تعد فلسفة الأزمة مجالا غنيا ومعقدا، حيث يستخدم هذا المفهوم بوصفه نقطة انطلاق لتأملات عميقة حول الإنسان والمجتمع والتاريخ. فالأزمة، وما بعدها من قطيعة أو تحول، هي موضوع متكرر بين العديد من الفلاسفة الذين سعوا إلى فهم وتفسير الاضطرابات الكبرى في عصرهم. إذ إنها تلك اللحظة التي تمثل نقطة التحول عندما يبدو العالم مترددا، لهذا لطالما فتنت الفلاسفة. مما يجعل منها لغزا وإلهاما فكريا في الوقت نفسه، ودافعا للتفكير في اسباب التقدم والتطور التاريخي والبشري، وذلك لكونها لحظة تنهار فيها الهياكل القائمة لإفساح المجال للمجهول. على مر العصور، كانت الأزمة مرآة لهشاشتنا ومصدر ولادتنا من جديد.
الإخلال بالتوازن
يخبرنا الشاعر والفيلسوف الفرنسي بول فاليري في دراسته المهمة "قول في الذكاء"، أن الأزمة هي الانتقال من نظام فعال إلى آخر بديل، يتميز بعلامات أو أعراض حساسة، مما يجعل الزمن يبدو أنه يغير طبيعته أثناء الأزمات، فيقاس بالتباين وليس بالدوام. بمعنى آخر، تكشف الأزمة عن أسباب جديدة تخل بالتوازن القائم، وتحفز التفكير والتكيف. إنها تتضمن تمزقا ونقطة تحول براديغمية حيث يتم تحدي المعايير القديمة، مما يسمح بالنقد المنهجي للهياكل القائمة. وأما لغة، فتعرف الأزمة على أنها "فترة من القلق والارتياب، ومرحلة يشتد فيها الصراع، ومرحلة انتقالية وفجائية...". وفنيا (وفق قاموس "علم الجمال") تثير "اهتمام علم الجمال لأنها تحصل في مجال علم الجمال نفسه أو في مجال الفن. فنلاحظ لحظات تجدد أو تشكيك تتعارض مع فترات أكثر استقرارا يتبنى فيها الفن، أو التفكير حول الفن، بعض الأفكار ويطورها في خلال فترة زمنية طويلة". لهذا نتحدث عن الأزمة في الفن منذ بلينيوس الأكبر، في مطلع القرن الأول ميلادي، وصولا الى أزمة الفن المعاصر اليوم. إنها إذن إعلان حالة طوارئ، وإبانة بانتقال إلى حالة مغايرة بعد تأزم وصراع. أما النهاية فلا تعني "الحد" فحسب، بل يأتي من معانيها "الخشبة [التي] تحمل عليها الأحمال"، كأن بعد ذلك المنتهى يوجد جسر انتقالي يحمل وتوضع عليه أثقال ما مضى للعبور إلى ما سيأتي.