نظريات الحروب المنظمة

نظريات الحروب المنظمة

استمع إلى المقال دقيقة

إذا نظرنا إلى أصل الحروب المنظمة، وحسب ما ورد في الموسوعة الفرنسية، فقد نشأت في العصر الحجري الوسيط، نتيجة لتنظيم اجتماعي معقد، وكثافة سكانية أكبر، وتنافس على الموارد.

بينما نظريات أخرى مثل نظرية التطور الاجتماعي، تقول إن الحروب المنظمة، هي ممارسة بشرية أقدم من ذلك العصر، مستمدة من ميول حيوانية شائعة... وإن قرأنا كتبا أخرى حول الحروب المنظمة، فلا نجد تاريخا أو عصرا محددا لبداية هذا الغزو الجماعي ضد جماعة أخرى، أما على المستوى الفردي، فلا يمكننا أن ننكر أن الانتقام من صفاتنا كبشر، من أجل الموارد، منذ العائلة الصغيرة التي تتنازع على الإرث بعد غياب الأب، إلى الحروب الكبرى وبأمرٍ من فرد.

وتفسيرا لهذا وجدت في كتاب "طبيعة العدوان البشري"، المنشور عن دار جامعة أكسفورد عام 1976، لآشلي مونتاغو وهو عالم أنثروبولوجي (علم الإنسان)، يُنكر بشدة أن الحروب المنظمة هي السياسة، بل إنها العوامل الاجتماعية والتنشئة في مرحلة الطفولة، وأن البشر بطبيعتهم عدوانيون من التنشئة، نتيجة عوامل اجتماعية وثقافية، بل وأكد أن البشر قتلة ولا مفر من ذلك، ويحتاج الأمر إلى زمن لكي يصبحوا متحضرين...

بطبيعة الحال، هذا لا يعني أن الشعوب كلها متوحشة من الداخل، فأثناء مراجعتي لأبحاث إثنوغرافية، ورسومات صخرية لمجتمعات قديمة، في جنوب شرق أفريقيا كتنزانيا مثلا، بدا لي فيها غياب العداوة تماما.

وفي المقابل هناك مجتمعات أخرى، مثل المايا وغيرها.. فالرسومات تشجع أطفال هذه المجتمعات على الحرب.

من السمات المميزة للمجتمعات المهيمنة والأقوى تدخلها سياسيا في المجتمعات التي تتسم بعدم قدرتها على الدفاع عن نفسها

تبقى أنماط السلوك العدواني للإنسان موجودة لدى الكثير من أنواع الكائنات الشرسة، مثلها مثل السلوك الاجتماعي والثقافي، فأغلب الرقصات لدى الشعوب هي محاكاة لحيواناتها، وبالتالي لا غرابة أن الصراع الجماعي (الحروب) سمة عامة للسلوك الاجتماعي الحيواني، من أجل السيطرة والسلطة، فكل النظريات تؤكد نظرية تحديد طبيعة الحرب المنظمة، بأنها ليست حدثا بشريا عالميا، بقدر ما هي اختراع تاريخي مرتبط بأنواع معينة من المجتمعات البشرية، أولها حرب الموارد، والمنافسة الاقتصادية، وإن سميت بأسماء أخرى كالحروب الدينية وحروب الخلاص، وتستمر المنافسة كمرض معدٍ، ويبقى النظام الاقتصادي العالمي هو التنافسي الأول، ومن هذا المنظور تبدأ الحروب من أجل تنمية اقتصادية، وذلك بعد دراسة الدول اقتصادها من أجل تنميتها أو تنافسها، كي يبدأ تطبيق خلق الصراع، كحجج مضادة، وفي إطار يكونون فيه أكثر إقناعا، فتأتي تحالفات السيطرة على الآخرين أو قتلهم بقوة منظمة، ويصبح من السمات المميزة للمجتمعات المهيمنة والأقوى تدخلها سياسيا في المجتمعات التي تتسم بعدم قدرتها على الدفاع عن نفسها... 
نظرية أخرى قدمها الهولندي يوهان فان دير دينن، في كتابه أو موسوعته "أصل الحرب" نجده يحلل جذور الحرب وتطورها ويثبت أنه سلوك ذكوري، أو ائتلاف ذكوري واستراتيجية للإنجاب، ويتعمق في هذا الأمر في الفصلين الأول والثاني في مفهوم الحرب وخصائصها خاصة في المجتمعات البدائية، وهو يتناول أصول الحرب المنظمة...
وفي الأخير يقودني هذا المقال إلى ذكر القادة العسكريين في الدول القوية، وفي عصرنا الحالي، فلا زالوا يؤكدون دعمهم لوجهة نظر اقتصادية حربية، وبشكل علني، ويثبتون قدرة استيلائهم على موارد الغير بالقوة، لتبقى حقيقة مستمرة إلى اليوم، فحتى التاريخ الطويل يشهد سلبا أن الحروب المنظمة حق من حقوق الأمة القوية.

font change