كشفت الأحداث العنيفة في السويداء عن مدى تعقيد المشهد السوري، مؤكدة الحاجة إلى التحلي بالصبر وصياغة سياسات حكيمة لقيادة البلاد نحو الاستقرار. وعلى الرغم من أن هذه التطورات لا تُعد بالضرورة دليلا على فشل القيادة الجديدة في دمشق، فإنها تكشف بوضوح عن وجود حاجة ملحة، كما هو الحال في مناطق سورية أخرى، إلى دمج الأقليات الدينية والإثنية ضمن مشروع إعادة بناء الدولة. وتشكل خطورة ما جرى في السويداء نقطة تحول حاسمة في مسار النظام السوري، وكذلك بالنسبة لجميع الأطراف الأخرى، محليا ودوليا.
وفي هذا السياق، يصبح فهم التركيبة السكانية للمنطقة أمرا ضروريا، إذ تضم السويداء عددا كبيرا من أبناء الطائفة الدرزية، إلى جانب قبائل بدوية. ويُعد التوتر القائم بين هاتين الجماعتين مسألة قديمة، تمتد جذورها إلى سنوات طويلة. وخلال سنوات الحرب، برزت قوى محلية متعددة داخل المجتمع الدرزي، تمثلت في ميليشيات متنوعة التوجهات، اعتمد بعضها على الولاءات العائلية أو العشائرية. وبينما حافظ بعضها على علاقات مستقرة نسبيا مع نظام الأسد، اتخذ بعضها الآخر موقفا أكثر استقلالية، مصرا على الحفاظ على ما اكتسبه من حكم ذاتي بحكم الأمر الواقع. في المقابل، تنقسم القوى في صفوف البدو وفق خطوط قبلية واضحة.
في خضم هذه التوترات، اضطر الشرع إلى التدخل في الاشتباكات التي اندلعت بين الفصائل المتنازعة، ساعيا إلى استثمار اللحظة لتعزيز سلطته المركزية. غير أن طبيعة التدخل تثير تساؤلات، إذ لا يزال من غير الواضح ما إذا كانت الوحشية التي مارستها قواته جاءت بأمر مباشر منه، أم كانت نتيجة لتصعيد ميداني محلي تأثر بتشكيلة القوات المشاركة، بما في ذلك وجود مقاتلين أجانب.
ومع ذلك، من الواضح أن الشرع خسر جزءا من رصيده السياسي، على الصعيدين المحلي والدولي، لا سيما في نظر مكونات الشعب السوري المتعددة دينيا وعرقيا. وعلى صعيد العلاقة بإسرائيل، يبدو أن الاتصالات بين الجانبين لا تزال قائمة، لكن مستوى التنسيق وفهم الإشارات المتبادلة لم يكن واضحا بشكل كامل.