الجنوب السوري يغلي... كيف تستغل الميليشيات الإيرانية المشهد؟

السلوك الإسرائيلي بات يأخذ منحنيات أكثر خطورة

أ.ف.ب
أ.ف.ب
جندي من قوة الأمم المتحدة لمراقبة فض الاشتباك (UNDOF) يقف حارسًا في نقطة مراقبة في مدينة القنيطرة بالقرب من الحدود مع مرتفعات الجولان التي ضمتها إسرائيل في جنوب سوريا في 21 سبتمبر 2025

الجنوب السوري يغلي... كيف تستغل الميليشيات الإيرانية المشهد؟

شكّل التوغل الإسرائيلي في منطقة بيت جن بريف دمشق فجر يوم الجمعة 28 نوفمبر/تشرين الثاني، لحظة فارقة وغير مسبوقة في سياق التدخلات الإسرائيلية في سوريا منذ سقوط النظام السوري السابق شهر ديسمبر/كانون الأول الماضي. حيث أدى التوغل إلى حصول اشتباك بين الجيش الإسرائيلي وشبّان في المنطقة أثناء محاولة الأول اعتقال أفراد قال إنهم يتبعون لمجموعة "تنظيم الجماعة الإسلامية".

الاشتباك ردّت عليه إسرائيل بضربات جوية على المنطقة أسفرت عن مقتل 13 شخصا- بينهم نساء وأطفال- وجرح 25 آخرين. والاشتباك بحدّ ذاته تطور ملحوظ يُنبئ بازدياد وتيرة الغضب الشعبي بين السوريين حيال التوغلات الإسرائيلية في الأراضي السورية، والذي بدأت واشنطن على أثره جولة محادثات مع سوريا وإسرائيل خلال الأيام الماضية، تُوّجت بزيارة المبعوث الأميركي توماس باراك إلى دمشق للقاء الرئيس أحمد الشرع، واتصال هاتفي بين الرئيس الأميركي دونالد ترمب ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.

وفي الوقت الذي تزداد فيه التعقيدات الداخلية والإقليمية والدولية حيال الجنوب السوري وفيه، تبذل أذرع إيران جهودا أكبر لاستغلال حالة عدم الاستقرار، عبر محاولات التجنيد والدعم المقدم لفصيل "المقاومة الإسلامية في سوريا-أولي البأس" الذي نشأ بعد سقوط النظام السوري واتخذ من جنوب سوريا مركزا له ولعملياته. الفصيل والماكينات الإعلامية التابعة للميليشيات الإيرانية العابرة للحدود يستخدمون ورقة التدخل الإسرائيلي في سوريا كذريعة في محاولة تغيير المزاج العام السوري وتجنيد مقاتلين لصالح "أولي البأس". وبحسب معلومات "المجلة" فإن "أولي البأس" كثّفت عمليات التجنيد ومحاولات الحصول على الأسلحة خلال الأشهر الماضية، عمليات التجنيد تستهدف بشكلٍ رئيس العناصر السابقين في الميليشيات الإيرانية، وأولئك الذين كانوا ضمن الفصائل الفلسطينية المدعومة من إيران أو روسيا في سوريا زمن نظام الأسد، كل ذلك من خلال استغلال حالة الفوضى التي تلعب إسرائيل دورا بارزا في تعميقها في الجنوب السوري.

منذ سقوط النظام السوري السابق، شهد الجنوب السوري تحولات عديدة، بدأت مع إعلان القوى الرسمية المعارضة في الجنوب السوري انضمامها إلى وزارة الدفاع السورية الجديدة

التوغلات الإسرائيلية في سوريا أخذت أشكالا جديدة ومستفزة للغضب السوري الذي ظهرت نتائجه في الاشتباك الذي حصل في بيت جنّ، وبعض حالات إطلاق النار المتقطع في مناطق من محافظة القنيطرة السورية، فالدوريات الإسرائيلية تقوم أحيانا بوضع حواجز عسكرية مؤقتة في بعض القرى، وتقوم بتفتيش المارة وطلب أوراقهم الثبوتية، وذلك حصل في الأيام القليلة الماضية وخلال شهر نوفمبر/تشرين الثاني الجاري في أكثر من منطقة، أبرزها مناطق قرب الصمدانية الشرقية، قرية رويحينة في ريف القنيطرة، قرية معرية الجنوبية، بلدة الرفيد، رسم القطا. كما أن المناطق الزراعية في محيط بلدتي جملة وصيصون في حوض اليرموك، محيط تل أحمر، ومناطق أخرى شهدت قصفا للمدفعية الإسرائيلية، ولم تتمكن "المجلة" من معرفة طبيعة الاستهدافات التي حصلت في المنطقة. كما أنه في بعض الأحيان تقوم هذه القوات بعمليات اعتقال تطال السوريين في تلك المناطق، أو محاولات يائسة لتقديم المساعدات للمدنيين مقابل الحصول منهم على معلومات عن المنطقة وبعض الشخصيات.

أ.ف.ب
قوات إسرائيلية تُسيّر دوريات على طول السياج الحدودي مع سوريا قرب قرية مجدل شمس الدرزية في مرتفعات الجولان المحتلة، في 23 يوليو 2025.

إضافة لهذه التوغلات، الاعتقالات، الاستهدافات، تلعب إسرائيل دورا بارزا في تعقيد المفاوضات وإمكانيات التوصل لاتفاق بين دمشق وفصائل في السويداء، وذلك عبر تدخلها المباشر والسياسي بذريعة حماية الدروز في سوريا، في الوقت الذي تسعى فيه إسرائيل من خلال تعقيد هذا المشهد إلى تحقيق مكاسب أبرزها "اتفاق سلام" مع سوريا يتضمن اعترافا من الحكومة السورية بالجولان كأرض إسرائيلية، إضافة لبنود أخرى، في الوقت الذي ترى فيه الحكومة السورية أن هكذا النوع من الاتفاق يمسّ أمن ووحدة أراضي الجمهورية العربية السورية.

مشهد سياسي وعسكري معقد

منذ سقوط النظام السوري السابق، شهد الجنوب السوري تحولات عديدة، بدأت مع إعلان القوى الرسمية المعارضة في الجنوب السوري انضمامها إلى وزارة الدفاع السورية الجديدة التي يقودها الوزير مرهف أبو قصرة، مرورا بتحولات على مستوى إعادة هيكلة القوى الأمنية في الجنوب السوري وتكثيف عمليات مكافحة إنتاج وتهريب المخدرات التي كانت تديرها الفرقة الرابعة والميليشيات الإيرانية. هذه الجهود والتحولات شهدت منعطفات حادة أبرزها التوترات في السويداء ورفض الشيخ الهجري وبعض الفصائل العسكرية فيها الاعتراف بالحكومة السورية، والتي انفجرت في شهر يوليو/تموز الماضي باشتباكات دموية بين الطرفين، تخللها تدخل عسكري إسرائيلي طال استهداف مبنى الأركان، وأطراف القصر الجمهوري في العاصمة السورية دمشق، وذلك بحجة حماية الدروز في سوريا.

إسرائيل لم تُبد تقبلا للوساطة- على الأقل حتى اللحظة- وردّت عليها بجولة نفذها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يوم الأربعاء 19 نوفمبر إلى المنطقة العازلة في سوريا

منذ يوليو/تموز حتى اللحظة والجنوب السوري يرزح تحت عدّة عوامل معقدة على المستوى الداخلي، فالحكومة السورية لا تستطيع الدخول بكل قواتها وممكناتها لبسط السيطرة في المنطقة، والفصائل في السويداء أصبحت أكثر تنظيما مشكلةً المجلس العسكري. والقوات الإسرائيلية تتوغل في مناطق جديدة وتنفذ اعتقالات، "داعش" يحاول استعادة بعض نفوذه في منطقة حوض اليرموك، والميليشيات التابعة لإيران تبذل جهودا لإعادة شبكاتها في المنطقة وتنظيمها بذريعة المقاومة.

عدّة لقاءات حصلت بين الحكومة السورية والجانب الإسرائيلي، خارج الأراضي السورية بتنسيق تركي-أميركي، وكثير من الوساطات العربية دخلت على الخط لحلّ العقدة الجنوبية. على الرغم من أن الحكومة السورية منفتحة لإعادة تفعيل الاتفاق الأمني بين سوريا وإسرائيل، إلا أن الجانب الإسرائيلي نظرا للواقع الذي خلقه لا يبدو أنه مهتم باتفاق أمني، ويبحث عن مكاسب أكبر كاتفاق سلام وبنود أخرى على مستوى الاعتراف السوري بالجولان كأرض إسرائيلية، وهو أمر لا يبدو أن الحكومة السورية بصدد القبول به، وهي التي أكدت أكثر من مرة أنها مستعدة لتوقيع اتفاق أمني مع إسرائيل، وأن سوريا لن تكون منصة لتهديد أي دولة في الإقليم بما فيها إسرائيل، لكنها لم تُعبّر عن أي نية للذهاب أبعد من ذلك في العلاقة مع إسرائيل.

أ.ف.ب
وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني والمبعوث الأميركي الخاص إلى سوريا توم باراك خلال مؤتمر صحفي في دمشق، 16 سبتمبر 2025.

وبالتزامن مع الوساطات العربية، الإقليمية، والوعود الأميركية للحكومة السورية بالضغط على إسرائيل لحلحلة ملف الجنوب، دخلت روسيا هي الأخرى على الخط مستغلة الفجوة السياسية والعقدة الحاصلة، وعرضت نفسها كوسيط محتمل لتخفيف التوتر بين الطرفين، ومن العروض التي قدمتها روسيا إقامة نقاط مراقبة في الجنوب السوري وتنفيذ دوريات في الجنوب السوري. وفي الأيام الماضية، زار دمشق يوم الأحد 16 نوفمبر/تشرين الثاني وفد عسكري أمني روسي برئاسة نائب وزير الدفاع يونس بك يفكيروف، وبحث مع وزير الدفاع السوري مرهف أبو قصرة ملفات عديدة من بينها ملف الجنوب السوري، ومباحثات دورية مشتركة سورية-روسية بعدّة مناطق في درعا والقنيطرة شملت ريف القنيطرة الشمالي والجنوبي، وثكنة الصفرا جنوب بلدة المعلقة وسرية أبو درويش، ثم حوض اليرموك بشكل عام، وبلدات جملة وكوية ومعرية.

وقد أرادت الحكومة السورية خلق واقع جديد في الجنوب، وزيادة الضغط الدولي على إسرائيل لأجل حلّ العقد التي تمسك بها.

إسرائيل لم تُبد تقبلا للوساطة- على الأقل حتى اللحظة- وردّت عليها بجولة نفذها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يوم الأربعاء 19 نوفمبر/تشرين الثاني إلى المنطقة العازلة في سوريا، وقال من هناك للجنود الإسرائيليين: "نحن نولي أهمية كبيرة لقدرتنا هنا سواء الدفاعية أو الهجومية، لحماية حلفائنا الدروز وقبل كل شيء لحماية دولة إسرائيل وحدودها الشمالية مقابل هضبة الجولان". وجاءت الزيارة بالتزامن مع أخبار نشرتها هيئة البث الإسرائيلية عن أن المفاوضات بين إسرائيل وسوريا حول اتفاق أمني  وصلت إلى طريق مسدود، وأن الجانب الإسرائيلي يشترط توقيع "اتفاق سلام شامل" قبل أي انسحاب، رافضة الاكتفاء بـ"اتفاق أمني". من جانبها ردّت عليه الحكومة السورية ببيان صادر عن الخارجية أدان هذه الزيارة واعتبر أنها "تمثل محاولة جديدة لفرض أمر واقع يتعارض مع قرارات مجلس الأمن ذات الصلة"، مطالبة بـ"خروج الاحتلال الإسرائيلي من كامل الأراضي السورية"، مشيرة إلى أن الإجراءات التي تقوم بها إسرائيل في الجنوب "باطلة وملغاة ولا ترتب أي أثر قانوني وفقاً للقانون الدولي".

في ظلّ التعقيد الحاصل في الجنوب السوري، تعمل "المقاومة الإسلامية في سوريا" على استغلال الوضع الراهن هناك من خلال تكثيف محاولات التجنيد ونشر سرديات تُشيطن الحكومة السورية

الحدث الأخير في منطقة بيت جنّ يشير إلى أن السلوك الإسرائيلي في المنطقة الجنوبية في سوريا بات يأخذ منحنيات أكثر خطورة وربما يُخرج الأمور عن السيطرة في حال استمرار هذا السلوك الذي يخلق غضبا شعبيا عارما، فهي المرّة الأولى التي يحدث فيها اشتباك عنيف يوقع جرحى في صفوف الجيش الإسرائيلي، والأخير عدّ أن ما حصل في بيت جنّ يُعد بمثابة كمين وقع فيه الجيش الإسرائيلي، بحسب موقع "والا" الإسرائيلي الذي أشار أيضا إلى أن مسؤولين كبار في الجيش الإسرائيلي يحققون في احتمال تسريب حول العملية قبل حدوثها. الخارجية السورية من جهتها دانت التوغل وعدّت أنه يُشكل انتهاكا خطيرا لسيادة سوريا ووحدة أراضيها.  كما دانت نائبة المبعوث الدولي إلى سوريا نجاة رشدي هذا التوغل ورأت فيه انتهاكا جسيما وغير مقبول لسلامة الأراضي السورية وسيادتها. كما أن الجمعية العامة للأمم المتحدة اعتمدت يوم الثلاثاء 2 ديسمبر/كانون الأول الجاري قرارا يطالب إسرائيل بالانسحاب الكامل من الجولان السورية إلى خط الرابع من يونيو/حزيران عام 1967، وسط إدانات عربية للتوغل الإسرائيلي الأخير في سوريا والذي أدى إلى وقوع قتلى وجرحى في صفوف المدنيين. 

من جانبها، تتحرك واشنطن بوتيرة سريعة بعد التطور الخطير في بيت جنّ، حيث زار العاصمة السورية دمشق المبعوث الأميركي باراك دمشق يوم الاثنين  1 ديسمبر/كانون الأول الجاري، والتقى مع الرئيس الشرع ووزير الخارجية أسعد الشيباني لبحث عدّة قضايا من بينها ملف العلاقة بين سوريا وإسرائيل وتخفيف التوتر الحاصل، في اليوم ذاته حدث اتصال بين الرئيس الأميركي دونالد ترمب ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو تخلله تأكيد الرئيس الأميركي على ضرورة خفض التوتر بين الجانب السوري والإسرائيلي. واشنطن باتت تستشعر الخطر الذي تخلقه السياسة الإسرائيلية في سوريا، وبحسب المعلومات فإن هناك خشية في الأوساط الأميركية من أن ما حدث في بيت جنّ قد يتكرر في مناطق أخرى ويأخذ أشكالا أكثر خطورة على مصالح واشنطن في سوريا، وأن تكرار ما حصل في بيت جنّ قد يخلق فجوات أمنية حادّة في الجنوب مما يهدد الاستقرار ويُعيق جهود الحكومة السورية والجهود الدولية لإرساء الاستقرار في سوريا، ويمنح إيران فرصة أكبر للتحرك في ظلّ الهشاشة الأمنية في المنطقة.

أ.ف.ب
سوريون يرفعون الأعلام ولافتة احتفالا بذكرى سقوط الرئيس السوري بشار الأسد في وسط دمشق في 28 نوفمبر 2025

دعم واشنطن للاستقرار في سوريا يحقق الكثير من المكتسبات الإقليمية والدولية لواشنطن وسوريا ودول عربية وإقليمية، ويُعمّق الخسارة الإيرانية، وهو ما انعكس في ما كتبه ترمب على "تروث سوشيال" بأن "من المهم جدا أن تحافظ إسرائيل على حوار قوي وحقيقي مع سوريا، وأن لا يحدث أي شيء من شأنه أن يتعارض مع تطور سوريا إلى دولة مزدهرة"، مؤكدا أن الولايات المتحدة راضية عن النتائج التي تحققت في سوريا. هذا التصريح الذي يمكن اعتباره موقفا لصالح الحكومة السورية أمام الضغوط الإسرائيلية وسياساتها العسكرية في سوريا.

الضغوط الأميركية على نتنياهو ظهرت في حديث رئيس الوزراء الإسرائيلي، يوم الثلاثاء 2  ديسمبر/كانون الأول، خلال زيارته لجنود إسرائيليين جرحى، حيث قال لهم إن ما تتوقعه تل أبيب من سوريا هو إنشاء منطقة عازلة منزوعة السلاح من دمشق إلى المنطقة العازلة، بما في ذلك مداخل وقمة جبل الشيخ، مضيفا أنه "عبر النية الحسنة" يمكن لسوريا وإسرائيل التوصل إلى اتفاق، لكنّه عقّب "سنتمسك بمبادئنا في جميع الأحوال"،  ولم تمض ساعات على تصريح نتنياهو حتى دخلت طائراته المروحية في أجواء بيت جنّ.   

تحركات محمومة للتجنيد وإعادة التموضع

في ظلّ التعقيد الحاصل في الجنوب السوري، تعمل "المقاومة الإسلامية في سوريا-أولو البأس" على استغلال الوضع الراهن هناك من خلال تكثيف محاولات التجنيد لصالحها ونشر سرديات تُشيطن من خلالها الحكومة السورية عبر معرفاتها وخلاياها، وذلك في سبيل كسب تعاطف المدنيين وجذبهم إلى صفوفها بحجة مقاومة إسرائيل وأعضاء الحكومة السورية "الذين قدّموا سوريا للغير، وبنوا علاقات أدت إلى مزيد من الانتهاكات والتقسيمات"، بحسب ما قال الناطق الرسمي للمجموعة أبو القاسم في بيان مسجل يوم 8 نوفمبر/تشرين الثاني.

السويداء ما زالت تشكل عاملا حرجا، فكثير من تجار السلاح والمخدرات يختبؤون فيها مستغلين التوتر الحاصل بين فصائل السويداء والحكومة السورية

معلومات "المجلة" تقول إن "أولي البأس" تعمل على استقطاب قادة وعناصر سابقين في "كتيبة الهادي"، و"اللواء 313"، والمجموعات الأخرى التي كانت تتبع للميليشيات الإيرانية و"حزب الله" اللبناني في الجنوب السوري قبل سقوط النظام، وتقدم لهم إغراءات مادية شهرية، إضافة إلى إقناعهم بالعودة للعمل معهم لأن "أولي البأس" هي التي ستقاوم ضد إسرائيل وليس الحكومة السورية. وقالت عدّة مصادر محلية لـ"المجلة" في الجنوب إن المناطق التي تبذل "أولو البأس" فيها الجهود هي القريبة من الحدود السورية الإسرائيلية في الجنوب السوري، شرقي درعا، ومناطق النفوذ القديمة لـ"كتيبة الهادي" و"اللواء 313" في منطقة اللجاة. إضافة إلى ذلك تحاول "أولو البأس" استقطاب العناصر السابقين في الميليشيات الإيرانية من الفلسطينيين، حيث ترى أن هؤلاء يمكن استمالتهم عاطفيا من ناحية أن القضية تتعلق بمواجهة إسرائيل.

وقد أجرت الحكومة السورية، بجناحها الأمني الداخلي، عدّة تغييرات في الجنوب، وعيّنت قادة جددا لإدارة الملف ممن لديهم المعرفة بنشاط الميليشيات الإيرانية وقادتها وأتباعها في المنطقة قبل سقوط الأسد، كما تبذل الحكومة جهودا لتفكيك هذه المجموعة بقدراتها المحدودة في الجنوب نتيجة التدخلات الإسرائيلية، فخلال شهر نوفمبر/تشرين الثاني اعتقلت أحد قادة المجموعات في "أولي البأس"، وما زالت التحقيقات جارية لمعرفة مخططات المجموعة وتوزعها، وفي سياق العمليات الأمنية أيضا، تمكنت قوات الأمن الداخلي نهاية أكتوبر/تشرين الأول من اعتقال قيادي تابع لـ"حزب الله" اللبناني  في عملية ببلدة قرفا القريبة من بلدة إزرع بريف درعا.

أ ف ب
مقاتلان من العشائر البدوية في غرب مدينة السويداء في 19 يوليو

في الوقت نفسه، من غير المتوقع أن تكون عملية اعتقال أو أكثر قادرة على تفكيك المجموعة لعدّة عوامل أبرزها أن المجموعات الإيرانية تُشبه تنظيم "داعش"، قادرة على التكيّف السريع وإعادة التموضع، وأيضا لأن الواقع الأمني والتعقيدات في الجنوب تحدّ من قدرة الحكومة السورية على ملاحقة هذه المجموعة وأتباعها في المنطقة، إضافة إلى أن السويداء ما زالت تشكل عاملا حرجا، فكثير من تجار السلاح والمخدرات يختبؤون فيها مستغلين التوتر الحاصل بين فصائل السويداء والحكومة السورية، وهؤلاء يمكن لـ"أولي البأس" أن تشتري منهم السلاح وتجد من خلالهم سلسلة توريد لعملياتها في المنطقة.

يقول أكثر من مصدر مدني لـ"المجلة" من ريف القنيطرة ودرعا إن المدنيين بشكل عام يقفون ضدّ أي وجود للميليشيات المرتبطة بإيران، ويعتقدون أنها "تشكل خطرا كبيرا"، لأن "أي عملية يمكن أن تقوم بها هذه المجموعات قد تعطي ذريعة لإسرائيل لاستهداف الجنوب سواء قصفا أو على شكل توغلات يمكن أن تكون أوسع". حالة الرفض الاجتماعي هذه فرصة بيد الحكومة السورية، إلا أن التعقيدات في الجنوب ومحدودية الحكومة السورية على الحركة في المنطقة تشكل عقبة أمام استغلال هذا المزاج. ومع استبعاد تغير المزاج لكن لا يمكن الجزم بأن لا تُحدث التوغلات والتدخلات الإسرائيلية تغييرا في تصورات بعض المدنيين الغاضبين من إسرائيل.

تشكلت "المقاومة الإسلامية في سوريا-أولو البأس" على عدّة مراحل بعد سقوط النظام السوري

كما أن إسرائيل التي تتذرع بحماية الدروز ومحاربة مجموعات معادية في الجنوب، تخلق فرصة لهم للتمدد وإعادة التموضع والنفوذ، وذلك من خلال عمليات التوغل والاعتقالات، فتداعيات هذا السلوك الإسرائيلي باتت تأخذ منحنيات جديدة وأكثر خطورة على الجهود الدولية لإرساء الاستقرار في سوريا، وتهدد طموحات ترمب لإنهاء الحروب في منطقة الشرق الأوسط وتنفيذ خطته للسلام هناك. إن وجود خلايا تتبع لإيران و"حزب الله" اللبناني في الجنوب السوري شيء، والتدخل الإسرائيلي العسكري ومحاولة عزل المنطقة الجنوبية شيء مختلف، فالسلوك الإسرائيلي يُعطي فرصة أكبر للخلايا ولا يساعد في محاربتها وإنهاء بقايا النفوذ الإيراني في سوريا.

ماذا نعرف عن "أولي البأس"

تشكلت "المقاومة الإسلامية في سوريا-أولو البأس" على عدّة مراحل بعد سقوط النظام السوري، ففي شهر يناير/كانون الثاني الماضي تم الإعلان عن تشكيل ما سُمي "جبهة تحرير الجنوب" وادعت أنها تهدف لاستمرار المقاومة، ليتبعها مطلع فبراير/شباط الماضي، تشكيل "أولي البأس" كجبهة مقاومة في سوريا، وأعلنت في الشهر ذاته مقتل اثنين من قادتها في جنوب سوريا. في شهر مارس/آذار الماضي باتت تُعرف بـ"جبهة المقاومة الإسلامية في سوريا-أولي البأس" والذي احتفت فيه غالبية القنوات والصفحات التابعة للميليشيات الإيرانية، إضافة لشبكات إخبارية إيرانية، لتنشط هذه الجبهة بشكل ملحوظ على المستوى الإعلامي في شيطنة الحكومة السورية وتوجهاتها نحو الغرب وواشنطن.

سانا
الأمن الداخلي في يبرود بريف دمشق يمنع محاولة تهريب ألغام إلى لبنان ويوقف أربعة متورطين.

وفي يوم 11 مايو/أيار نشرت الجبهة بيانا قالت فيه: "نرفضُ وندينُ بأشد العبارات أي مُباحثات سرية أو علنية تجريها حكومةٌ تدعي الشرعية مع كيان الاحتلال الإسرائيلي الغاصب"، كما نشرت يوم 15 مايو، بعد يوم واحد من لقاء الشرع مع الرئيس ترمب، جاء فيه أن "الجبهة" تدين "الصفقة المشبوهة التي تروج لها الإدارة الأميركية وحلفاؤها والتي تهدف إلى رفع جزئي للعقوبات الظالمة على شعبنا السوري المحاصر مقابل التطبيع مع كيان الاحتلال الصهيوني".

تلقت الجبهة في شهر يوليو/تموز ضربة بمقتل نائب القائد العام فيها العميد محمد بدران، وذلك في عملية إسرائيلية بمنطقة نوى في درعا. وبدران بحسب بيانات الجبهة هو محمد بدران أبو علي، نائب القائد العام لـ"جبهة المقاومة الإسلامية في سوريا– أولي البأس"، وهو مولود في منطقة جبلة في سوريا عام 1973. مقتل بدران يبدو أنه أثر على بنيتها وقدرتها في تسيير الأمور، فعقدت مؤتمرا وأعادت تشكيل الهيكلية الإدارية.

وبحسب بيان المؤتمر الذي عُقد في شهر يوليو/تموز، فإن القائد العام للجبهة هو أبو جهاد رضى الحسين، نائب القائد العام العميد منذر ونوس، رئيس هيئة الأركان العميد أحمد جاد الله، رئيس المكتب السياسي الدكتور طارق حماد، ورئيس المكتب الأمني والاستخباراتي هو العميد أبو مجاهد، ورئيس دائرة التعبئة والتنظيم هو العقيد هاشم أبو شعيب، في حين يشغل منصب العلاقات العامة الدكتور عباس الأحمد.

font change

مقالات ذات صلة