ضمّ إسرائيل للضفة الغربية يهدد الأردن والإقليم

أ.ف.ب
أ.ف.ب
جندي إسرائيلي يقف حارسًا خلال تظاهرة للفلسطينيين في موقع طريق جديد قيد الإنشاء لاستخدام المستوطنين الإسرائيليين بالقرب من قرية بيت عور الفلسطينية، غرب رام الله في الضفة الغربية المحتلة، في 29 سبتمبر 2025

ضمّ إسرائيل للضفة الغربية يهدد الأردن والإقليم

حين صرّح الملك عبد الله الثاني لهيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) في منتصف أكتوبر/تشرين الأول بأن الشرق الأوسط "محكوم عليه بالهلاك" ما لم يُبعث مسار سلمي موثوق وتُقام دولة فلسطينية، لم يكن ذلك مجرد خطاب إنشائي، بل كان تحذيرا شخصيا عميقا ومحملا بالقلق. فالعاهل الأردني، الذي كانت بلاده على مدى ثلاثة أجيال وصية على مساعي السلام وضحية لإخفاقاتها المتكررة في آن معا، يرى في احتمال ضم إسرائيل الكامل للضفة الغربية خطرا وجوديا بكل معنى الكلمة.

ويبدو أن ذلك التحذير قد اكتسب بعدا أكثر إلحاحا، إذ لم تمض سوى أيام قليلة على بث المقابلة حتى أقر الكنيست الإسرائيلي مشروع قانون يقضي بضم أجزاء واسعة من الضفة الغربية المحتلة، ما أثار موجة إدانات دولية فورية وأجج المخاوف من اندلاع أزمة إقليمية. ويحظى المشروع بدعم وزراء من اليمين المتطرف مثل إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش، في حين يعارضه رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو وحزب "الليكود". ويهدف القانون إلى إخضاع مناطق طالما اعتبرت محتلة بموجب القانون الدولي للسيادة المدنية الإسرائيلية، في خطوة تمثل عمليا إضفاء الطابع الرسمي على الضم.

ويأتي هذا التطور في توقيت بالغ السوء، فإطلاق سراح آخر الرهائن الإسرائيليين من غزة وتسليم "حماس" السلطة مؤقتا إلى هيئة فلسطينية انتقالية كان يُفترض أن يكون بداية لمرحلة إيجابية من خفض التصعيد. لكن الحديث في إسرائيل قد تحوّل نحو ترسيخ السيطرة الإسرائيلية على الضفة، والآن، مع خطوة الكنيست الأخيرة، نحو التوسع.

وهذا التصويت ليس سوى الأول من أربعة تصويتات لازمة لإقرار القانون. وإذا تم تمريره، فإن تداعياته على الأردن قد تكون زلزالية.

في قلب عمّان، يتردّد صدى القلق الديموغرافي بأشدّ نبراته، متجاوزًا التداعيات الدبلوماسية إلى ما هو أعمق وأخطر. إذ من المقلق أن يؤدي ضم الضفة الغربية إلى تسريع وتيرة تهجير الفلسطينيين نحو الأردن

سلام هش تحت وطأة التهديد

بقيت معاهدة السلام الأردنية-الإسرائيلية، الموقعة عام 1994 بين العاهل الأردني الراحل الملك حسين ورئيس الوزراء الإسرائيلي إسحق رابين، حجر الزاوية في استقرار المنطقة. وقد صمدت أمام انتفاضتين فلسطينيتين، وحروب في العراق وسوريا، وصراعات متكررة في غزة، إلا أن الضم قد يدفعها إلى حافة الانهيار. ففي عمان، يصف المسؤولون المعاهدة بأنها "متشابكة" مع علاقة الأردن بواشنطن، ما يعني أن أي تصدع فيها قد يعرض شرايين المملكة المالية والعسكرية للخطر، بما في ذلك أكثر من ملياري دولار من المساعدات الأميركية السنوية، إضافة إلى الوصول المميز إلى التعاون الدفاعي الأميركي.

رويترز
الرئيس الأميركي بيل كلينتون يصفق بينما يتصافح العاهل الأردني الملك حسين ورئيس الوزراء الإسرائيلي إسحق رابين بعد خطاب الملك في حفل توقيع معاهدة السلام الإسرائيلية الأردنية

غير أن الغضب الشعبي يحد من قدرة الحكومة على المناورة. فمنذ اندلاع الحرب الإسرائيلية على غزة قبل عامين، أصبحت الاحتجاجات المناهضة لإسرائيل مشهدا مألوفا في عمان ومدن أخرى. ولم يُرضِ الردّ الحكومي، المتمثل في سحب السفير من تل أبيب مع استمرار التعاون الأمني الهادئ، الشارعَ الأردني. وعلى الرغم من ترحيب الأردنيين، الذين ينحدر أكثر من نصفهم من أصول فلسطينية، بمواقف الملك عبد الله ووزير الخارجية أيمن الصفدي الصريحة ضد العدوان الإسرائيلي على غزة، ومنها خطاب الملك في البرلمان الأوروبي في يونيو/حزيران حين قال إن "نسخة مخزية من إنسانيتنا تتكشف... ولا مكان يتجلى فيه ذلك أكثر من غزة"، إلا أن ذلك لم يكن كافيا، إذ يلاحظ كثيرون حذر الحكومة.

أ.ف.ب
الرئيس الأميركي دونالد ترمب والعاهل الأردني الملك عبد الله الثاني خلال قمة شرم الشيخ حول غزة في 13 أكتوبر 2025

فإذا ما مضت عملية الضم قدما، فإن الأردن سيواجه ضغوطا هائلة لتعليق أو إلغاء المعاهدة. وعندها سيدفع أي تعديل في العلاقات الثنائية بها إلى أدنى نقطة منذ عام 1994، وقد يدفع مصر إلى اتخاذ خطوة دبلوماسية مماثلة. ومع ذلك، يبقى أكيدا أن القوات الأردنية، بغض النظر عن وضع المعاهدة، لن تتجاوز حدودها.

القلق الديموغرافي

في قلب عمّان، يتردّد صدى القلق الديموغرافي بأشدّ نبراته، متجاوزًا التداعيات الدبلوماسية إلى ما هو أعمق وأخطر. إذ من المقلق أن يؤدي ضم الضفة الغربية إلى تسريع وتيرة تهجير الفلسطينيين نحو الأردن، سواء على شكل موجات كبيرة أو تسربات متتالية. وهذا السيناريو يمس جوهر الهوية الوطنية الأردنية واستقرارها السياسي. فبين سكان المملكة البالغ عددهم 11.6 مليون نسمة، يُقدّر أن نحو 60 في المئة منهم من أصول فلسطينية، رغم الجدل حول دقة هذا الرقم. ويستضيف الأردن بالفعل 2.39 مليون لاجئ فلسطيني مسجل، إلى جانب مجتمعات لاجئة كبيرة من سوريا والعراق واليمن. ومن شأن أي تدفق جديد من الضفة الغربية، التي يقطنها 3.4 مليون فلسطيني أن يخل بالتوازن الديموغرافي الدقيق بين الأردنيين من شرق النهر وأولئك من أصول فلسطينية.

خلال العام الماضي، أوقفت قوات الأمن الأردنية أكثر من 1500 ناشط شاركوا في مظاهرات مؤيدة لفلسطين، بحسب منظمة العفو الدولية

لطالما خشيت المؤسسة الأمنية الأردنية من أطروحة اليمين الإسرائيلي التي تروّج مقولة إن "الأردن هو فلسطين". وما كان يُنظر إليه سابقا كخطاب دعائي، بات اليوم هناك قلق من سعي اليمين الإسرائيلي ليجعله احتمالا خطيرا. فإذا ما مضت إسرائيل في إضفاء الطابع الرسمي على الضم، فقد يجد الأردن نفسه مضطرا لاستيعاب موجة جديدة من المهجرين، بلا أمل حقيقي في العودة، ما سيُحدث تحولا جذريا في نسيجه الاجتماعي.

الضغوط الاقتصادية وتراجع الدعم

وفوق ذلك، فإن الانعكاسات الإنسانية ستكون كثيرة. فاقتصاد الأردن يرزح بالفعل تحت وطأة ضغوط شديدة؛ إذ تبلغ نسبة البطالة العامة 21 في المئة، وترتفع إلى نحو 46 في المئة بين الشباب، فيما يتجاوز الدين العام 116 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي. وتبقى الولايات المتحدة أكبر مانح للأردن، لكن المساعدات المنصوص عليها في مذكرة التفاهم لعام 2022 ليست مضمونة. وقد تركت سياسة الرئيس ترمب في استخدام المساعدات كورقة ضغط، كما حدث مؤخرا حين علّق التمويل المخصص لوكالة "الأونروا"، عمّان في حالة وعي حاد بهشاشة اعتمادها على الخارج.

أ.ف.ب
نقطة تفتيش تابعة للجيش الإسرائيلي على الطريق المؤدي إلى جسر الملك حسين (اللنبي)، المعبر الحدودي الرئيسي بين الضفة الغربية المحتلة والأردن، في 25 سبتمبر2025

أما دول الخليج، التي كانت في السابق داعما موثوقا، فقد باتت أقل استعدادا لتحمّل كلفة استقرار الأردن. ورغم تعهداتها بالتضامن مع عمّان، فإن الدعم المالي المرجح سيكون جزئيا. وفي غياب مساعدات خارجية كبيرة، فإن أي موجة لجوء جديدة ستنهك البنية التحتية الأردنية المتداعية، وتؤدي إلى ارتفاع الأسعار وتفاقم البطالة.

شارع مضطرب

ولا تقلّ التداعيات السياسية الداخلية خطورة. فخلال العام الماضي، أوقفت قوات الأمن الأردنية أكثر من 1500 ناشط شاركوا في مظاهرات مؤيدة لفلسطين، بحسب منظمة العفو الدولية. وتعرض صحافيون بارزون وناشطون في المجتمع المدني، من بينهم منسق حملة المقاطعة حمزة خضر، للمضايقة والاحتجاز. كما حُظرت أحزاب ونقابات أو وُضعت تحت الضغط، مثل نقابة المعلمين الأردنيين و"جبهة العمل الإسلامي". وتبرر الحكومة هذه الإجراءات بأنها ضرورية للحفاظ على الاستقرار، لكن النتيجة كانت عكسية، إذ عمّقت الاستياء الشعبي ووسعت الفجوة بين الدولة والمجتمع.

غياب مسار واضح نحو إقامة دولة فلسطينية يشكل تهديدا مباشرا لاستقرار الأردن الداخلي، وبالتالي للنظام الإقليمي الهش الذي صمد منذ اتفاقات أوسلو

وسيؤجج الضم هذا الغضب الشعبي. فكثير من الأردنيين يرون أن حكومتهم لم تفعل ما يكفي للدفاع عن الحقوق الفلسطينية، ومشاهدة السيادة الإسرائيلية تمتد إلى كامل الضفة الغربية قد يجعل هذا التقصير غير مقبول. ورغم حظر "جماعة الإخوان المسلمين" رسميا في وقت سابق من هذا العام، فإنها ستكون في موقع مثالي لاحتضان هذا الغضب. وقد تتوسع قاعدتها التقليدية بين الأردنيين من أصل فلسطيني بسرعة، لتشكل قوة سياسية قادرة على تحدي الملكية مباشرة، في مشهد يُذكّر بأحداث عام 1970، حين بلغ التوتر أشدّه بين الدولة والمنظمات الفلسطينية.

اختبار للدبلوماسية الأميركية

في المدى القريب سيكون رد الأردن على الضم، على الأرجح، دفاعيا، فيقتصر على تعزيز حدوده على امتداد غور الأردن، واعتبار الضم عملا عدائيا، والمطالبة بتدخل أميركي عاجل. وستواجه واشنطن معضلة للموازنة بين شراكتها الاستراتيجية مع الأردن والضغوط السياسية الداخلية لدعم إسرائيل، رغم بروز أصوات بدأت تُشكك في هذا الدعم. أما عمان، فإن ما يقلقها هو أن تطمينات واشنطن، التي تضررت بالفعل بعد فشلها في تحذير الدوحة قبل الضربة الإسرائيلية ضد قادة "حماس" في قطر الشهر الماضي، قد لا تكون كافية لاحتواء الغضب الشعبي في الداخل.

أ.ف.ب
جندي أردني يحمل صناديق مساعدات إنسانية متجهة إلى قطاع غزة على متن طائرة أردنية في قاعدتهم بمحافظة الزرقاء، شمال شرق عمان، في 4 فبراير 2025.

إن غياب مسار واضح نحو إقامة دولة فلسطينية يشكل تهديدا مباشرا لاستقرار الأردن الداخلي، وبالتالي للنظام الإقليمي الهش الذي صمد منذ اتفاقات أوسلو. وحل هذه الأزمة بات أمرا عاجلا. وفي الوقت الراهن، يبدو أن واشنطن مدركة لحجم المخاطر؛ فبعد تصويت الكنيست، اعتبر نائب الرئيس جيه دي فانس "الخطوة غبية" فيما حذر وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو من أن الضم سيكون "ذا نتائج عكسية" ويُهدد إطار السلام في غزة.

ومع وجود توافق نادر بين أطراف عربية وإسلامية وأوروبية حول "حل الدولتين"، فإن نافذة ضيقة، ولكن حقيقية للدبلوماسية قد انفتحت، وباب البيت الأبيض، في الوقت الراهن، لا يزال مواربا.

font change