تونس - تبدو الحكومة التونسية تحت قيادة الرئيس قيس سعيّد، بعد ست سنوات على انتخابه وأربع سنوات على إعادة تشكيله للنظام الديمقراطي الذي نشأ عقب عام 2011، راسخة إلى حد كبير. لا يواجه الرئيس تهديدات مباشرة لسلطته، إذ إن معظم معارضيه ونقاده إما في المنفى وإما وراء القضبان، فيما يتحرك من تبقى منهم بحذر شديد. ومع ذلك، ثمة ما يدعو للاعتقاد بأن شعبيته تراجعت وستواصل التراجع، نتيجة فشله في الوفاء بوعوده بشأن العدالة الاجتماعية، واستمرار غياب أي خطة واضحة لتحقيق ذلك. في الوقت نفسه، يتنامى الغضب نتيجة حملته المتصاعدة ضد المعارضة.
ومنذ مطلع أغسطس/آب بدأ التوتر يتصاعد بين سعيّد والاتحاد العام التونسي للشغل، الذي كان يتمتع سابقا بنفوذ واسع، وذلك على خلفية إضراب نفذه قطاع النقل واستمر ثلاثة أيام، وهو أول إضراب من نوعه منذ سنوات، بعد فترة من غياب الاتحاد عن الساحة العامة نتيجة صراعاته الداخلية. وأسفر الإضراب عن تبادل اتهامات حادة بين الطرفين. ويُطرح تساؤل هنا حول ما إذا كان سعيّد سينجح في استخدام الأجهزة القضائية مجددا لإسكات خصومه، أو أن هجماته على هذه المؤسسة ذات التاريخ العريق والثقة الواسعة ستحفّز تعبئة أوسع ضده.
ويرى عدد من المراقبين أن الجهاز الإداري للدولة هش للغاية. فرغم حرص سعيّد على وهْم السيطرة الكاملة، يعتقد كثيرون أنه يعتمد بشكل كبير على عدد محدود من المجموعات داخل الإدارة. أبرزها الشرطة التي تنفذ أوامر الاعتقال وتقود حملات القمع ضد الهجرة غير الشرعية. وقد مكّن هذا العامل الأخير (قمع الهجرة) نظام سعيّد من تفادي انتقادات أوروبية أشد لسجله في حقوق الإنسان، ومنها حرمان الأفراد من الحق في المحاكمة العادلة. كما يُشتبه في أن الحرس الرئاسي، المسؤول عن حماية الرئيس، كان وراء مزاعم المؤامرات التي استُخدمت ذريعة لسجن عدد من المعارضين، الذين يمكن أن يشكلوا تهديدا لمصالح بعض عناصر هذا الجهاز. فلو انقلب أحد هذه الأجهزة على الرئيس، لتداعى كامل بنيانه السياسي.