حميد رضا مهاجراني لـ"المجلة": السياسة تفسد ما تبنيه الثقافة

أیادي المثقفين مكبلة بمصالح السیاسیین ومطامعهم السلطوية

حميد مهاجراني

حميد رضا مهاجراني لـ"المجلة": السياسة تفسد ما تبنيه الثقافة

في عالم الترجمة، حيث تتلاقى الثقافات والعوالم، يبرز اسم الكاتب والمترجم الإيراني حميد رضا مهاجراني، (ولد عام 1965)، في قرية مهاجران بالمحافظة المركزية، واتخذ اسمه العائلي منها. حصل مهاجراني على شهادة الباكالوريوس في اللغة العربية وآدابها من جامعة جندي سابور في الأهواز، ثم الماجستير والدكتوراه من جامعة طهران. عرف مهاجراني بوصفه جسرا حيا بين الأدبين العربي والفارسي، نظرا لغزارة أعماله في ترجمة الروايات العربية المعاصرة إلى الفارسية، حيث نقل أعمال كتاب عرب بارزين مثل أمين معلوف والياس خوري وواسيني الأعرج، وآخرين. في حوار "المجلة" معه، نتوقف عند رؤيته لدور المترجم في التواصل الثقافي بين العرب والفرس، كثقافتين متجاورتين جغرافيا، ونناقش معه صعوبات نقل النصوص العربية إلى اللغة الفارسية، ونفتح معه ملفات شائكة حول واقع الثقافة والمثقفين والرقابة في إيران.

لماذا اتجهت إلى حقل الترجمة؟

منذ طفولتي، كنت شغوفا بالطبيعة والأدب. حين كنت أركض حافيا في مروج ضاحية نهر قريتنا، كنت أترنم بأبيات من عمالقة شعراء الفرس، ووفي المقدمة ديوان "المثنوي المعنوي" لجلال الدين الرومي، و"الرباعيات" للحكيم عمر الخيام النيسابوري (1048-1131م).

وبالرغم من صغر سني وقتها وعدم فهمي الكامل لمعاني تلك الأبيات، إلا أنني أدركت أن الأدب والشعر يحملان شيئا مقدسا يمنح الروح سلاما وسكينة. ازداد تعلقي بالأدب بعد مشاركتي في الصلاة الجماعية بمسجد قريتنا، حين سمعت إمام المسجد يقرأ أبياتا للشاعر الغنائي حافظ الشيرازي (725-792م)، فأدركت عندئذ أن هناك علاقة وطيدة بين السماء والأرض، وحلقة وصل بين الكون والشعر.

المشترك الحضاري

كيف بدأت علاقتك باللغة العربية؟

في ما يخص اللغة العربية وآدابها، يجب أن أقول أولا إن اللغتين العربية والفارسية كالأختين بالتبني، ومثلهما كمثل الجناحين لطائر الحضارة الإسلامية. وعند مراجعة تاريخ الحضارة الإسلامية، نجد العديد من الأعلام العباقرة الذين أتقنوا الفارسية والعربية معا، مثل: ابن سينا (980-1037م)، ونور الدين عبد الرحمن الجامي (1414-1492م)، وهو من أشهر شعراء فارس وكتابها في القرن التاسع الهجري، وجلال الدين الرومي، والمتصوف التركي صدر الدين القونوي (1209-1274م)، وقد خلفوا آثارا خالدة في العلم والأدب والطب والفلسفة.

توحيد الأمم والشعوب المختلفة عبر الأدب رسالة جمیلة تقع على عاتق الكاتب والمترجم

أنا ابن الحضارتین، الفارسیة والإسلامية، فمن منا یستطیع قراءة، "مرزبان ­نامه"، و"کلیات السعدي"، و"دیوان شمس التبریزي"، وتاریخ أبو الفضل البیهقي (توفي 1077م)، وتاریخ "جهانکشا" للجویني، دون إجادة اللغتين العربیة والفارسیة؟ کل هذه الحقائق شكلت لدي دافعا رئيسا لتعلم اللغة العربیة. كما أن تعلم اللغة الفارسیة للعرب والعربیة للفرس یعد من الضروریات، لأن العرب والفرس ینتمون إلى حضارة واحدة وهي الحضارة الإسلامیة.

لغة العشق

هل هناك تحديات واجهتك عند الترجمة من العربية إلى الفارسية؟

بالتأكيد واجهتني تحديات كثيرة. بالرغم من الأواصر المشتركة بين اللغتين من حيث المفردات والتراكيب وحتى الأمثال والأبيات الشعرية. هناك بينهما اختلافات وتباينات تعود جذورها إلى الفوارق في المجتمعات الثقافية والتقليدية. كما تعلمون فإن العلاقات الثقافية بين العرب والفرس تعود جذورها إلى الفترة الساسانية (226-651م)، حتى يومنا هذا.

والجدير قوله إن لغة الروایة لیست لغة الأدب فقط، بل هي شيء أرفع، هي لغة العشق، هذا يدفعني في كثير من الأحيان إلى العودة إلی دواوين وأشعار رواد الأدب الفارسي، كمولانا جلال الدين الرومي (1207-1273م)، وحافظ الشيرازي، وشاعر الإنسانية الإيراني سعدي الشيرازي (توفي691هـ)، وأستعين بأشعارهم وحکمهم الخالدة لنقل تلك المعاني الصعبة.

من روايات إبراهيم نصر الله

كيف تتعامل مع الكلمات أو المصطلحات في اللغة العربية التي لا يوجد لها مقابل مباشر في الفارسية؟

أترجم الجمل الشعبیة أو الدارجة في النص الروائي وفقا للهجات المحكية في مناطق إيران الجنوبية، مثل مقاطعة خوزستان وغیرها من المناطق التي یعیش فیها مواطنونا العرب. على سبيل المثل، عندما ترجمت روایة "وشم الطائر" (2020م) للروائية العراقية دنیا میخائیل، التي تدور أحداثها في المناطق الکردیة بالعراق مثل سنجار وقرى كردية أخرى، استعنت بالمصطلحات الکردیة من جهة وتقالیدهم الشعبیة من جهة أخری، وقمت بشرحها في هامش الروایة، وبهذا الأسلوب، کشفت عن بعض المشترکات القومیة والثقافیة بین مواطنینا الأکراد فی غرب إیران والأکراد في العراق.

 کما تعلمون، فإن توحيد الأمم والشعوب المختلفة عبر الأدب رسالة جمیلة تقع على عاتق الكاتب والمترجم.

في ظل التطور التكنولوجي ولا سيما الذكاء الاصطناعي، هل تعتمد على أدوات الترجمة الإلكترونية؟ وإن كان الجواب نعم، فإلى أي مدى تعتمد عليها؟

بصفتي مترجما بشريا، لا أعتمد أبدا على الترجمة الآلية الصادرة عن الذكاء الاصطناعي، لأنه مخلوق العقل البشري، ولن یستطیع منافسة الإنسان. انطلاقا من هذه الحقيقة، أنصح طلابي دوما بعدم الاعتماد على الترجمة الآلية، لأنها فقط تقدم مقابل المفردات فقط دون الاهتمام بالمشاعر والأحاسيس المصاحبة للعمل الروائي الذي يعده العقل البشري.

المفردات التي يستخدمها الكاتب هي كائنات حیة تتحدث إلى روح المترجم والقارئ، ولذلك لن تهدد الترجمة الاصطناعية العقل البشري وروحه اليقظة

 المفردات التي يستخدمها الكاتب هي كائنات حیة تتحدث إلى روح المترجم والقارئ، ولذلك لن تهدد الترجمة الاصطناعية العقل البشري وروحه اليقظة ولن تستطيع منافسته أبدا.

 

مصابيح

مهاجراني يوسف زيدان وواسيني الأعرج

الفكر

ترجمت لكتاب ومفكرين عرب، هل هناك نص خاص كان له كبير الأثر بالنسبة لك؟

نعم. هؤلاء المفكرون والمثقفون الذين ذكرتهم هم رواد الفكر البشري ونجوم ساطعة في سماء الحضارة الإسلامیة. أما فی ما یتعلق بالقسم الثاني من سؤالك، فعندما قرأت روایة "حارسة الظلال" (2011م)، للروائي الجزائري واسيني الأعرج، وقد قرأتها ثلاث مرات، أدرکت مغزاها واکتشفت فیها معاني عمیقة كثيرة، وبعد ترجمتها وطباعتها تحت إشراف إحدی دور النشر الإیرانیة الممتازة، شاهدنا إقبالا كبيرا من جهة القراء الإیرانیین على هذه الروایة الرائعة، ثم شرعت في قراءة روایته الأخری وهی "الغجر یحبون أیضا"، وترجمتها إلی اللغة الفارسیة، وکانت روایة جمیلة وعمیقة في التعریف بالموریسکیین فی الجزائر، خاصة المقیمين في مدینة وهران، الذین یبذلون قصاری جهدهم للحفاظ على حریتهم وتقالیدهم وقیمهم الثقافیة أمام السلطة، لاقت هذه الروایة إقبالا واسعا لدى الإیرانیین.

ما هو حلمك أو هدفك المهني كمترجم من العربية إلى الفارسية؟

حلمي الأول والأخير إزالة غبار النسيان والتحريف عن مرآة حضارتنا الصافية. وأعتقد أن الترجمة جسر التواصل الثقافي بين الفرس والعرب، اليوم وصلنا إلى مرحلة من المودة والأخوة بين الشعب الإيراني والأمة العربية، طوال السنوات الأخيرة، بذل الكثير من المغرضين والجهلاء والأعداء قصارى جهدهم لنشر التفرقة بين الشعبين الفارسي والعربي.

روايات إبراهيم نصر الله بالعربية والفارسية

صخرة الرقابة

هل تطمح إلى تأسيس مركز متخصص في الترجمة الأدبية من العربية إلى الفارسية وبالعكس؟

هذه فكرة جيدة بل ممتازة، ولكن مع الأسف الشديد، لا تعتني الدولة بمثل هذه النشاطات، ولا صوت يسمع ليد واحدة. أتذكر عندما شاركت في حفل توزيع جائزة أفضل مترجم عام 2024، في بيت الحكمة ببغداد، وقد نلت الجائزة عن ترجماتي في مجال أدب فلسطين، وأعني "ظلال المفاتيح" (2019)، و"أرواح كليمنجارو" (2015)، لإبراهيم نصر الله، لم يحضر المستشار الثقافي الإيراني المراسم، وعندما رجعت إلى إيران لم يتصل بي وزير الثقافة ولا مساعده لشؤون الكتاب، أخيرا اتصلت بالناطقة الرسمية باسم الدولة، وقلت لها إن عدم الاهتمام بمثل هذه النشاطات، لا يليق بدولتنا وبلدنا، وقلت لها بصراحة إن الوطن مدين بحياة خالية من الحصار والقلق والسجن والحرمان والنفي للكتاب الإيرانيين. في ظل هذه الأحداث، كيف أستطيع إنشاء مؤسسة تعنى بالترجمة؟

الوطن مدين بحياة خالية من الحصار والقلق والسجن والحرمان والنفي للكتاب الإيرانيين

عندما كنت في بغداد، شعرت بالخجل حين سألني مدير مؤسسة بيت الحكمة خلال حفل تسليم الجائزة، أين مستشاركم الثقافي؟ وأين سفيركم؟ بسبب نشاطاتي السياسية ولأنني من مؤيدي المرشح الرئاسي الأسبق، مير حسين الموسوي، لا تهتم الحكومة بي وبأعمالي، ومع كل هذه الصعوبات، أواصل الترجمة ولا ألتفت إلى تلك المواقف.

هل تعاني من الرقابة الحكومية أثناء الترجمة من العربية إلى الفارسية؟

بصراحة، الرقابة الحكومية في إيران، كصخرة عظيمة وقعت في طريقنا نحن المترجمين والكتاب. رفضت الرقابة الكثير من الروايات، مع الأسف، توجد في وزارة الثقافة دائرة تسمى "دائرة المميزين"، والمميز هو الشخص الذي يقوم بقراءة الرواية أو الترجمة أو الديوان الشعري ويصدر الأمر بحذف بعض فقراتها، وفي كثير من الأحيان تصبح الرواية مبتورة المحتوى بعد الحذف. لو كان المميز -الذي لا نعرفه ولا نراه- شخصا مثقفا، لربما أصبح عونا لنا في مجال العمل الروائي أو الترجمة، ولكن مع الأسف الشديد كلهم -أعضاء لجنة الرقابة- لا يفهمون شيئا عن الرواية والترجمة. قبل سنوات ترجمت رواية "الغجر يحبون أيضا" لواسيني الأعرج، ورفضت الوزارة طبعها، فأجبرت على إرسالها إلى دار نشر خارج البلاد، وكذلك كان الحال مع رواية "زينة" للدكتورة نوال السعداوي.

غلافا رواية "زينة" بالعربية والفارسية

كما أن الرقيب يهتم فقط بالشؤون المذهبية المتشددة، ولا يفهم شيئا عن الحب. هنا يجب أن أذكر، أنه بالنسبة الى رواية "طيف الحلاج"(2018)، علق الرقيب على فقرة منها (أعني "کل یوم هو في شأن") وأرسل لي رسالة رسمية يقول: يا مهاجراني، أذكر سند هذا الحديث الشريف في هامش الصفحة". أنظر! إنه لا يدري أن هذه العبارة ليست حديثا شريفا أو رواية، بل هي آية قرآنية كريمة! والعجيب أنه أصر على رأيه وقال: "إما الحذف وإما الرفض... الخيار لك".

بين أسوار السجن

هل كان هناك تأثير لوجودك في السجن على اتجاهك إلى حقل الترجمة؟

بین أسوار السجن وحجراته المظلمة، قمت بالترجمة، خاصة ترجمة الروايات العربیة المهمة جدا. کانت الروايات العربیة المعاصرة رفيقاتي العزيزات في السجن، وبها تسلقت إلی الذروة، وبها أشرقت أيامي وتبددت الظلمة. خلال السنوات الخمس التي قضيتها في السجن، وأمضيت منها ستة أشهر في زنزانة العزل الانفرادي، قلت لنفسي: يجب أن أفعل شيئا كي أقدم إلى الدنيا أفضل مما قدمت إلي. حينئذ أمسكت القلم وفتحت الكتاب وشرعت بالترجمة لنقل فکر بلغة أخرى إلى الفارسية وتقديمه الى القارئ الإيراني. أتذكر جیدا أن أول روایة ترجمتها كانت "باب ‌الشمس" للراحل إلياس خوري(1948-2024)، کنت آنذاك في العزل الانفرادي، واستغرقت ترجمتها ستة أشهر، بعدها ترجمت روایة "التائهون" لأمین معلوف ثم "موت ‌صغير" و"القندوز" لمحمد حسن علوان.

مهاجراني وواسيني الأعرج وشاعرة اسبانية

الكلمة بدل البندقية

هل تعتقد أن ما تترجمه من العربية إلى الفارسية يشكل جسرا للتواصل الثقافي بين المثقفين من الطرفين؟

نعم بالتأكيد، وهذه هي حقيقة ذهبية. کثیر من کتاب العالم العربي على تواصل معي ويطلبون مني ترجمة أحدث رواياتهم إلی الفارسیة، بالرغم من أن رواياتهم ترجمت إلی لغات عديدة كالإنكليزية والفرنسية والبرتغالية وغيرها. من جهة أخری یتصل بي کثیر من المثقفين الإیرانیین ويعبرون عن مدى فرحهم لترجمة آثار الكتاب العرب المعاصرين إلی اللغة الفارسیة، حيث كتبوا مقالات رائعة ومقدمات عميقة عنها في أشهر الصحف الإيرانية، وعلی رأس القائمة الدكتور میر جلال الدین الكزازي، وهو من أعلام الأدب الفارسي وکبار مفسري ملحمة "الشاهنامه" للفردوسي الطوسي، والدكتور توفيق السبحاني، وهو أيضا من أعلام الأدب الفارسي، وله شروح مفصلة علی دیوان شمس التبریزي، فهل یوجد فی العالم جسر أمتن وأحکم وأجمل من هذا الجسر المبني علی الأدب والترجمة؟

أول روایة ترجمتها كانت "باب ‌الشمس" للراحل إلياس خوري، کنت آنذاك في العزل الانفرادي، واستغرقت ترجمتها ستة أشهر

 أتذکر عندما شارکت فی حفل توزيع جائزة ترجمة بیت الحکمة، في بغداد، خاطبت الحضور وقلت قبل ثلاثين عاما ونیف، کانت إیران والعراق تتبادلان الصواريخ والقنابل، ولکن اليوم أنا سعيد جدا لأنني -بصفتي إيرانيا- وضيفا عندكم، جئت إلى بلد الحضارة السومرية والبابلية، وفي یدي کلمة بدل البندقية، في رأيي، الترجمة جسر ممتد بین الحضارات، جسر بني بساروج الحب وإسمنت الفکر، وزین بأزهار الكلمات.

الكاتبة زينب لعوج وحميد مهاجراني

ماذا عن الحالة الثقافية في إيران اليوم؟

السياسة تفسد ما تبنيه الثقافة، ما دامت السیاسة تتدخل فی الشؤون الثقافية، تظل أیادي المثقفين مكبلة بحبال مصالح السیاسیین ومطامعهم السلطوية. ونظرا لانشغالاتي الفکریة ومعارضتي لآراء السیاسیین الحاکمین فی إيران اليوم، فإنهم یضعون الموانع في طريقي لإخماد نشاطاتي الثقافية. مع الأسف، کثیر من رواد الثقافة وأعلامها صاروا منعزلين، بل حرموا حتى من التدريس في الجامعات. وأنا واحد من أولئك المحرومين والمطرودين من الجامعة. لماذا؟ لأنني لا أقبل سياستهم ولا أؤيد مواقفهم فی المجالات الثقافية.

أتذکر أن مدیر إحدى الفصليات الإيرانية أرسل دعوة للمشاركة في حفل خاص لتكريمي، بحضور جمع من أعلام الثقافة الإیرانیین، إضافة إلى کثیر من کتاب العالم العربي الذین ترجمت أعمالهم، حيث أرسلوا مقالات جميلة تکریما لتطبع فی عدد خاص من تلك الفصلیة، ولکن قبل يوم من الافتتاح أخبروني بأن الجلسة ألغيت بأمر من مدیر إدارة الثقافة في مدینة أراك، مسقط رأسي. ما معنی هذا؟ لأنه یری أنني لست من صفهم، ولا من تيارهم الفکري. أيضا حدث أمر مشابه آخر حيث منعوني من المشاركة فی جلسة حوارية بجامعة یزد بسبب أفكاري الثقافية. أقول: من لم یقدر كنوزه، یفنی قدره.

إذن، الكتاب والمثقفون في إيران يعانون من الرقابة الحديدية على نتاجاتهم الأدبية؟

کما قلت: أشد القیود علی أیدینا وأرجلنا هي الرقابة. يصف صدیق ظريف عمل الرقابة ممازحا، بأنها تعاملنا کما یعامل الرجل المتشدد فی العصر الفاطمي زوجته، حيث كان يأمرها بعدم الخروج من البیت دون إذنه. عندما یکتب الكاتب أو المترجم وفق ما یحبه "المميز" (الرقيب) الأمي، ووفق ما تأمر به الرقابة، فلا فرق بینه وبین زوجة ذلك الرجل في العصر الفاطمي المتشدد. رسالة الکاتب والشاعر والمترجم هي التصريح بالحقائق ونقلها، ورسالة السياسي هي كتمانها وفق مصالحه ومنافعه.

صورة فلسطين

كيف ترى دور الترجمة في نقل الأدب الفلسطيني أو الذي يعنى بفلسطين إلى العالم؟

يتألم الإيرانيون عندما يشاهدون عبر شاشات التلفزة أو عبر مواقع التواصل الاجتماعي اضطهاد الفلسطینیین على يد إسرائيل، وتدمير بیوتهم وقصفهم بالقنابل الفوسفورية وجميع الأسلحة المحرمة دوليا، يشاهدون الجثث في غزة وبقیة المدن الفلسطينية المحتلة، فیبکون بحرقة.

رسالة الکاتب والشاعر والمترجم هي التصريح بالحقائق ونقلها، ورسالة السياسي هي كتمانها وفق مصالحه ومنافعه

مع کل هذه المشاهد المؤثرة والحزينة، أمسكت سلاحي- وهو القلم- وشحنته بالرصاص والحبر، وبدأت بترجمة الآثار الروائیة لكتاب عرب مثل إبراهیم نصر الله، والراحل إلیاس خوري، وعیسی قراقع. رأيت في تلك الروايات صورة فلسطين الحقيقية. قلت في نفسي يجب أن أؤدي مهمتي وهي إزالة غبار التحریف عن وجه فلسطين العزيزة.

ومن أبرز أعمالي المترجمة في الأدب الفلسطيني: "باب الشمس" لإلیاس خوري، و"دبابة تحت شجرة عید المیلاد" لإبراهیم نصر الله، و"رأیت رام الله" لمرید البرغوثي، و"ألف یوم فی زنزانة العزل الانفرادي" لمروان البرغوثي. و"الكتابة بین الجثث"، لعیسی قراقع. بعد ترجمة هذه الروايات، اتصل بي کثیر من أصدقائي في إيران- الذین کانوا لا یحبون فلسطين ولا یعتنون بتاریخها وشعبها المظلوم- واعترفوا بأنهم لم یعرفوا فلسطین حق المعرفة قبل قراءة هذه الروايات. حتی أن بعضهم كتب مقالات نقدیة عن تلك الترجمات دفاعا عن فلسطین وتاريخها وحقوق شعبها. وفضل هذا النجاح کله یعود إلی القلم والحبر، وليس إلی الدم والسیف والتشدد والسياسة.

font change