في الثالث والعشرين من يوليو/تموز 2025، أقرّ الكنيست الإسرائيلي إعلانا سياسيا يدعو إلى فرض السيادة الإسرائيلية على الضفة الغربية المحتلة، مؤكدا ما يسميه "الحق الطبيعي والتاريخي والقانوني" للشعب اليهودي في كل أرض إسرائيل. ورغم أن القرار غير ملزم قانونيا، فإن وقعه يتجاوز شكله، ويتحوّل إلى وثيقة هوية أيديولوجية تضع المشروع الصهيوني على مفترق جديد، تتقاطع فيه النبوءة الدينية مع المدفع، وتتشابك فيه كتب الأنبياء مع خرائط الجنرالات.
لم يكن الإعلان وثيقة سياسية تقليدية، فهي أول مرة يجري فيها تصويت برلماني على مسألة ضم الضفة، بل بدا كأنه بعث لنص توراتي خرج من جوف الأسفار ليستوطن قاعة البرلمان. فالضفة، أو "يهودا والسامرة" كما يسميها الإعلان، لم تعد مجرد أرضٍ في صلب صراع، بل مسرحٌ مقدّس، وأثر من آثار الوعد الإلهي. مدن مثل الخليل ونابلس لم تُذكر بوصفها جغرافيا، بل كأنها مناطق لاهوتية مقدسة، ومواضع أقدام للأنبياء. السياسة هنا لا تُصاغ بأدوات المصلحة، بل تُدبّر بنصوص دينية.
هذا الانبعاث الديني في قلب القرار السياسي ليس طارئا، بل تتويج لتحوّل عميق وطويل. التيار الديني الاستيطاني، الذي كان يوما في هامش المشروع الصهيوني العلماني، بات قلبه النابض. تحوّل بن غفير، المستوطن قرب الخليل، من وجه هامشي إلى وزير للأمن القومي، وصار سموتريتش يضع يده على وزارة المالية ووزيرا في وزارة الدفاع. كلاهما حوكما في قضايا إرهاب، فبن غفير من رموز حركة "كاخ" التي كانت مصنّفة إرهابية حتى في القانون الإسرائيلي. لكن الشرعية أعيدت إلى هذا التيار حين منحه نتنياهو مفاتيح الحكم، ليس فقط طمعا في أصوات الكنيست، بل لأنهم صاروا يعبرون عن مزاج القوة الصاعدة، لا الهامش المتطرّف.