على الحكومة السورية حماية الجميع

على الحكومة السورية حماية الجميع

استمع إلى المقال دقيقة

يمثل تصاعد العنف الطائفي في سوريا، الذي دفع إسرائيل إلى شن غارات جوية على مبانٍ حكومية رئيسة في دمشق، التحدي الأخطر الذي تواجهه الحكومة السورية الجديدة منذ تسلمها السلطة في وقت سابق هذا العام.

وعقب الاشتباكات المتفاقمة بين الجماعات الطائفية في مدينة السويداء ذات الغالبية الدرزية جنوب البلاد، أرسل الرئيس السوري الجديد أحمد الشرع قوات حكومية إلى المنطقة في محاولة لاحتواء التوترات.

وقد أثار حشد القوات السورية قرب الحدود الإسرائيلية مخاوف لدى تل أبيب، التي تربطها علاقات تاريخية وثيقة بالمجتمع الدرزي، ما دفعها إلى شن غارات جوية على دمشق وجنوب سوريا، مؤكدة أن تدخلها جاء دفاعا عن الدروز.

وفي معرض تبريره للتدخل العسكري، حذر وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، الحكومة السورية من الاقتراب من الدروز في السويداء، مؤكدا استعداد إسرائيل لتوجيه "ضربات مؤلمة" تهدف إلى "القضاء على القوات التي هاجمت الدروز حتى انسحابها الكامل" من الجنوب.

وفي واحدة من أعنف الهجمات التي شنتها إسرائيل على دمشق، استهدفت الغارات وزارة الدفاع السورية والقصر الرئاسي، في أقوى هجوم منذ الإطاحة بالرئيس السابق بشار الأسد في نهاية العام الماضي. وفي الوقت ذاته، نفذت إسرائيل ضربات في جنوب البلاد، حيث تصاعدت التوترات بين الجماعات الأقلوية المحلية منذ عطلة نهاية الأسبوع.

وقد أشار "المرصد السوري لحقوق الإنسان" إلى أن هذا التصعيد أسفر عن مقتل أكثر من 300 شخص، مما يجعله أحد أعقد التحديات التي تواجه حكومة الشرع حتى الآن.

ومنذ توليه المنصب، سعى الشرع وإدارته إلى كسب ثقة المجتمع الدولي عبر التأكيد على نيتهم حكم سوريا باسم جميع السوريين، وهي مساعٍ أثمرت عن استئناف عدد من الدول الغربية- وآخرها المملكة المتحدة- علاقاتها الدبلوماسية مع دمشق.

يبلغ عدد الدروز نحو مليون نسمة، يعيش معظمهم في سوريا ولبنان وإسرائيل، ويقطن نحو 145 ألف درزي في إسرائيل وهضبة الجولان المحتلة، ويشكلون 1.6 في المئة من السكان

ورغم وجود رغبة جدية لدى المجتمع الدولي لدعم مساعي الحكومة الجديدة لاستعادة مظاهر الاستقرار بعد أكثر من عقد من الحرب الأهلية، لا تزال الشكوك تخيم على قدرتها على احتواء التوترات الطائفية.
ورغم تعهد الشرع بتوحيد صفوف السوريين، يساور القلق قطاعات واسعة من الأقليات الدينية والإثنية في البلاد حيال قدرة الحكومة على حمايتهم، لا سيما أن عددا من كبار مسؤوليها ينتمون إلى الائتلاف الإسلامي المعارض الذي أطاح بنظام الأسد العام الماضي.
وازدادت حدة هذه المخاوف في مارس/آذار، عندما اجتاحت موجة من أعمال القتل الطائفي الطائفة العلوية التي ينتمي إليها الأسد، وأسفرت عن مقتل نحو 1500 علوي، في ظل تقارير تحدثت عن إعدامات ميدانية نفذتها القوات الحكومية.
أما موجة العنف الأخيرة جنوب البلاد فقد اندلعت مطلع الأسبوع، بعد تعرض بائع خضراوات درزي للسرقة على يد مجهولين، ما أثار غضبا عارما في السويداء، معقل الطائفة الدرزية.
وزادت حدة التوتر عقب انتشار مقاطع فيديو تُظهر رجالا بزي عسكري يحلقون شوارب رجال دروز بالقوة، وهي خطوة استفزازية تمس رمزا ثقافيا ودينيا بالغ الأهمية للطائفة.
وبحسب التقارير، فقد رد الدروز على الحادث باحتجاز عدد من البدو كرهائن انتقاما، ما أشعل مواجهات دامية بين الطرفين في السويداء، أودت بحياة أكثر من 100 شخص.
وقد دفع ذلك الحكومة السورية إلى إرسال مزيد من القوات إلى المنطقة، ما أدى إلى تفاقم الاشتباكات هناك.
ويبلغ عدد الدروز نحو مليون نسمة، يعيش معظمهم في سوريا ولبنان وإسرائيل، حيث يقطن نحو 145 ألف درزي في إسرائيل وهضبة الجولان المحتلة، ويشكلون نحو 1.6 في المئة من السكان.
وقد قاتل عدد منهم إلى جانب إسرائيل خلال حرب 1948 التي أسست دولة إسرائيل، ولا يزال الدروز ممثلين بشكل كبير في صفوف الجيش الإسرائيلي. وتُستغل هذه العلاقة الوثيقة اليوم ذريعة لتبرير التدخل العسكري الإسرائيلي في سوريا، الأمر الذي يعمق التحديات أمام الشرع في سعيه لإرساء الاستقرار في البلاد.

ولا يزال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يشكك في نوايا النظام السوري الجديد، على الرغم من استئناف عدة دول لعلاقاتها مع دمشق. ويعتبر كثير من الوزراء في حكومته أن الشرع ومؤيديه "إرهابيون إسلاميون" بسبب ارتباطاتهم السابقة بجماعات متشددة.
وقد دفع هذا الموقف إسرائيل إلى تنفيذ عدة ضربات ضد البنية العسكرية السورية بهدف إضعاف قدرة النظام الجديد على تهديد حدودها.
وهو ما فعلته أيضا في أواخر عام 2024، حين قاد الشرع حركة التمرد التي أطاحت بالأسد، إذ سارعت إسرائيل إلى استغلال الفوضى لضرب مواقع عسكرية استراتيجية داخل سوريا، ما أضعف بشكل كبير قدرة الشرع على ترسيخ سلطته في البلاد.
واليوم، تتصاعد المخاوف من أن يؤدي استمرار هذا النزاع دون تدخل حاسم إلى اندلاع مواجهة جديدة في الشرق الأوسط، وهو ما لا يمكن للمنطقة تحمله في هذا الوقت.
ولهذا السبب، تُبذل جهود دبلوماسية مكثفة لتهدئة الأوضاع، حيث أعرب وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو عن "قلقه البالغ"، وأكد أنه "يجري محادثات مع الطرفين" لوقف القتال. كما كتب على منصة "إكس" مساء الأربعاء: "لقد اتفقنا على خطوات محددة لإنهاء هذا الوضع المقلق والمروع الليلة".
وعلى أقل تقدير، ومنعا لأي تصعيد إضافي، ينبغي على حكومة الشرع أن تُظهر التزامها الواضح بحماية مصالح جميع السوريين، بغض النظر عن خلفياتهم الدينية والطائفية.

font change