الساعة السادسة و18 دقيقة بتوقيت دمشق، سوريا من دون بشار الأسد..
بهذه الكلمات أعلن الزميل حسين الشيخ نبأ سقوط النظام السوري وهروب بشار الأسد من البلاد في صباح الثامن من ديسمبر/كانون الأول 2024 على شاشة "الحدث".
سقط نظام الأسدين وهرب بشار من البلاد، تحرر السوريون من إجرام وقمع لم تنكشف كل تفاصيله بعد، فكل يوم نسمع عن قصة جديدة، ومقبرة جماعية جديدة، أساليب لا تخطر على بال الشيطان نفسه في التعذيب والقتل، أطفال سرقوا من أحضان عائلاتهم وتغيرت أنسابهم بـ"شحطة" قلم مسؤول في نظام الأسد، باعهم مسؤولون في نظام الأسد. معتقلون بيعت أجسادهم، فحتى تجارة الأعضاء مارسها هذا النظام.
فُتحت السجون وخرج من بقي حياً، ولا زال مصير عشرات الآلاف مجهولاً، بدأ العالم يسمع قصص سجن صيدنايا، وفرع فلسطين. شاهد العالم أين وكيف التقطت صور "قيصر"، وهو الذي كان يسمع بقيصر وتدمر وصيدنايا ويصم آذانه عن تصديق ما يسمع.
7 شهور على فتح السجون ليخرج السوريون إلى الحياة، ولكن لم تفتح كل أبواب السجون وما زال العشرات من السوريين محرومين من أدنى مقومات الحياة، نحو 170 معتقلا على خلفية الثورة السورية لا زالوا في سجون النظام اللبناني ينتظرون الحرية والعودة إلى بلادهم.
التغيرات التي حصلت في المنطقة طالت شيئاً من النظام اللبناني ولكنها لم تطل بنيته، وكأن هناك في العمق من يرفض أن يصدق أن بشار الأسد سقط، وكأن هناك من ينتظر عودته ليخبره بأنه كان وفياً لنهجه حتى بعدما فر هو شخصياً من البلاد.
نحو 170 معتقلاً على خلفية الثورة السورية ما زالت حريتهم مصادرة ومسجونين في سجن رومية في لبنان، صار العالم يعرف كم اعتقل الأسد سوريين ظلماً وكيف عذبهم، ولكن هل يعرف العالم أن بعض السوريين استشهد تحت التعذيب في لبنان؟ هل يُسمع صوتهم اليوم وهم لا يتوانون عن إطلاق صرخات استغاثة؟
هل يعرف العالم أن بعض السوريين استشهد تحت التعذيب في لبنان؟ هل يُسمع صوتهم اليوم وهم لا يتوانون عن إطلاق صرخات استغاثة؟
حسن حربا، شاب بسيط هجرته ميليشيا "حزب الله" اللبنانية من بلدته في القصير فلجأ إلى لبنان، حسن كان يعمل في بيع الحليب والأجبان، ذهب إلى مبنى الأمن العام اللبناني بمدينة بعلبك في 26 فبراير/شباط 2015 لإجراء تسوية الوضع لشرعنة إقامته في لبنان، فتم توقيفه ومن ثم نقله إلى فرع أبلح التابع لمخابرات الجيش اللبناني في منطقة البقاع، وليبدأ التحقيق معه على أنه شخص آخر اسمه حسن يونس حربا "أبو علي الوادي"، حسن تعرض للتعذيب الشديد وسحبت منه اعترافات على أنه شخص آخر، ولكن حتى بعدما قدم الدفاع والشهود كل ما يثبت أن المطلوب أبو علي الوادي قتل في إحدى المعارك في سوريا وأن بيانات الموقوف حسن حربا مختلفة بالكامل عدا تشابه الأسماء، إلا أن المحكمة العسكرية قررت الحكم على حسن حربا بائع الحليب بالمؤبد. وللمفارقة، قبل نحو شهرين أصدرت المحكمة الفيدرالية في واشنطن حكماً اعتبر المحكمة العسكرية في لبنان أداة بيد "حزب الله".
حسن ليس حالة نادرة في السجون اللبنانية، فأغلب المعتقلين السوريين قصتهم كقصة حسن، وقد تكون أكثر إيلاماً وظلماً، ولكن للمفارقة أيضاً المعتقلون ظلماً في سجن رومية ليسوا فقط من السوريين، فهناك عشرات اللبنانيين المعتقلين دون محاكمات منذ أكثر من عشرة أعوام لمناصرتهم الثورة السورية، ومن لا يعرف كيف تلفق الاتهامات في لبنان بحق كل من عارض بشار الأسد و"حزب الله".
ملف المعتقلين اليوم وتلكؤ السلطات اللبنانية عن إيجاد حل سريع وعاجل يقضي بتسليم معظمهم إلى السلطات السورية، ومحاولات بعض المسؤولين اللبنانيين مقايضة هذا الملف بملفات أخرى يطرح سؤالاً جدياً عن شكل العلاقة التي يريدها لبنان مع سوريا، فحتى هذه اللحظة لم يتحدث أي مسؤول سوري عن ارتكابات "حزب الله" في سوريا ولم يفتح باب المطالبة بالتعويضات عما اقترفه هذا "الحزب" من جرائم بحق السوريين، جرائم ارتكبت تحت أعين الجيش اللبناني والسلطات اللبنانية والحكومات التي كان جزءاً منها.
ملف المعتقلين اليوم وتلكؤ السلطات اللبنانية عن إيجاد حل سريع وعاجل يقضي بتسليم معظمهم إلى السلطات السورية
حتى اللحظة لم تقدم أمام المحاكم شكوى رسمية ضد الأجهزة الأمنية التي قتلت معتقلين سوريين تحت التعذيب أثناء التحقيق معهم في لبنان، في وقت تخرج أصوات لبنانية تطالب بالتعويضات عن جرائم الأسد في سوريا وعن كشف مصير المفقودين اللبنانيين في سجون الأسدين، وهي طلبات محقة ولكن النظر بعين واحدة هو ما يثير الاستغراب.
تنتظر السلطات اللبنانية زيارة رسمية من وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني لتباشر بحلحلة الملفات العالقة، ولكن هل يبرر تأجيل الزيارة لأسباب خارجة عن إرادة الطرفين الاستمرار في مصادرة حياة البشر؟ ألم يتحدث رئيس الحكومة اللبنانية السابق نجيب ميقاتي بعد زيارته دمشق في عيد التحرير أنه تم الاتفاق على تسليم المعتقلين للدولة السورية؟ ألم يذهب الرئيس نواف سلام بزيارة إلى دمشق ويبحث الأمر؟ الرئيس السوري أحمد الشرع أكد أنه لن يتخلى عن المعتقلين وهو يتابع ملفهم شخصياً، فلماذا لا تبادر السلطات اللبنانية إلى إطلاق سراحهم كبادرة حسن نية للعلاقات بين البلدين بعد كل ما شابها خلال العقود الماضية
قبل الساعة 6:18 دقيقة من صباح 8 ديسمبر 2024 كنا نرفع الصوت يومياً مطالبين بعدم تسليم هؤلاء المعتقلين إلى نظام الأسد، وكانت السلطات اللبنانية بأكملها تقول بضرورة تسليمهم فعبء "إقامتهم وإطعامهم" في سجونها لم يعد محتملا، بعد الساعة 6:18 دقيقة من صباح 8 ديسمبر 2024 لا تمر لحظة دون أن يطالب المعتقلون وأهاليهم ورفاقهم بضرورة تسليمهم إلى السلطة الجديدة في سوريا، ولكن فجأة ما كان مطلباً لبنانياً صار المسؤولون اللبنانيون يرون دونه تعقيدات قانونية.. كيف؟ لا جواب.