خمسة قتلى مدنيين في ضربة جوية على كلية الهندسة بالدِبّة. الخبر عابر، لولا سؤال واحد: ماذا كانت تفعل قوة عسكرية داخل كلية جامعية في أقصى الشمال السوداني؟ المكان بعيد عن جبهات القتال الرئيسة في الخرطوم ودارفور. والقوة المتمركزة هناك ليست الجيش النظامي، بل "القوات المشتركة".
قبل ستة أشهر من تلك الضربة، في 11 أبريل/ نيسان 2024، ظهر قادة هذه القوات في تسجيل مصوّر مهيب. أعلنوا تأييدهم للجيش السوداني، تعهدوا فيه بالدفاع عن الفاشر، ورفعوا شعارات الوطنية والوحدة. مشهد يبدو مألوفا في زمن الحرب. لكن هناك تفصيل واحد يقلب المعادلة رأسا على عقب: هؤلاء القادة أنفسهم كانوا، قبل سنوات قليلة، يحملون السلاح ضد الجيش ذاته الذي يقفون إلى جانبه اليوم. عقدان من التمرد المسلح. آلاف القتلى. مناطق كاملة خارج سيطرة الدولة. ثم صفقة تحوّل المتمردين إلى حلفاء، والأعداء إلى شركاء في السلطة.
لم تعد "القوات المشتركة" مجرد قوة تقاتل على جبهة محددة. في أكتوبر/تشرين الأول 2025، شهد السودان موجة من الهجمات بالطائرات المسيّرة طالت مواقع متفرقة: منطقة عد بابكر شرق الخرطوم، وكادوقلي في جنوب كردفان، والدِبّة في الشمال. وفي كل مرة، كانت "القوات المشتركة" حاضرة، متمركزة، منتشرة بشكل يثير الأسئلة. في عطبرة، مدينة هادئة نسبيا بعيدة عن الحرب، سقط ضحايا لإطلاق نار داخل مستشفى. الاتهامات وُجّهت مباشرة لعناصر من "القوات المشتركة". في كردفان، نشرت القوات اعتذارا على "فيسبوك" لأصحاب المزارع عن أضرار لحقت بممتلكاتهم. اعتذار يبدو بريئا، لكنه في الواقع اعتراف ضمني بالتورط. السؤال الذي يطرح نفسه: إذا كانت هذه القوات حليفة للجيش في مواجهة "قوات الدعم السريع"، فلماذا تنتشر في مناطق بعيدة عن الجبهات؟ ولماذا تتورط في حوادث ضد المدنيين؟