سوريا وإسرائيل... الباب لم يُغلق بالكامل بعد أحداث السويداء

إعادة النظر في التصرفات بعقلانية

أ.ف.ب
أ.ف.ب
أحد أفراد قوات الأمن السورية يجلس خارج متجر متضرر في قرية ولغا، بالقرب من مدينة السويداء، في 21 يوليو

سوريا وإسرائيل... الباب لم يُغلق بالكامل بعد أحداث السويداء

كشفت الأحداث العنيفة في السويداء عن مدى تعقيد المشهد السوري، مؤكدة الحاجة إلى التحلي بالصبر وصياغة سياسات حكيمة لقيادة البلاد نحو الاستقرار. وعلى الرغم من أن هذه التطورات لا تُعد بالضرورة دليلا على فشل القيادة الجديدة في دمشق، فإنها تكشف بوضوح عن وجود حاجة ملحة، كما هو الحال في مناطق سورية أخرى، إلى دمج الأقليات الدينية والإثنية ضمن مشروع إعادة بناء الدولة. وتشكل خطورة ما جرى في السويداء نقطة تحول حاسمة في مسار النظام السوري، وكذلك بالنسبة لجميع الأطراف الأخرى، محليا ودوليا.

وفي هذا السياق، يصبح فهم التركيبة السكانية للمنطقة أمرا ضروريا، إذ تضم السويداء عددا كبيرا من أبناء الطائفة الدرزية، إلى جانب قبائل بدوية. ويُعد التوتر القائم بين هاتين الجماعتين مسألة قديمة، تمتد جذورها إلى سنوات طويلة. وخلال سنوات الحرب، برزت قوى محلية متعددة داخل المجتمع الدرزي، تمثلت في ميليشيات متنوعة التوجهات، اعتمد بعضها على الولاءات العائلية أو العشائرية. وبينما حافظ بعضها على علاقات مستقرة نسبيا مع نظام الأسد، اتخذ بعضها الآخر موقفا أكثر استقلالية، مصرا على الحفاظ على ما اكتسبه من حكم ذاتي بحكم الأمر الواقع. في المقابل، تنقسم القوى في صفوف البدو وفق خطوط قبلية واضحة.

في خضم هذه التوترات، اضطر الشرع إلى التدخل في الاشتباكات التي اندلعت بين الفصائل المتنازعة، ساعيا إلى استثمار اللحظة لتعزيز سلطته المركزية. غير أن طبيعة التدخل تثير تساؤلات، إذ لا يزال من غير الواضح ما إذا كانت الوحشية التي مارستها قواته جاءت بأمر مباشر منه، أم كانت نتيجة لتصعيد ميداني محلي تأثر بتشكيلة القوات المشاركة، بما في ذلك وجود مقاتلين أجانب.

ومع ذلك، من الواضح أن الشرع خسر جزءا من رصيده السياسي، على الصعيدين المحلي والدولي، لا سيما في نظر مكونات الشعب السوري المتعددة دينيا وعرقيا. وعلى صعيد العلاقة بإسرائيل، يبدو أن الاتصالات بين الجانبين لا تزال قائمة، لكن مستوى التنسيق وفهم الإشارات المتبادلة لم يكن واضحا بشكل كامل.

على صعيد العلاقة بإسرائيل، يبدو أن الاتصالات لا تزال قائمة، لكن مستوى التنسيق وفهم الإشارات المتبادلة لم يكن واضحا بشكل كامل

ومن منظور إسرائيلي، لا يبدو الوضع أقل تعقيدا. فقد سلّط تدخل تل أبيب في النسيج العرقي والديني السوري الضوء على مدى حساسية وخطورة هذا المسار وما ينطوي عليه من إشكاليات. ويُعد إدراج المكون الدرزي ضمن الحسابات الاستراتيجية الإسرائيلية أمرا مفهوما ومبررا في بعض الجوانب، إذ ترى إسرائيل أن علاقتها بالدروز داخل حدودها لا يمكن تجاهلها. فهؤلاء يشكّلون جزءا من النسيج المجتمعي الإسرائيلي، ويشاركون في مؤسساته، بما في ذلك الخدمة العسكرية الإلزامية، رغم التوتر المتزايد في الداخل الإسرائيلي في ظل قانون الدولة القومية ومناخ الاستقطاب المتزايد خلال السنوات الأخيرة.

وقد دفع هذا الارتباط والتضامن بين دروز إسرائيل وأبناء طائفتهم في سوريا، تل أبيب إلى التدخل بدافع الحماية. كما أن لهذا التدخل بعدا سياسيا داخليا، يتمثل في السعي إلى كسب أصوات الدروز في الانتخابات المقبلة. غير أن الأسلوب الذي انتهجته إسرائيل، وخاصة من خلال شن هجمات مباشرة على أهداف تابعة للنظام في دمشق، لم يكن بنّاءً. بل إن تقديم نفسها كـ"وصي" على الطائفة الدرزية السورية أضعف قدرتها على بلورة استراتيجية متماسكة تجاه الملف السوري.

المصالح الاستراتيجية لإسرائيل في جنوب سوريا تبدو محددة بوضوح

ورغم ذلك، فإن المصالح الاستراتيجية لإسرائيل في جنوب سوريا تبدو محددة بوضوح. فهي تسعى إلى الحفاظ على منطقة منزوعة السلاح، بما في ذلك التوصل إلى تفاهمات حول طبيعة القوات التي تؤمّن المنطقة العازلة، وتطالب بضمانات سورية تكفل حماية الأقلية الدرزية. كما أنها تربط انسحابها من المناطق التي تقدمت إليها مؤخرا بتنفيذ النظام لهذه الشروط. وتعتقد إسرائيل أن تفوقها العسكري، المدعوم أميركيا، رغم ما يشوبه أحيانا من خلافات أو سوء فهم، يمنحها القدرة على التحرك بحزم، بل بسرعة وعنف مفرطين، كما تجلى في الأحداث الأخيرة، من أجل فرض شروطها وتحقيق مصالحها.

ورغم حدة الأزمة الراهنة، فإن الباب لم يُغلق بالكامل أمام تفاهمات أوسع بين سوريا وإسرائيل. غير أن تحقيق ذلك يتطلب من الطرفين إعادة النظر في تحركاتهما بعقلانية أكبر وحسابات أكثر اتزانا. ومن المرجح أن الشرع لا يرغب في التفريط في المكاسب الدبلوماسية التي حققها على المستويين الإقليمي والدولي خلال فترة قصيرة. كما يبدو مدركا أن الشرط الأساسي للحصول على الدعم الدولي السخي الذي تحتاجه سوريا يكمن في ترسيخ السلطة المركزية، لا عبر القمع والعنف، ولا من خلال إعادة إنتاج مشاهد الوحشية التي سبقت سقوط الأسد، بل عبر تجنب الصدام مع جيران سوريا، وفي مقدمتهم إسرائيل.

أ.ف.ب
قوات الأمن العام الحكومية تقف بالقرب من حاجز ترابي أثناء انتشارها في بصر الحرير في محافظة درعا جنوب سوريا في 21 يوليو

في المقابل، تجد إسرائيل نفسها أمام حاجة ملحة لإعادة النظر في ثغرات استراتيجيتها تجاه سوريا. فهي ما زالت تشكك في مدى تحول الشرع أو قابليته للتحول، كما أنها لم تحسم موقفها من فكرة دعم نظام مركزي قوي ومستقر في دمشق، يكون قادرا على التعامل مع مصالحها الاستراتيجية، لكنه قد ينتهي به الأمر إلى تبني توجهات إسلامية متشددة.

ظاهريا، توحي مصالح الجانبين، السوري والإسرائيلي، بضرورة مواصلة الجهود لصياغة تفاهمات متبادلة، لا سيما في جنوب سوريا، بما قد ينعكس على بقية أنحاء البلاد. ويمكن، بل ينبغي، أن تُشكّل أحداث العنف في السويداء حافزا لفهم أعمق للمصالح المشتركة، التي، كما ذُكر، ليست قليلة. أما الولايات المتحدة، فيُنتظر منها أن تضطلع بدور أكثر فاعلية، يتمثل في توجيه الطرفين بوضوح نحو ما ينبغي فعله، ومساعدتهما على تحديد أولوياتهما الاستراتيجية.

font change

مقالات ذات صلة