لم يُمثِّل سقوط مدينة الفاشر في يد ميليشيا "قوات الدعم السريع" في 26 أكتوبر/تشرين الأول مجرد حدث عسكري عابر ضمن صراع امتد لأكثر من عامين ونصف، بل يشكَّل نقطة تحول استراتيجية تحمل أبعادا إنسانية وسياسية وأمنية فاجعة على كل هذه المستويات.
ومنذ اندلاع الحرب السودانية في 15 أبريل/نيسان 2023، بين الحكومة السودانية و"الدعم السريع" ظلت الفاشر– عاصمة ولاية شمال دارفور– هدفا مركزيا لاستراتيجية التجويع والتطويق التي انتهجتها "الدعم السريع"، مدعومة بتدخلات خارجية وأدوات إعلامية تضليلية. لكن تمسك الجيش السوداني والقوات المشتركة لحركات دارفور والمتطوعين من أهل المدينة بالدفاع عنها، حتى أصبحت الحصن الأخير لسيطرة الحكومة السودانية في إقليم دارفور. بدأ الحصار الشامل للمدينة في مايو/أيار 2024، واستمر أكثر من 500 يوم حتى سقوطها في 26 أكتوبر، ما جعلها نموذجا حيا لمعاناة الحرب في السودان.
ولكن لماذا شكّلت الفاشر عقدة النزاع؟
تُعد الفاشر مركزا إداريا حيويا ومحطة تجارية رئيسة في دارفور، بالإضافة إلى مكانتها كعاصمة تاريخية للإقليم إلى جانب كونها قاعدة عسكرية متقدمة للقوات الحكومية. قبل اندلاع الحرب في أبريل 2023، بلغ عدد سكانها نحو مليون ونصف المليون نسمة، بما في ذلك النازحون الداخليون الذين تدفقوا إلى الفاشر من مناطق أخرى في دارفور هربا من سيطرة "الدعم السريع". منذ البداية، حددت "قوات الدعم السريع" المدينة هدفا أساسيا، ليس فقط لكسر سيطرة الحكومة المركزية، بل لإعادة رسم خريطة القوى في الإقليم بأكمله. فالسيطرة على الفاشر تمنح هذه القوات سيطرة كاملة على خطوط الإمداد الرئيسة شمالا نحو تشاد وليبيا التي تتدفق عبرها المؤن والذخائر وجنوبا نحو نيالا، بالإضافة إلى أنها تكمل سيطرتها الشاملة على إقليم دارفور بشكل يهدد التوازن الإقليمي في السودان.


