وقف إطلاق النار بين إسرائيل وإيران… هل تتكرر تجربة لبنان؟

الحرب الأخيرة فتحت مسارا جديدا في المنطقة

رويترز
رويترز
آثار الدمار بسبب الهجمات الاسرائيلية على طهران، إيران، 23 يونيو

وقف إطلاق النار بين إسرائيل وإيران… هل تتكرر تجربة لبنان؟

سيتعين علينا انتظار بعض الوقت للتأكد من أن اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل وإيران سيدخل فعلا حيز التنفيذ، رغم إعلان الطرفين التزامهما به.

تجربة اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل و"حزب الله" غير مشجعة في هذا الإطار، إذ تواصل إسرائيل حتى الآن هجماتها في لبنان ضد أهداف تقول إنها لـ"حزب الله" وضد كوادر "الحزب"، وقد كثفت هجماتها في اليومين الماضيين.

فهل سنكون أمام السيناريو نفسه في إيران، بحيث تواصل إسرائيل هجماتها ضد أهداف إيرانية مستفيدة من الطريق الجوي المفتوح إلى قلب إيران؟ أو تعود إسرائيل إلى "حرب الظل" لكن بصيغة مكثفة أكثر؟

الرئيس الأميركي دونالد ترمب قال إن الحرب ستنتهي إلى الأبد بين الطرفين، وبشّر الشرق الأوسط والعالم بالسلام. لكن لم تكد تمضي ساعات قليلة على إعلان ترمب ذاك حتى أطلقت إيران مجددا صاروخين على إسرائيل التي توعدت بالرد بدورها وتحدثت تقارير عن قصف في طهران والشمال. وسرعان ما نفت طهران أن تكون هي من أطلق هذين الصاروخين.

لكن ليس محسوما بعد ما إذا كانت هذه الضربات المتبادلة بعد الاتفاق هي "الضربات الأخيرة" أم إننا سنكون أمام تدحرج جديد لتبادل الضربات.

الأكيد أن تطبيق الاتفاق سيخضع لموازين القوى التي كرستها المواجهة الأخيرة، وهو ما حصل فعلا في لبنان بعد الحرب، إذ ظهر سريعا جدا أن إسرائيل التي وجهت ضربات قاسمة لـ"حزب الله" تتمتع بحرية حركة في الأجواء اللبنانية، لمهاجمة أي هدف تعتبره تهديدا ضدها، تحت عنوان منع "حزب الله" من إعادة بناء قدراته.

لا نعرف بعد ما هي مضامين الاتفاق بين إسرائيل وإيران والذي تم التوصل إليه بوساطة قطرية-أميركية، بعد ساعات من قصف "الحرس الثوري" الإيراني لقاعدة العديد الأميركية في قطر. لكن ما يجدر بنا التوقف مليا عنده أن مسار الأحداث في المنطقة منذ السابع من أكتوبر 2023 يؤكد أن إسرائيل تتصرف وفق عقيدة قتالية وسياسية قوامها أنها ستعمل على تقويض التهديدات ضدها في طول المنطقة وعرضها.

وغالب الظن أن هذه العقيدة ستنطبق على إيران مثلما انطبقت سابقا على "حزب الله و"حماس" والحوثيين وحتى الميليشيات العراقية التي تلقت ضربة إسرائيلية صباح الثلاثاء.

هل هذا يعني أن إسرائيل في وضع مريح وقادرة على تنفيذ أهدافها كلها دون عوائق؟

الواقع أن أي مواجهة خاضتها إسرائيل ولا تزال سواء في غزة أو لبنان أو اليمن وأخيرا إيران، ليست من دون أكلاف عليها، لكنها قادرة- على ما يبدو من سلوكها حتى الآن- على تحمل هذه الأكلاف وكان أصعبها عليها نتائج القصف الصاروخي الإيراني لمدنها.

المحطة الإيرانية كانت مفصلية في حروب نتنياهو في المنطقة، وسيتعين علينا من الآن درس نتائجها في محاولة لفهم مستقبل الصراع الإيراني-الإسرائيلي، وآفاق المسار الدبلوماسي بين واشنطن وطهران

لكن في مقابل هذه الأكلاف فإن إسرائيل حققت "إنجازات" استثنائية ضد خصومها، إيران وحلفائها من العرب. فقد قضت على قيادة "حزب الله" ودمرت جزءا كبيرا من ترسانته العسكرية بحيث لم يعد قوة إقليمية كما كان ينظر إلى نفسه خصوصا بعد سقوط النظام السوري والذي أدت المتغيرات في المنطقة بعد 7 أكتوبر 2023 إلى سقوطه.

كذلك فإن الحوثيين باتوا أضعف مما كانوا قبل الضربات الأميركية والإسرائيلية ضدهم والتي استهدفت أيضا البنى التحتية اليمنية في خسارة فادحة لليمنيين.

أما في غزة فإن إسرائيل لم تحقق بعد هدفها النهائي من الحرب وهو "سحق حماس" والذي كان بنيامين نتنياهو قد أعلنه في بداية الحرب، وهو الهدف الذي لطالما واجه انتقادات في الداخل الإسرائيلي باعتبار أن تحقيقه مستحيل، ولكن ما يهم نتنياهو هو الاستمرار في الحرب بدافع من هذا الهدف، وما يهمه أكثر هو أن مواصلة الحرب في غزة أصبحت ذات وظيفة إقليمية بالنسبة إليه، أي إنه بموازاتها يواصل حروبه وعملياته في طول الشرق الأوسط وعرضه، وصولا الآن إلى إيران، المحطة الأصعب.

ولا شك أبدا في أن المحطة الإيرانية كانت مفصلية في حروب نتنياهو في المنطقة، وسيتعين علينا من الآن درس نتائجها في محاولة لفهم مستقبل الصراع الإيراني-الإسرائيلي، وآفاق المسار الدبلوماسي بين واشنطن وطهران، خصوصا بعد الضربات الأميركية ضد المواقع النووية الإيرانية.

رويترز
صورة تم نشرها من قبل سلاح الجو الأميركي تظهر طائرات 509 قاذفات بي-2 سبيريت في قاعدة وايتمان الجوية في الولايات المتحدة، 19 مارس2011

حتى الآن وقبل معرفة حجم الضرر الذي لحق بالبرنامج النوري الإيراني- بين ترمب الذي يقول إنه دمر بالكامل وبين الأصوات داخل أميركا وخارجها التي تشكك في ذلك- سيتعين علينا القياس على سياقات ونتائج المواجهة الأخيرة بين إسرائيل وإيران في محاولة لتوقع سمات المشهد الإقليمي في المرحلة المقبلة.

التطور الأبرز في سياق هذه المواجهة لم يكن إسرائيليا ولا إيرانيا بلا أدنى شك، بل كان أميركياً بامتياز، وتمثل في تدخل أميركا المباشر بالحرب بقصف المنشآت النووية الإيرانية.

لم يكن هذا التدخل إجراء تكتيكيا لجأ إليه ترمب خلافا لتعهداته بعدم جر الولايات المتحدة إلى أي صراع خارجي خصوصا في الشرق الأوسط. لقد شكّل هذا التدخل تغييرا في السياسة الأميركية حيال طهران، بعدما كانت محصورة طيلة الفترة الماضية بالخيار الدبلوماسي.

نقطة القوة الوحيدة لإيران في هذه المواجهة كانت أذية إسرائيل من خلال إطلاق الصواريخ عليها والتي بدا بوضوح أنها قادرة على إلحاق أضرار كبيرة داخل إسرائيل

والحال، لا يمكن التعامل مع الهجوم الأميركي داخل إيران كما لو أنه لمرة واحدة فقط حتى لو أعلن ترمب ذلك، فمجرد القيام به يعني أنه يمكن أن يتكرر في حال لم ينجح استئناف المسار الدبلوماسي في احتواء ما تبقى من البرنامج النووي الإيراني، ما دامت أميركا والغرب وبالطبع إسرائيل تعتبر السماح لإيران بامتلاك القدرة على إنتاج سلاح نووي خطا أحمر لا رجوع عنه. أي إن أحدا من هؤلاء لا يقبل بأن تنجح إيران في تكرار نموذج كوريا الشمالية في حال كان ذلك أحد خياراتها ردا على الهجوم الأميركي-الإسرائيلي المشترك ضدها، وردا أيضا على الشروط الأميركية للتفاوض والتي ستصبح أكثر تشددا بعد الحرب الأخيرة، عملا بما قاله ترمب بأن المطلوب "استسلام إيران".

في المقابل، فإن إيران لن تقبل تفاوضا مشروطا باستسلامها، ولكن الطريق صعب أمامها، بعد الضربات القاسية التي تلقتها خلال المواجهة الأخيرة، سواء ضد برنامجيها النووي والصاروخي أو ضد هيكلها القيادي، ما اضطر المرشد علي خامنئي نفسه إلى الاختباء حتى انقطع الاتصال به حتى مع أقرب المقربين في القيادة الإيرانية وهو ما أوجد خللا في اتخاذ القرار على مستوى القيادة السياسية وربما العسكرية الإيرانية.

هذا فضلا عن استهداف إسرائيل، التي تمكنت من خرق الداخل الإيراني بقوة، لمواقع العلماء النوويين ولمواقع قيادية حساسة داخل إيران، بما يظهر وجود بنك أهداف واسع ومركز لديها يهدد فعليا تماسك الهياكل القيادية للنظام في حال استمرار الحرب، ولاسيما مع بدء إرسال ترمب إشارات إلى أنه لا يمانع في تغيير النظام لتكون "إيران عظيمة مجددا".

والواقع أن البدء بطرح أسئلة عمن اتخذ القرار من الجانب الإيراني للقبول بوقف إطلاق النار، يؤشر إلى إمكان أن يكون قد حدث تغيير معين في البنية العليا للنظام، وهو ما ستؤكده التطورات اللاحقة أو تنفيه.

إلا أنه ومن جانب آخر فإن نقطة القوة الوحيدة لإيران في هذه المواجهة كانت أذية إسرائيل من خلال إطلاق الصواريخ عليها والتي بدا بوضوح أنها قادرة على إلحاق أضرار كبيرة داخل إسرائيل. لكن في المقابل فإن وتيرة إطلاق إيران للصواريخ كانت قد بدأت بالتراجع، وغالب الظن أن ذلك عائد إلى استهداف إسرائيل لمنصات الإطلاق الإيرانية، ما دفع طهران إلى القصف من مسافات أبعد بحسب التقديرات الإسرائيلية والغربية، لكن في مطلق الأحوال فإن وقت المواجهة الضيق نسبيا لا يتيح الجزم بحجم القدرات المتبادلة لكل من إسرائيل وإيران للدخول في مواجهة طويلة من هذا النوع.

الحرب الأخيرة فتحت مسارا جديدا في المنطقة، وهو مسار يكرس تقليص النفوذ الإقليمي لإيران وقد بدا حلفاؤها مشلولين في المواجهة الأخيرة، ويجعل إيران نفسها تحت ضغوط قصوى من نوع آخر

مع الأخذ في الاعتبار هنا أن إسرائيل أثبتت مرة جديدة خلال هذه الحرب أنها وضع دولي بخلاف إيران التي سرعان ما بدت معزولة ولا تتمتع بدعم حقيقي من أي طرف إقليمي أو دولي كما هي الحال بالنسبة للدعم الأميركي والغربي لإسرائيل. فحتى الصين وروسيا حليفتا إيران لم تبديا رغبة فوق الحد بمؤازرة طهران وهما أصلا على علاقة جيدة بإسرائيل، ولا يريدان فوق ذلك خسارة فرصهما مع دونالد ترمب. هذا في وقت أكدت فيه هذه الحرب مجددا وقوف أميركا إلى جانب إسرائيل في نوع من التحالف فريد من نوعه حول العالم. واستطرادا يتبين أكثر فأكثر أن النظام العالمي الجديد الذي كانت الصين وروسيا قد بدأتا التبشير به كما لو أن تحقيقه مسألة وقت فقط، قد ابتعد أكثر فأكثر عن أن يكون واقعا بديلا.

رويترز
آثار الدمار بعد هجوم صاروخي من إيران على إسرائيل، في منطقة بئر السبع، إسرائيل، 24 يونيو

وهذه في المحصلة نقاط أساسية في محاولة فهم ما يحدث في المنطقة وما يمكن أن يحدث مستقبلا، انطلاقا من واقع أن تجربة إسرائيل ضد "حزب الله" مرشحة للتكرار مع إيران من حيث استمرار إسرائيل في محاولة تقويض ما تعتبره تهديدا ضدها في المنطقة وصولا إلى طهران، مستفيدة من قدرة طائراتها على التحليق بحرية في أجواء المنطقة بعدما دمرت الدفاعات الجوية "المؤذية". لكن في المقابل فإن اتفاق وقف إطلاق النار بين الجانبين يفترض أن يسير بالتوازي مع إعادة إطلاق المسار الدبلوماسي بين واشنطن وطهران وهو ما من شأنه أن يضغط على إسرائيل لفرملة هجماتها ضد إيران بخلاف ما تفعل ضد "حزب الله"، خصوصا أن أي ضربة إسرائيلية ضد إيران ستكون مشروطة بالموافقة الأميركية.

بيد أن الأكيد أن الحرب الأخيرة فتحت مسارا جديدا في المنطقة، وهو مسار يكرس تقليص النفوذ الإقليمي لإيران وقد بدا حلفاؤها مشلولين في المواجهة الأخيرة، ويجعل إيران نفسها تحت ضغوط قصوى من نوع آخر، أشد خطرا بكثير من الضغوط الاقتصادية… وهذا هو المعنى الحقيقي للهجوم الأميركي على "فوردو".

font change

مقالات ذات صلة