تتسم تجربة الشاعر السعودي حسين آل دهيم بالهدوء والصفاء والتأمل العميق، إذ يكتب من موقع داخلي يميل إلى الإصغاء أكثر من التحدث، وإلى المعنى أكثر من المجاز، يتعامل مع الشعر كحرفة وجدانية، وينسج قصيدته بعين ترى الجمال في التفاصيل اليومية الصغيرة، وفي ما لا يقال.
في مجموعته الشعرية الجديدة "زند"، الصادرة عن "دار ريادة" في جدة (2025)، تتبلور هذه الخصائص بوضوح، حيث تظهر القصيدة بوصفها امتدادا لروحه المتأملة، لا بوصفها خطابا موجها إلى الخارج.
يكتب حسين آل دهيم بلغة يعرفها جيدا، مألوفة لديه، خالية من المواربة والزخرفة، مخلصة لتجربتها، وصافية في توجهها نحو المعنى. لغة مشغولة بما وراء المفردات، بما يقال بهدوء من دون رفع الصوت، حيث تتأنى الجملة غالبا قبل أن تكتمل. ويبدو أن الشاعر يفضل أن تمشي القصيدة على مهل، وأن تتشكل كما تتشكل الفكرة في خلوة.
معجم الطبيعة
المفردات في "زند" مستمدة من معجم الطبيعة، من الأرض، من التراب والماء، ومن تفاصيل الحياة، تلك المتناهية في الصغر، تستخدم بشكل غير مباشر، وتصهر في معنى جديد، أقرب من الذات، وأبعد عن المباشرة، يقول: "أقف على الماء مسترشدا بملة دمي/ تراني العقاعق فتظللني،/ وتراني دجاجات الماء فتطوقني"، الصورة هنا تهدف إلى التعبير عن لحظة شعورية خالصة، بجمل تكتسب عذوبتها من توازنها. أما استخدام "العقاعق" و"دجاجات الماء" فيبتعد عن خلق مشهد غرائبي، ويستحضر علاقة هادئة بين الشاعر والطبيعة، تقوم على التبادل والاحترام والانتماء الصامت والمدهش.
القصائد في "زند" تقوم على توازن دقيق بين التلقائية والتأمل، بين ما يكتب بنية هادئة وما ينشأ في لحظة صفاء داخلي. وهي في ذلك تقارب ما عبر عنه الشاعر الأميركي تشارلز سيميك حين قال: "القصيدة هي نتاج المصادفة بنفس درجة كونها نتاج القصد، وربما أكثر من ذلك"، ففي هذا الديوان، تبدو القصيدة مشروعا يتشكل تدريجيا أثناء الكتابة، يتكون من مزيج خفي من البصيرة والحدس، ومن التجربة والرهافة.