الأب بديع الحاج يستعيد مسيرة توفيق الباشا وريادته الموسيقية

مزج بين روح الموسيقى العربية والتأليف الغربي

توفيق الباشا

الأب بديع الحاج يستعيد مسيرة توفيق الباشا وريادته الموسيقية

صدر كتاب جديد يتناول مسيرة الموسيقي اللبناني توفيق الباشا (1924-2005) بعنوان "توفيق الباشا، رحلته إلى العالمية" للأب بديع الحاج "عن منشورات جامعة الروح القدس الكسليك" يكشف رحلته الموسيقية الغنية بالتحولات، وما رافقها من بدايات في التراث العربي وصولا الى التجديد في الموسيقى العربية والطريق التي رسمها نحو الحداثة والعالمية.

يخشى الأب الحاج، الذي شغل سابقا مهام عميد كلية الموسيقى في "جامعة الروح القدس" على الذاكرة الفردية والجماعية لأعلام موسيقيين في لبنان والمنطقة العربية من الضياع، مما دفعه الى إصدار سلسلة كتب في هذا المضمار ومنها "حياتي ترنيم لك الأب يوسف الأشقر" (2010)، "الموسيقى التراثية في لبنان، جمع – تاريخ – تحليل" (بالفرنسية) (2015)، "يرنو بطرف... حليم الرومي، حياة وإنجازات" (2017)، "عبد الجليل وهبي، في الشعر-في الإنتاج الفني والإذاعي-في جمعية المؤلفين والملحنين وناشري الموسيقى في لبنان" ( 2022)، "محمد مرعي الفنان المغمور" (2023)، وصولا الى إصداره هذا. "المجلة" حاورت الأب بديع الحاج حول هذا الإصدار الجديد.

تهتم بالكتابة البحثية الموسيقية عموما، وتناولت عددا من الموسيقيين أمثال حليم الرومي ومحمد مرعي وصولا الى توفيق الباشا، فما السبب؟

أسعى من خلال أبحاثي وإصداراتي إلى إلقاء الضوء على مرحلة أساسية في تاريخ الموسيقى والأغنية في لبنان، لا تزال حتى اليوم بحاجة إلى مزيد من البحث والتوثيق. فمنذ أن كنت طالبا في كلية الموسيقى، كان يشغلني سؤال ملح: "ما ملامح الموسيقى اللبنانية قبل ظهور الرحابنة ووديع الصافي وزكي ناصيف؟"، وقد تعمق هذا السؤال أكثر خلال إعداد أطروحة الدكتوراه التي تناولت الألحان التراثية في لبنان، أو ما يعرف بالفولكلور. عندها تبين لي وجود فجوة تاريخية بين الموسيقى الفولكلورية ومرحلة الخمسينات من القرن العشرين، مما دفعني إلى البحث في مجلات تلك الحقبة، لا سيما مجلات الإذاعات، بالإضافة إلى المذكرات والكتب والمراجع التي توثق تلك المرحلة.

وهكذا بدأ المشروع، الذي أفدت منه كثيرا، ونقلت فوائده إلى طلابي في كلية الموسيقى، حيث أدرسهم مادة الموسيقى اللبنانية. ومن الدوافع الأساسية لاهتمامي أيضا، البحث عن الأرشيف الموسيقي، سواء أكان تسجيلات صوتية أم وثائق ورقية، والمحفوظ لدى موسيقيين أو المهتمين بالموسيقى أو ورثتهم. ومن باب التقدير والوفاء لهم، أحرص على توثيق سيرهم والكتابة عن أعمالهم وإنجازاتهم، كما فعلت مثلا مع عبد الجليل وهبي وحليم الرومي.

الانتشار

رغم ريادة توفيق الباشا في حقل الموسيقى اللبنانية، إلا أنه لم ينل الانتشار الذي يستحقه، فما السبب؟

لعل ما حال دون انتشار أعمال توفيق الباشا في زمنه، كان صعوبة تنفيذها في لبنان آنذاك. فالحرب الأهلية اللبنانية، وما رافقها من ظروف، منعت تأسيس أوركسترا محترفة وقادرة على أداء هذا النوع من المؤلفات، التي تتطلب فرقة كبيرة تضم آلات موسيقية شرقية وغربية على حد سواء.

ما حال دون انتشار أعمال توفيق الباشا في زمنه، كان صعوبة تنفيذها في لبنان آنذاك. فالحرب الأهلية اللبنانية، وما رافقها من ظروف، منعت تأسيس أوركسترا محترفة وقادرة على أداء هذا النوع من المؤلفات

من جهة أخرى، إن الطابع الجاد لموسيقى الباشا، سواء في الأغاني أو القصائد أو الموشحات التي لحنها أو أعاد توزيعها، لم يكن ينسجم مع الذوق العام السائد في تلك المرحلة، والذي كان يميل إلى الأغاني الخفيفة أو المنوعات الراقصة. كما أنه ركز في ألحانه على القصائد بالفصحى، لا على النصوص بالعامية، مما جعلها أقل تداولا وانتشارا. مع ذلك، لا يمكن القول إن موسيقى توفيق الباشا لم تعرف، بل إن اسمه حاضر في عدد من البلدان العربية أكثر مما هو عليه الحال في لبنان. وتجدر الإشارة أيضا إلى أن توفيق الباشا بقي وفيا لقناعاته، يلحن ما يؤمن به، غير آبه بمدى جماهيرية ما يقدمه أو قابلية انتشاره.

تحدثت في الكتاب عن دور الباشا في الموسيقى العربية. هل هو مؤلف موسيقي أو موزيكولوغ؟

توفيق الباشا هو في آن واحد مؤلف موسيقي وباحث متخصص في العلوم الموسيقية (موزيكولوغ). فهو وضع كمؤلف، عددا كبيرا من الأعمال المتنوعة شملت الأغاني والقصائد والموشحات والإنشاديات، إضافة إلى مؤلفات أوركسترالية مثل الكونشرتو والسمفونيات.

USEK
جامعة الروح القدس – الكسليك (USEK)

أما كموزيكولوغ، فقد ترك لنا ثلاثة كتب أساسية تعد مرجعا أكاديميا في دراسة الموسيقى العربية، وهي "المختار من الموشحات الأندلسية"، و"تصنيف المقامات الموسيقية"، و"الإيقاع في الموسيقى العربية"، إلى جانب ذلك، أنجز دراسات وألقى محاضرات تناولت سبل تطوير الموسيقى العربية على أسس علمية.

كان لتوفيق الباشا دور فاعل في المجمع العربي للموسيقى التابع لجامعة الدول العربية، حيث شكل صوتا جريئا ومنهجيا دعا باستمرار إلى تأصيل الموسيقى العربية أكاديميا، ووضع أسس علمية لدراستها، وقدم في هذا المجال نماذج واقتراحات عملية عديدة. ومن أبرز أفكاره، الدعوة إلى إنشاء مختبر تطبيقي يعمل فيه الطلاب والمؤلفون والموزعون على اختبار التناغمات الصوتية (الهارموني) والتآلفات، وكل ما يرتبط بالبحث والتجريب الموسيقي. إضافة إلى ذلك، درّس توفيق الباشا الموسيقى في المعهد الوطني العالي للموسيقى (الكونسرفاتوار) وفي جامعة الروح القدس – الكسليك. ويشرفني أن أكون أحد تلامذته في مادة الموسيقى العربية.

سيد الموشحات

وصف الراحل زكي ناصيف توفيق الباشا بسيد الموشحات. فما دوره الريادي في هذا المضمار؟

تميز توفيق الباشا بدور ريادي فريد في ميدان الموشحات، إذ سعى إلى تطوير الموشح الأندلسي بأسلوب أوركسترالي حديث، جامعا بين الوفاء للأصالة والانفتاح على المعاصرة. فقد أولى التراث الموسيقي العربي اهتماما بالغا، واضعا نصب عينيه هدفا مزدوجا وهو  الحفاظ عليه من الاندثار، والعمل على تجديده عبر التوزيع الموسيقي والتوليف والإخراج الفني.

لم يقتصر اهتمامه بالموشحات على الجانب التعليمي، بل سعى أيضا إلى إخراجها من إطار التخت الشرقي التقليدي، إلى فضاء الأوركسترا الرحب، مزاوجا بين تقنيات الكتابة السمفونية وجماليات الموشح الشرقي، كما يتجلى في أسطوانته الشهيرة "متتالية أندلسية".

أولى التراث الموسيقي العربي اهتماما بالغا، واضعا نصب عينيه هدفا مزدوجا وهو الحفاظ عليه من الاندثار، والعمل على تجديده عبر التوزيع الموسيقي

أما في أسطوانة "موشحات أندلسية"، فقد برزت براعة الباشا في مجال الإعداد الموسيقي، حيث قدم توزيعات جديدة لعدد من الموشحات الشهيرة مثل: "اسق العطاش"، "لما بدا يتثنى"، "يا ليل الصب"، و"زارني المحبوب"، مضفيا عليها طابعا فنيا راقيا يواكب العصر دون أن يفقدها روحها الأصيلة. ويأتي هذا العمل منسجما مع مشروعه التأليفي والبحثي كما ورد في كتابه المرجعي "المختار من الموشحات الأندلسية"، حيث صنف الموشحات وفق المقامات، وفتح آفاقا جديدة لتدريسها وأدائها، مؤكدا ريادته وجدارته بلقب "سيد الموشحات".

خصصت قسما من كتابك لدور الباشا في "عصبة الخمسة"، فكيف ساهم في تطوير الفولكلور الموسيقي، ولا سيما من خلال مهرجانات بعلبك الدولية؟

كان لتوفيق الباشا دور أساس في انطلاقة "الليالي اللبنانية" ضمن مهرجانات بعلبك الدولية عام 1957، حيث شارك فيها كمؤلف موسيقي وقائد للأوركسترا. وقد استفاد في هذا الإطار من تجربته السابقة في تأليف موسيقى "باليه الشرق الأوسط"، كما لعبت رحلته إلى روسيا (الاتحاد السوفياتي آنذاك) دورا مهما في توسيع رؤيته حول كيفية تطوير الفولكلور، إذ اطلع هناك على مناهج التعامل مع التراث الشعبي، وتحويله إلى عمل فني راق يقدم بأسلوب احترافي على المسرح.

REUTERS/Mohamed Azakir
حضور جماهيري خلال افتتاح مهرجانات بعلبك الدولية في بعلبك، لبنان، 20 يوليو 2018

وكان الباشا من أبرز من عملوا على هذا المشروع الجماعي إلى جانب نخبة من الفنانين الذين أصبحوا يعرفون لاحقا باسم "عصبة الخمسة". ويذكر الباشا في أحد تصريحاته أنه كان أول من استجاب لدعوة الوزير تقي الدين الصلح لإنشاء هذا المشروع. ويضيف أنه سبق له أن التقى في موسكو مروان ووديعة جرار، اللذين كان لهما تصور واضح حول كيفية إدماج الفولكلور بالرقص التعبيري، خاصة في عروض الباليه. ثم التقى خليل الهبري ومحمد شامل، وطرح عليهم فكرة تشكيل مجموعة متكاملة ضمت عاصي ومنصور الرحباني وزكي ناصيف ووديع الصافي وفيروز، على أن تدار فنيا بالتعاون مع صبري الشريف الذي عين مديرا للإنتاج الفني.

باشر الفريق إعداد البرنامج الفني، فتوزعت المهام بين الأعضاء، وأسند إلى توفيق الباشا تنفيذ مشهدين موسيقيين إيقاعيين تعبيريين، قدمهما مروان جرار برقص الباليه، وكانا على موسيقى معزوفتيه، "الانتظار" و"العين"، في مثال واضح على مساهمته في المزج بين الفولكلور والتأليف الأكاديمي المسرحي، مما شكل علامة فارقة في تاريخ المهرجانات اللبنانية والعربية.

بين إذاعتين

تذكر "مسز كوك" أو السيدة كوك التي كان لها دور في انتشار بعض أعماله، ولا سيما في ما خص أوراتوريو "الإنشادية النبوية" وهي من شعر أحمد شوقي، ماذا عن هذه السيدة؟

نعم، لا شك في أن السيدة كوك التي تعرف اليها خلال عمله في "إذاعة القدس" عام 1950، كان لها دور فعال في نشر موسيقى توفيق الباشا على الصعيدين العربي والعالمي، ومنها عمله "المدن"، التي جابت فيها السيدة كوك عواصم عربية عدة منها دمشق وبغداد والقدس والقاهرة، مما ساعد في نشر أعماله في أوساط متنوعة وجمهور واسع.

أما بالنسبة لأشعار أحمد شوقي، فإن توفيق الباشا هو من اختار بنفسه مقاطع من قصائد شوقي ونفذها في عملين أوركستراليين هما "المولد" و"الإنشادية النبوية".

تجسد أوركسترا "الإنشادية النبوية" مراحل الرسالة الإسلامية، بدءا من مولد النبي، وقد استعان فيها الباشا بمقاطع من قصيدتين من "مدائح الرسول" لأمير الشعراء أحمد شوقي

تجسد أوركسترا "الإنشادية النبوية" مراحل الرسالة الإسلامية، بدءا من مولد النبي، وقد استعان فيها الباشا بمقاطع من قصيدتين من "مدائح الرسول" لأمير الشعراء أحمد شوقي، وأضاف مشاهد جديدة لم تكن موجودة أصلا، مثل مشهد الهجرة ومشهد القيامة. توسع في معالجة هذه المشاهد إنشاديا وموسيقيا، حتى صاغ العمل في قالب أوراتوريو عالمي متكامل، يمزج بين روح الموسيقى العربية وشكل التأليف الغربي.

توقفت في الكتاب أيضا عند دور الباشا في النهوض بالإذاعة اللبنانية...

بدأ توفيق الباشا تعاونه مع الإذاعة اللبنانية في الفترة الممتدة بين 1945 و1949، حيث كان يقدم بعض الأغاني. وفي عام 1951، انضم رسميا إلى الإذاعة، حيث عمل إلى جانب خاله خليل مكنية والأخوين عاصي ومنصور الرحباني ضمن الفرقة الموسيقية التابعة لها.

أما التحول الكبير في مسيرته الإذاعية فكان في عام 1961، حين تولى إدارة دائرة الموسيقى. كانت الإذاعة في تلك المرحلة تعاني من ضعف في الإمكانات الفنية والمالية، فضلا عن محدودية عدد الفنانين المتعاونين معها. مع ذلك، وضع توفيق الباشا نصب عينيه هدفا واضحا: جعل الإذاعة اللبنانية منبرا فنيا متقدما ينافس إذاعة "محطة الشرق الأدنى" والإذاعة السورية.

لهذا الغرض، تعاون مع حليم الرومي على توسيع الفرقة الموسيقية، وأسسا كورالا كبيرا، كما استقدما مدربا مختصا بتعليم قراءة النوتة (السولفيج). وقد بدأت الإذاعة، بفضل هذا الجهد، تجتذب كبار الفنانين الذين وجدوا فيها بيئة تثمن أعمالهم فنيا، بعيدا من الحسابات التجارية.

من بين إنجازاته البارزة، إنشاء "استوديو 6"، الذي كان يعد من أكبر الاستوديوهات في لبنان بعد "استوديو بعلبك"، وكان مجهزا بأفضل الوسائل التقنية المتوفرة آنذاك.

بعد أن أنهى ارتباطاته الفنية الخارجية، كرس الباشا نفسه بالكامل للعمل في الإذاعة اللبنانية، إيمانا منه بأهمية العمل الجماعي. فشكل فريقا متكاملا من الموسيقيين والفنانين، كثير منهم لم تكن تستثمر طاقاتهم بالشكل المناسب. وبفضل هذا الفريق، كما يقول، "أحدثنا نهضة حقيقية في الإذاعة اللبنانية." لم يكن مجرد إداري جالس خلف مكتبه، بل كان حاضرا في كل مراحل الإنتاج، متابعا أداء المطربين بدقة، ساعيا إلى استخراج أفضل ما لديهم.

"سمفونية السلام"

لماذا بقيت بعض أعماله مغبونة مثل عمل "قدموس" لسعيد عقل، رغم أن "سمفونية السلام" التي ألفها الباشا، لعبتها الفرقة الفيلهارمونية لمدينة لياج البلجيكية مع ريبرتوار جمعه مع موسيقى شوبان وباخ؟

قصة "سمفونية السلام" وظهورها في بلجيكا كانت نتيجة سلسلة من المصادفات والتقاط الفرص. فخلال زيارة بعثة تلفزيونية بلجيكية إلى بيروت، جرى تسجيل مقابلة مع توفيق الباشا في منزله، تحدث فيها عن تجربته الفنية وأعماله، وتطرق إلى عمله الجديد حينها – "سمفونية السلام" – التي كانت لا تزال مكتوبة على الورق، في انتظار أن تتوفر الظروف الملائمة لتنفيذها، إذ لم تكن في لبنان حينها، وخصوصا خلال فترة الحرب، إمكانات تقنية أو أوركسترالية كافية لإنجاز هذا النوع من الأعمال الكبرى.

عزفت "سمفونية السلام" في ثلاث مدن بلجيكية، ضمن حفل شاركت فيه مؤلفات لشوبان وباخ، مما شكل لحظة اعتراف دولي بمستوى أعمال الباشا

عرض هذا التقرير لاحقا عبر شاشة التلفزيون البلجيكي، وشاهده قائد الأوركسترا الفيلهارمونية لمدينة لياج، بيار بارتولوميه، إلى جانب بارونة من بروكسيل تدعى مدام دو براباندير، وكانت تترأس جمعية الشبيبة الموسيقية هناك.

تأثر الحضور كثيرا بالفيلم، فسأل بارتولوميه البارونة إن كانت قد شاهدته، فأجابته بالإيجاب، وسألته: "من هو هذا الباشا؟". تواصل بارتولوميه مع عازف البيانو عبد الرحمن الباشا، الذي سبق وتعاون معه، وسأله إن كان يعرف توفيق الباشا، فأجابه عبد الرحمن: "إنه والدي".

بعد هذه المصادفة، طلب بارتولوميه الاطلاع على نص العمل، فأرسل توفيق الباشا نسخة مطبوعة من "سمفونية السلام" إلى بلجيكا عبر البريد. وبعد فترة، تلقى دعوة رسمية لتقديم العمل ضمن برنامج الأوركسترا في فبراير/ شباط 1987، حيث عزفت السمفونية في ثلاث مدن بلجيكية، ضمن حفل شاركت فيه مؤلفات لشوبان وباخ، مما شكل لحظة اعتراف دولي بمستوى أعمال الباشا.

أما بالنسبة إلى الأعمال التي لم تنفذ، مثل "قدموس" التي وضعها على شعر سعيد عقل، فالسبب يعود في الدرجة الأولى إلى غياب الإمكانات في لبنان خلال تلك المرحلة، من حيث البنى التحتية الفنية والتمويل. ولهذا السبب، نفذت بعض أعماله الأوركسترالية في مصر، وتحديدا في دار الأوبرا في القاهرة، حيث توافرت الإمكانات البشرية والتقنية لتنفيذها كما ينبغي.

يضاف إلى ذلك أن طبيعة مؤلفات توفيق الباشا – وخاصة السمفونيات والأعمال الكبرى مثل "قدموس" – تنتمي إلى نمط الموسيقى الجادة أو الكلاسيكية، وهي نوع من الفن لا يستقطب عادة وسائل الإعلام التجارية، ويتطلب جمهورا نخبويا ومتخصصا. وكما هو الحال في معظم دول العالم، فإن تقديم هذا النوع من الأعمال يتطلب دعما مؤسسيا، سواء من الدولة أو من مؤسسات ثقافية وممولين وراعين مهتمين بحفظ التراث الموسيقي الراقي. وفي غياب هذا الدعم، بقيت بعض مؤلفات الباشا مغبونة، رغم قيمتها الفنية العالية.

font change