لم يعد التقليديون وحدهم ينفرون من الضجيج أو الصخب الذي يلازم الموسيقى الحديثة، أو ما بعد الحديثة، باعتبار أن هذا الصخب، الناتج من أصوات زاعقة بمصاحبة آلات موسيقية غير منضبطة، يندرج ضمن التلوث السمعي وليس شيئا آخر، ففي احتفال "عيد الموسيقى" الأخير في العاصمة الفرنسية باريس، وجد كثيرون أنفسهم بعيدين عن هذه الأجواء المعتادة سنويا بعد انتشار أخبار تشير إلى وجود أناس يستهدفون النساء من خلال طعنهن بإبر تحتوي على مواد فيروسية أو مخدرة، ما يعني أن التلوث لم يعد مقتصرا على السمع، حسب المفهوم التقليدي، بل اتسع ليشمل كل الجسد.
العيد الكبير
هناك أعياد كثيرة في باريس، ليس أقلها عيد رأس السنة أو عيد الإنسانية، أو العيد الوطني، وهي تتبع تقاليد عريقة في هذه المدينة منذ أكثر من قرن، حتى أن همنغواي ألف كتابا بعنوان "باريس حفلة" أو "باريس عيد"، معتبرا أن كل يوم هو عيد في باريس، لكن "عيد الموسيقى" في فرنسا، يبدو أنه أصبح العيد الأكبر في هذا البلد الذي ابتكر هذه المناسبة عام 1982، أيام الرئيس فرنسوا ميتران، باقتراح من وزير الثقافة حينئذ جاك لانغ. كانت الفكرة يومها أن الفرنسيين يتعلمون الموسيقى في المدارس ولا يحصلون على فرصة للعزف أو تقديم مواهبهم في مكان عام، ولهذا خُصّصت لهم الساحات والحدائق والمقاهي والشوارع في هذا اليوم (21 يونيو/ حزيران) ليعزفوا ويغنوا ويرقصوا بشكل حر ومجاني. وصار هناك أكثر من مائة بلد اتبع فرنسا في تخصيص هذا اليوم للموسيقى.
موسيقى الشعوب
ما يلفت في باريس، هو التنوع الهائل للموسيقى التي تقدّم في هذا اليوم، فهي إذ تأتي من معظم جغرافيا الأرض، فإنه يصبح من الممكن التعرف إلى موسيقى وأغاني الشعوب، كتلك التي تنحدر من تقاليد موسيقية قديمة، مثل الشرقية والأفريقية واليونانية والسلتية والأندلسية وموسيقى السكان الأصليين في أميركا الشمالية. كما يمكن الاستماع إلى ألحان من الصين والهند واليابان ومصر وكوريا وبلدان أميركا اللاتينية، مع ما يصاحبها من رقصات وآلات موسيقية تقليدية، غير تلك التي عُرفت أو صاحبت نشوء الموسيقى الحديثة في أوروبا.