مصدر أمني فلسطيني قد صرح لـ"المجلة" بأن إيران قلصت قليلا دعمها المالي والعسكري والسياسي لكل من "حماس" و"الجهاد الإسلامي" في الأشهر الأخيرة، فيما يعتقد أنها ورقة مساومة في مفاوضاتها مع إدارة ترمب حول مشروعها النووي.

أما إسرائيل فكانت قد أعربت عن رغبتها واستعدادها للتوصل إلى وقف إطلاق نار في غزة منذ اليوم الأول من المواجهة العسكرية ضد إيران، إلا أن النجاحات الكبيرة التي حققتها في أيام المواجهة الأولى أشعرتها بالغرور والزهو ورفعت سقف طموحاتها إلى إمكانية تغيير النظام في طهران، لذلك لم تبدُ معنية هي الأخرى بالتوصل لاتفاق مع "حماس" رغم قيامها بسحب عدد من ألويتها القتالية من قطاع غزة وإعادة نشرها على حدودها الطويلة مع الأردن.

وقال اللواء (متقاعد) أكرم الرجوب عضو المجلس الثوري لحركة "فتح" لـ"المجلة": "إذا كانت (حماس) قد أضاعت فرصة التوصل لوقف إطلاق نار في غزة وتصلبت في موقفها من هذه المسألة بناء على عدد الصواريخ الإيرانية المنهمرة على تل أبيب، فهذا يعبر عن قصور سياسي لدى (حماس) التي يجب عليها أن تدرك أن الغرب لن يسمح بأن تهزم إيران إسرائيل".

ولم يستبعد الرجوب أن تكون طهران هي من طلب من "حماس" التصلب في مواقفها من التوصل لوقف إطلاق نار مع إسرائيل، واصفا ذلك بقصر النظر السياسي لدى "حماس".

غير أن للمحلل السياسي الفلسطيني محمد دراغمة رأيا مختلفا، إذ قال لـ"المجلة" إن "حماس" في الواقع لا تؤثر في معادلة إيران سواء استمرت حرب إسرائيل في قطاع غزة أم جرى التوصل لاتفاق لوقف إطلاق نار، مشيرا إلى أن إسرائيل تحارب إيران عبر سلاح الجو وليس عبر جنود على الأرض.

لكن دراغمة لم يستبعد إمكانية أن تتخلى إيران عن "حماس" في حال تيقنت أنها معرضة لتهديد استراتيجي خطير وضمن اتفاق مع الإدارة الأميركية حول السلاح النووي والدور الإقليمي خاصة دعم قوى مسلحة مثل "حزب الله" و"حماس" و"الجهاد الإسلامي".  

تعاطت "حماس" مع المواجهة العسكرية الإسرائيلية-الإيرانية وفق منطق "انتظار المنتصر"، وقراءة التطورات الإقليمية بعين منفتحة على لعبة المحاور لا على الواقع المحلي الذي يعيشه سكان قطاع غزة

وبرر مصدر مقرب من "حماس" لـ"المجلة" موقف الحركة بأنه استغلال ذكي للفرصة السانحة لرفع سقف مطالبها والحصول على ضمانات دولية أقوى، مشيرا إلى أنه حين تقصف تل أبيب بوابل من الصواريخ الإيرانية المدمرة فإنه يتوجب تغيير المعادلة على الطاولة وعدم القبول باتفاقات مجحفة.

ولم تخف كل من القاهرة والدوحة قلقهما من احتمال انفلات زمام المبادرة التفاوضية من أيديهم كوسطاء خاصة مع دخول لاعب إقليمي بثقل عسكري وأيديولوجي كإيران على الخط، الأمر الذي كاد أن ينسف جهودا استمرت أشهرا لجسر الفجوة بين مواقف ومطالب كل من إسرائيل و"حماس" من أجل التوصل لاتفاق وقف لإطلاق النار بينهما.

ويرى الباحث والكاتب في شؤون الأمن والدفاع رياض قهوجي في حديثه لـ"المجلة" أن مستقبل علاقة "حماس" بإيران يتوقف على كيفية انتهاء هذه المواجهة العسكرية. حيث إن توقفها مع بقاء النظام الحالي وخامنئي يعني أن النظام الإيراني لن يتوقف عن عاداته بدعم هذه المجموعات لأنه يستخدمها لنفوذه وكأوراق بيده للهيمنة والتدخل ولا يمكنه التصرف إلا بهذه الطريقة التي يعتبرها أساس مهام وواجبات النظام. أما في حال تغييره سواء باستقالته أو بإسقاطه داخليا فسينتهي الدعم الإيراني لـ"حماس".

وأشار قهوجي إلى أن "حماس" تمر بحالة ضياع، إذ إن الدعم الإيراني المنشود أتى لكن ليس بخيار ومبادرة إيرانية لمساعدتها، ولكن نتيجة الهجوم الإسرائيلي على إيران. واعتقاد "حماس" بأن إيران انتصرت لمجرد سقوط عدد من الصواريخ الإيرانية داخل إسرائيل هو استمرار للحسابات والرهانات الخاطئة التي تسير بها "حماس" منذ فترة طويلة والتي كانت مكلفة للشعب والقضية الفلسطينية، وإمكانية انتصار إيران في هذه الحرب غير واقعي حاليا"، بحسب ما قال قهوجي لـ"المجلة".

رويترز
المرشد الأعلى علي خامنئي يلتقي برئيس المجلس السياسي لحركة حماس، محمد إسماعيل درويش، وكبار مسؤولي حماس، في طهران، إيران، 8 فبراير 2025

وفي ضوء هذه المواقف والمعطيات يصعب الجزم إن كانت "حماس" (الدوحة-غزة) قد تصرفت باستقلالية كاملة أم وفق قرار إقليمي مشترك مع إيران خلال فترة المواجهة العسكرية بخصوص التوصل لوقف إطلاق نار بغزة، وأن الوساطات الإقليمية والدولية لفترة أسبوعين كانت رهينة حسابات طهران وتوازناتها مع واشنطن وتل أبيب، بحيث اعتبر إقدام "حماس" منفردة على توقيع اتفاق وقف إطلاق نار بخصوص الحرب في غزة يمثل إحراجا كبيرا للحركة التي كانت ستبدو وكأنها قد تخلت عن حليفتها طهران في أتون المعركة الحاسمة وخاصة أن الاستهداف الإسرائيلي لقطاع غزة لم يتوقف ولم تخف وتيرته منذ اندلاع المواجهة العسكرية الإسرائيلية-الإيرانية الأخيرة.

لقد تعاطت "حماس" مع المواجهة العسكرية الإسرائيلية-الإيرانية وفق منطق "انتظار المنتصر"، وقراءة التطورات الإقليمية بعين منفتحة على لعبة المحاور لا على الواقع المحلي الذي يعيشه سكان قطاع غزة، الأمر الذي عكس بوضوح إلى أي مدى باتت "حماس" لاعبا منخرطا ضمن استراتيجية إيران الإقليمية.

وبعد إعلان ترمب فجر الرابع والعشرين من يونيو التوصل لوقف إطلاق نار بين إسرائيل وإيران تساءل الفلسطينيون بغضب شديد عن سبب عدم إصرار إيران على أن يتضمن الاتفاق وقف إطلاق نار مواز وانسحابا للجيش الإسرائيلي من قطاع غزة، فيما لاذت "حماس" بالصمت أمام هذا السؤال الأقل أهمية مقارنة بالانتصار المظفر لحليفتها إيران على إسرائيل.

font change