مثّل الهجوم على منشآت إيران النووية الرئيسة: فوردو ونطنز وأصفهان، أعلى درجات الدعم والتأييد الأميركي والأوروبي لتل أبيت، وشكّل انحيازا تاما إلى جانب إسرائيل في حربها مع إيران.
من الناحية التاريخية، الأمر يكشف عما هو أبعد من المواجهة القائمة ألا وهو اتساع الهوة وعمق الخلاف مع طهران حول ملفات ثقيلة لا تقتصر فقط على برنامجها النووي، وذلك منذ أمد بعيد وليس الآن.
الثقة لدى إيران في الغرب، وخصوصا الولايات المتحدة معدومة تماما، كما أنها كذلك غائبة بالمطلق لدى الغرب الأميركي والأوروبي في إيران الذي يعتقد أن طهران أضاعت فرصة لتفادي هذه الحرب، وأن انضمام واشنطن إليها لم يكن أكثر من وقت رغم المراوغات الدبلوماسية الغربية التي حاولت كسب الزمن إلى حين حدوث استسلام إيراني شامل أو تدمير كامل لبرنامجها النووي والصاروخي وبتر أذرعها في المنطقة، في آن معا.
للأمر خلفية تاريخية تحتاج إلى عرض مفصل وتحليل أعمق لجوهر الخلاف ولأسباب فقدان الثقة المتبادل، ولماذا يصر الغرب اليوم بقيادة الولايات المتحدة وباستخدام الذراع الإسرائيلية على رفض امتلاك إيران برنامجا نوويا حتى لاستخدامه لأغراض مدنية، فالخشية قائمة من إعادة تحويله إلى استخدامات عسكرية خلال سنوات قليلة.
صحيح أن دولا كروسيا والصين وتركيا وغيرها في المنطقة أدانت الحرب الإسرائيلية على إيران، ورأت أن من حق طهران "الدفاع عن نفسها" إلا أن هذه الإدانات لن توقف الحرب أو تغير من واقع الأمر شيئا، فهناك دول أخرى فاعلة كالولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا اعتبرت أن إسرائيل إنما تمارس حقها في "الدفاع عن وجودها" وذلك رغم أنها هي من بدأت الحرب.
هناك في الغرب من يرى أن الخطورة لا تكمن فقط في ذلك، حيث كان يمكن التعامل معه ومراقبته بشكل صارم، ولكن في طبيعة النظام الإيراني كـ"مشروع عقائدي جهادي" كما يقولون، تأسس منذ قيامه على فكرة تصدير "الثورة الإسلامية" بل في كونه يمثل تهديدا وجوديا لإسرائيل، ولطالما تعهد بإزالتها من خارطة المنطقة.
كيف ينظر الغرب لإيران؟
كثيرا ما كرر مسؤولون أميركيون وأوروبيون الإعراب عن قناعتهم بأن الإيرانيين "لا يتمتعون بالقيادة التي تليق بتاريخهم وحضارتهم التليدة، وغير قادرة على استيعاب تطلعاتهم، وليست في مستوى التحديات التي تواجه مستقبلهم". وينتقدون بشدة محاولة "الولي الفقيه" لصبغ الشعب الإيراني المتعدد الأعراق والمتنوع الثقافات بصبغته ووفق منظوره "المتشدد الخاص للإسلام" لكن هؤلاء المسؤولين يرددون أنهم "غير معنيين بتغيير النظام" وأن هذا الأمر "بيد الشعب الإيراني نفسه" وقد رأينا كيف أن إسرائيل كانت قد عبرت عما هو أكثر من هذ الموقف عندما أكدت على لسان وزير دفاعها، يسرائيل كاتس، عزمها التخلص من "المرشد الأعلى" الإيراني، علي خامنئي، بعد الهجوم الصاروخي على مستشفى "سوروكا" في تل أبيب.
خصمت أحداث الأشهر الأخيرة الكثير من مكاسب إيران في الشرق الأوسط لصالح إسرائيل ومن ورائها الولايات المتحدة، ثم تركيا راعية سيناريو التغيير الدراماتيكي الأخير في دمشق، وحتى روسيا التي طالما انتظرت عودة ترمب إلى البيت الأبيض في واشنطن لإعادة تموضعها في أوروبا بعد حربها المكلفة مع أوكرانيا على أكثر من صعيد عام، عسكريا وسياسيا واقتصاديا، وعلى المستويين الداخلي والدولي.