الطرق في مصر... إنجازات بالمليارات تستنزفها حوادث المرور

استثمارات ضخمة لم توقف الاصطدامات المميتة والحاجة ملحة لتعزيز ثقافة السلامة العامة

المجلة
المجلة

الطرق في مصر... إنجازات بالمليارات تستنزفها حوادث المرور

أنفقت الحكومة المصرية خلال السنوات العشر المنصرمة عشرة تريليونات جنيه (نحو 200 مليار دولار) على مشاريع البنية التحتية، بهدف تعزيز الاستثمار في المستقبل وتهيئة الأرضية لاجتذاب الاستثمارات الأجنبية المباشرة، التي تعتمد، من ضمن مجموعة معطيات اقتصادية، على تقييم جودة الطرق لتسهيل دخول الخامات وتصنيعها ثم إعادة بيعها وتصديرها الى الخارج. وتمكنت الدولة من تحقيق نهضة حضارية حديثة في شبكة الطرق تضاهي المستويات العالمية، إذ أنشأت العديد من الجسور لتيسير المرور، مما انعكس إيجابيا على ترتيب مصر العالمي في مؤشر جودة الطرق، إذ قفزت 100 مركز لتحتل المركز 18 عالميا عام 2024 مقارنة بعام 2017.

وانجزت الحكومة نحو 7,000 كيلومتر من الطرق والجسور والمجمعات الصناعية والمدن السكنية ومشاريع الطاقة، لا سيما أن مصر تمتلك وفرة في مصادر الطاقة، بخلاف ما كان عليه الوضع عام 2013 عندما كانت تعاني من نقص وتقادم في محطات الكهرباء. أما اليوم، فالتوسع في إنتاج الطاقة يدعم التقدم الكبير في المجال الصناعي. هذا إلى جانب التكنولوجيا والتحول الرقمي اللذين باتا من المحاور التي شملتها البنية التحتية والإنفاق عليها.

انجاز شبكة طرق وجسور مترابطة

وتمكنت الدولة من تشييد شبكة طرق قومية مترابطة تمتد محاورها في مختلف محافظات الجمهورية، إذ سرعت الخطى لتطوير البنية التحتية ورفع كفاءة الطرق وفق المقاييس والمعايير العالمية، باعتبار ذلك ركيزة أساسية لتحقيق أهداف خطط التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وبما يضمن سهولة الحركة والتنقل ويساهم في تيسير حركة النشاط الاقتصادي لجذب مزيد من الاستثمارات، وتحسين جودة حياة الإنسان المصري، فضلا عن توفير الانسياب المروري ورفع معدلات السلامة والأمان على الطرق المختلفة، وخفض نسب وقوع الحوادث، وهو ما أدى إلى تحسين موقع مصر في مؤشر جودة الطرق العالمي.

أنجزت مصر خلال السنوات العشر الماضية "المشروع القومي للطرق" الذي استهدف تنفيذ 6,500 كيلومتر من الطرق من اصل 7,000 كيلومتر، وأنشأت 18 محورا عرضيا من أصل 35 مخططا متكاملا على نهر النيل

يشار إلى أن مصر حققت خلال السنوات العشر المنصرمة "المشروع القومي للطرق" الذي استهدف تنفيذ 6,500 كيلومتر من الطرق من إجمالي 7,000 كيلومتر، إلى جانب تطوير ورفع كفاءة 8,500 كيلومتر من شبكة الطرق القائمة، بالإضافة إلى انجاز 18 محورا عرضيا من أصل 35 مخططا متكاملا على نهر النيل، ليرتفع عدد المحاور إلى 73 محورا مقارنة بـ38 قبل عام 2014. كذلك قامت الحكومة بتنفيذ 945 جسرا ونفقا من إجمالي 2,500 مشروع تشملها الخطة، إلى جانب رفع كفاءة 125 ألف كيلومتر من الطرق المحلية، لحل الاختناقات المرورية وتقليل زمن الرحلات، بحسب تقارير وزارة النقل المصرية.

الحوادث المرورية المميتة معضلة مزمنة

وعلى الرغم من التقدم الملحوظ والقفزة النوعية في البنية التحتية، لا تزال حوادث المرور تحصد الأرواح وتتسبب في إصابات وأضرار مادية تستنزف موارد البلاد. وتعود النسبة الكبرى من هذه الحوادث إلى العنصر البشري، إذ لا يكفي تحسين البنية التحتية لتحقيق التقدم ما لم ترافق ذلك خلفية سلوكية وثقافية تواكب هذا التطور وتحترم القوانين وقواعد السلامة.

أ.ف.ب.
الطريق السريع الذي يربط القاهرة بالسويس، 16 فبراير 2024

وتتزايد الحاجة الملحة إلى تكثيف الجهود المبذولة لتحقيق الهدف الطموح المتمثل في خفض معدل الوفيات والإصابات الخطيرة الناتجة من الحوادث المرورية. فالمنظومة لا تقتصر على الإنشاء فقط، بل تشمل ما بعده، بما في ذلك الرقابة على حركة المرور، وتصحيح الأخطاء، وصيانة الطرق دوريا. وتُقدَّر الخسائر الاقتصادية الناتجة من الحوادث بأكثر من 30 مليار جنيه (نحو 600 مليون دولار) سنويا، تشمل تكاليف العلاج والتعويضات والأثر على الإنتاجية.

وكشفت البيانات الحكومية أن العنصر البشري كان سببا رئيسا في أكثر من 75 في المئة من حوادث الطرق عام 2024، مما يجعل الحاجة ملحة إلى خفض معدلات الوفيات الناجمة عن الحوادث وتداعياتها الاقتصادية على موازنة الدولة.

على الرغم من استثمار نحو 200 مليار دولار في شبكة الطرق، تستمر حوادث المرور في اقتناص الأرواح. الدولة مسؤولة عن الرقابة على السائقين، ورفع درجة التوعية لدى المواطنين

من جانبها، قررت السلطات المصرية تمديد إغلاق أجزاء من الطريق الإقليمي الذي يربط القاهرة بمحافظات مصرية عدة بطول 400 كيلومتر، ويربط بين 13 محورا رئيسا، ويمر بمحافظات عدة، وذلك بعد تكرار الحوادث عليه أخيرا نتيجة ضعف الرقابة، علما بأن تكلفة إنشائه عام 2018 بلغت نحو 9,5 مليارات جنيه (نحو 190 مليون دولار) وفق وزارة النقل المصرية.

وفي هذا السياق، أشار أستاذ الاقتصاد في جامعة المنوفية الدكتور محمد البنا في حديثه إلى "المجلة" إلى "أن جودة الطرق وكفاءتها يجب أن تواكبها إجراءات صارمة لمراعاة السلامة والمواصفات الدولية في الإنشاء والتخطيط، إلى جانب إصدار تعليمات سلامة تصل إلى حد سنّ القوانين لتحديد المسارات والسرعات الخاصة بكل مركبة، بالإضافة إلى القوانين التي تنظم الحركة على الطرق السريعة، والتي لا تقل أهمية عن إصدار التشريعات والنظم اللازمة لمراعاة اعتبارات السلامة".

أ.ف.ب.
صورة جوية تظهر الطريق السريع بين القاهرة والإسماعيلية، 14 يوليو 2024

ولفت البنا إلى "أن تنفيذ القانون يُعَد من أبرز وظائف الحكومات، فهي ليست مسؤولة فقط عن إنشاء الطرق ووضع التعليمات والإرشادات والقوانين لضمان سلامة المركبات والبشر، بل أيضا مسؤولة عن الرقابة الدقيقة، وتوقيع الغرامات على السائقين المخالفين، والكشف على السلامة العقلية لقادة المركبات، ولا سيما وسائل النقل الثقيل، والتدقيق في منح رخص القيادة لضمان الالتزام". وأوضح البنا "إذا كانت أسباب الحوادث معروفة، فمن واجب الحكومة أن تمنع تحقق هذه الأسباب لتقليل وقوع الحوادث ورفع الوعي بقواعد المرور وأهميتها لحفظ الأرواح والممتلكات"، مشيرا إلى أن المسألة تحتاج إلى حملات توعية وإلى التشدد في منح رخص القيادة.

وفي خطوة غير مسبوقة، سارعت الحكومة المصرية الى اتخاذ إجراءات لمكافحة تكرار حوادث الطرق، إذ أقرت برنامجا لتأهيل سائقي الشاحنات والحافلات مجانا على مهارات القيادة الآمنة والمسؤولة، ورفع كفاءة التشغيل في قطاع النقل البري، بهدف رفع معدلات السلامة وخفض معدلات الحوادث. وعزت التقارير السبب في ذلك إلى عدم التزام السائقين الحارات المخصصة للنقل الثقيل على الطرق السريعة، وتعاطي كثيرين منهم للمخدرات، وهي عوامل تؤدي إلى قصر العمر الافتراضي للطرق السريعة وزيادة الحاجة للصيانة، على الرغم من أن عمليات الصيانة تجري وفق معايير دقيقة مرتبطة بالسلامة.

خسائر الحوادث تفوق 600 مليون دولار سنويا، وساهم ضعف الصيانة وعدم استدامة الجودة في ارتفاع معدلات الحوادث، مما يجعل الاستثمار في السلامة المرورية ضرورة لإنقاذ الأرواح والاقتصاد

ومن نافل القول إن ذلك يتطلب تضافر الجهود الحكومية ومؤسسات المجتمع المدني، وإطلاق حملات توعية مرورية مكثفة على الطرق السريعة والمحاور كافة، بهدف الارتقاء بمستوى السلامة على الطرق المصرية.

شبكات طرق استراتيجية للتنمية

سعت الدولة خلال العقد الماضي إلى تحقيق المعادلة الصعبة في الموازنة بين الاستثمار في البنية التحتية والتوسع في تطوير الأعمال اللوجستية لمصر، بهدف إحداث نقلة نوعية في قطاع النقل البري على مستوى الجمهورية. ولهذا الغرض، أطلقت الحكومة خطة شاملة لتطوير شبكة الطرق، من خلال الربط الكامل بين مختلف أقاليم البلاد، مما ساهم في ربط مناطق الإنتاج الزراعي والصناعي والخدماتي في الداخل المصري بالمرافئ البحرية والجوية والبرية، بهدف تحقيق انسيابية حركة نقل البضائع والمنتجات، لتحوّل مصر إلى مركز عالمي للتجارة والتداول واللوجستيات. وبلغ نصيب قطاع النقل والمواصلات نحو 5 في المئة من الإنفاق الإجمالي على مشاريع البنى التحتية، حيث خصص 530 مليار جنيه (10,6 مليارات دولار) لمشاريع الطرق والجسور.

أ.ف.ب.
طريق رئيس في القاهرة بالقرب من مدينة شرق النصر، 7 أبريل 2025

وفي هذا السياق أشار الخبير الاقتصادي الدكتور محمد فؤاد في حديث إلى "المجلة" إلى العديد من الإيجابيات لمشاريع الطرق التي أنفقت عليها الدولة تريليونات الجنيهات، "وفي مقدمها تحسين الترابط الجغرافي بين المحاور، مثل محور روض الفرج ومحور 30 يونيو". كذلك أشار إلى أن هناك محاور أخرى ساهمت في تقليص الفجوة بين الدلتا، القاهرة، سيناء، والمناطق الحدودية، و"هو أمر مهم لجذب الاستثمار الصناعي والسياحي". ولفت إلى أن التوسع في الطرق "ساهم في تسهيل نقل البضائع، وتقليص زمن الرحلات، ولا سيما لمراكز التوزيع والتصدير، كما ساهم في تحفيز سوق العمل عبر توفير فرص عمل مؤقتة ودائمة في الخدمات المرتبطة بقطاع النقل". وأكد فؤاد أن توسع شبكة الطرق "ساهم في تحسن مركز مصر في ترتيب جودة الطرق خلال السنوات الماضية"، لكنه حذّر في الوقت ذاته من "أن ضعف الصيانة وعدم استدامة الجودة ساهما في ارتفاع معدلات الحوادث"، مشيرا إلى "غياب الربط بين الطرق وخطط التنمية في الأقاليم".

font change

مقالات ذات صلة