القبيلة السورية... بين صعود وهبوط في النفوذ التاريخي

"الفزعة العشائرية" خلال أحداث السويداء أعادت إلى الأذهان قوتها الكامنة

أ.ف.ب
أ.ف.ب
مقاتلون من العشائر والبدو يعبرون قرية المزرعة بمحافظة السويداء السورية أثناء حشدهم وسط اشتباكات مع مسلحين دروز في 18 يوليو 2025

القبيلة السورية... بين صعود وهبوط في النفوذ التاريخي

شكلت البنية القبلية عاملا رئيسا في تكوين هوية المنطقة العربية في الشرق الأوسط، وعلى الرغم من اختلاف التسميات التي طرأت على أهالي المنطقة فإن السمة التاريخية التي يمكن رؤيتها ما بين السطور هي "البدو"، فهم سكنوا المنطقة قبل الميلاد، يغادر بعضهم ويأتي آخرون، وحكمت تحركاتهم الغايات الاقتصادية وعوامل البقاء، إضافة إلى الانتقالات القسرية بفعل الحروب والصراعات فيما بينهم من جهة، ومع الطارئين على المنطقة من جهة أخرى (غزاة، إمبراطوريات).

وعلى الرغم من التنقلات الكثيرة، فإنها لم تكن جذرية، بمعنى الانتقال التام للعائلة البدوية الواحدة، فبقاء البعض منهم في منطقة يفتح الباب أمام التقارب والتزاوج بينهم وبين عائلات أخرى، ما يعني تداخلا تُبنى عليه قرابة الدم، ويؤسس لتحالفات عائلية ستكون ذات تأثير كبير على القوى المتعاقبة في المنطقة، ليصار لاحقا إلى إطلاق تسميات أخرى على بعض العائلات البدوية مثل القبيلة كحامل رئيس، والعشيرة كحامل أصغر. التسميات الثلاث بُنيت على أساس حالة الترحال المستمرة للبدو، أو الحالة الحضرية (الزراعية) للقبيلة والعشيرة.

مع عصر الإسلام زادت الهجرات العائلية بين منطقة الشام والجزيرة العربية، إضافة إلى مصر وجغرافيا واسعة وصلت إلى الأندلس وحدود الصين، نفوذهم يقوى ويقل بحكم التداخلات مع السلطات، فمثلا زمن الأمويين كانت للعشائر قوة وتأثير على القرارات السياسية والاجتماعية، في حين تراجع بشكل ملحوظ النفوذ زمن العباسيين، فكان للفرس في منطقة الشام قوة أكبر، ومع الزمن والحروب التي دخلت فيها المنطقة بات لدى عائلات البدو (الذين باتوا يُعرفون بالقبيلة والعشيرة) قدرات وهوامش للدخول واللعب في عالم السياسة والتحالفات العسكرية مع تلك القوى المتعاقبة على المنطقة، هذه القدرات والهوامش خلقت في الوقت نفسه فجوات وخلافات داخلية، فقسمت القبيلة والعشيرة من الناحية السياسية والعسكرية، وجعلتها أكثر هشاشة في مواجهة الرغائب السياسية للسلطات.

مع اقتراب نهاية الحكم العثماني، وزيادة العجز الاقتصادي للإمبراطورية، انتهجت السلطنة زمن السلطان عبد الحميد مرحلة جديدة وكثيفة من توطين البدو وتشجيهم على العمل في الزراعة

وكان هذا واضحا في التاريخ القريب من الحديث، فحقبة الإمبراطورية العثمانية شهدت انقساما في التوجهات العشائرية نحو السلطة المركزية، فالبعض كان يقف معها، في حين أن البعض كان يواجهها، هذا الانقسام اعتمدت عليه السلطنة العثمانية من خلال  سياسة التقرب والمواجهة مع العشائر العربية، يحكم هذه السياسة الظروف السياسة والأمنية للسلطنة، فقامت بالتقرب من القبائل الكبرى في بلاد الشام كون أن لها ثقلا وقوة على المستويات الاجتماعية والعسكرية (الأفراد) إضافة إلى المقدرات اللوجستية (الجمال، السلاح)، لكن وبحكم الزمن الطويل تغيرت ديناميكيات التعاون والتحالف مع السلطنة العثمانية في المنطقة والذي باتت ترفضه قبائل عربية، يُضاف إلى ذلك رغبة الدول الأجنبية التحالف مع القوى العربية لإضعاف الإمبراطورية العثمانية، فقبيلة الموالي التي كانت مراكز قوتهم في البادية ومناطق شاسعة من سوريا، تضاءلت نحو شمال غرب سوريا نتيجة خلافاتهم مع الدولة العثمانية والهجمات التي تعرضوا لها من قبل الأولى، وشهد القرن الثامن عشر زيادة في هجرة شمر إلى المنطقة السورية، وسهلت لهم الدولة العثمانية آنذاك السكن، كونهم كانوا حلفاء معها في حروب كثيرة، كحربهم ضد هجمات العبيد/الزبيدية.

مع اقتراب نهاية الحكم العثماني، وزيادة العجز الاقتصادي للإمبراطورية، انتهجت السلطنة زمن السلطان عبد الحميد مرحلة جديدة وكثيفة من توطين البدو في المناطق وتشجيهم على العمل في مجال الزراعة والتنمية، وذلك لرغبة الدولة العثمانية مواجهة نقص النقد وكثرة الديون.

رويترز
مقاتلون من البدو والعشائر العربية في محافظة السويداء، 18 يوليو

ومع انطلاق الثورة العربية الكبرى، باتت حالة الانقسام أعمق بين العشائر نتيجة اختلاف توجهاتهم بين داعم للإمبراطورية العثمانية، وداعم للثورة، وهذا ما أثر على علاقاتها وأضعف قدرتها على التماسك في مواجهة المراحل القادمة التي تخللتها رغبة فرنسية-بريطانية في تأسيس تحالفات منفصلة مع هذه القبائل. وقد بنيت هذه التحالفات على الخلافات والصراعات القبلية في المنطقة، سيما أن مرحلة ما بعد انهيار الإمبراطورية العثمانية شهدت توافقات واتفاقيات رسمت حدود بلاد الشام وقسمتها، وهو ما يُعد عملا إضافيا في تقطيع أوصال القبائل الجغرافية، هذه القبائل كانت قادرة على مواجهة بعض تداعيات التقسيم أحيانا، وعاجزة أحيانا أخرى. فمثلا خلال مرحلة ترسيم الحدود، حاولت بريطانيا إنهاء الحدود السورية العراقية عند مصب نهر الخابور، إلا أن العشائر (خاصة قبيلة العقيدات) رفضت هذه الرغبة كون هذه الحدود تشتت شملها بين الدولتين (سوريا-العراق) بشكل كبير، وقد نجحت المقاومة التي أظهرتها العشائر حينها في التأثير المباشر على الرغبة الدولية في ترسيم الحدود، وتم اعتماد القائم-البوكمال كخط الحدود السورية-العراقية. رغم ذلك، يمكن اعتبار حدود سايكس-بيكو ضربة قوية جدا للبنية القبلية في المنطقة، فهي فرقت القبيلة عبر الحدود، وخلقت نوعا من القطيعة في التنسيق والتعاون فيما بينها، فكل قبيلة بدأت العمل في جغرافيتها (سوريا/العراق/الأردن/لبنان) لبناء قدراتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية.

لم يغفل حافظ الأسد منذ بداية حكمه عن أهمية وقوة القبيلة في سوريا، فتحرك على خطى الفرنسيين في تأطير وقوننة النفوذ القبلي

الانتداب الفرنسي.. تأطير القبيلة وسلب الزعامة

علمت فرنسا أن أحد أبرز التحديات التي ستواجهها هي قوة القبيلة وتحالفاتها، لذلك بدأ الانتداب الفرنسي عدة خطوات للسيطرة على القبيلة، فحاول التحالف مع البعض لمواجهة البعض الآخر، وأصدر الانتداب الفرنسي عدة قوانين أهمها قانون تنظيم شؤون البدو وإدارة القبائل والعشائر (الذي أطلق عليه القانون 132) والذي دخل حيز التنفيذ في يونيو/حزيران عام 1940، هذا القانون الذي وضعت فرنسا من خلاله يدها على سلطة تعيين وعزل شيخ العشيرة/القبيلة، وقوننت آلية العزل بأن يكون سببه الإخلال بالأمن أو رفض الخضوع للقوانين، وهي أسباب تمنح الفرنسيين القدرة على السيطرة على زعماء القبائل، فأصبح زعيم القبيلة يتم اختياره وعزله بناء على ولائه والتزامه بالقوانين التي يراها الفرنسي مناسبة، هذا مهد الطريق أمام خلافات قبلية أكبر بفعل اختلاف الرؤى حول الانتداب بين القبيلة وزعيمها، وبين القبائل فيما بينها.

لكن في الوقت نفسه، عد البعض أن السلوك الفرنسي السلطوي أسس لظهور زعيم القبيلة كقوة فاعلة في السياسة ودخوله بوابه البرلمان والتأثير السياسي، إضافة إلى صعود قوة اقتصادية لبعض القبائل نتيجة الميزات التي حصلوا عليها، وهو ما أعطاهم القدرة على التأثير في القرار السياسي والاجتماعي.

حقبة الانتداب الفرنسي شهدت أيضا حالة من التحول الجغرافي ضمن القبيلة، فكثير من العائلات التابعة للقبائل تنقلت بين المناطق الجغرافية للشرق الأوسط والخليج، خصوصا تلك التي تعرضت لهجمات شرسة من قبل الجانب الفرنسي، فمثلا غادر كثير من أهالي قبائل عنزة، والجبور، وغيرهما نحو العراق، والأردن، والخليج هربا من بطش الفرنسي.

يمكن النظر إلى فترة الانتداب الفرنسي والبريطاني في المنطقة على أنها فترة التشرذم القبلي وتقطيع أوصال القبيلة بين حدود الجغرافيا، والجنسية لاحقا، فانشغلت القبائل في حدودها الجغرافية ساعية للاستقرار وبناء حياة سياسية واجتماعية تتناسب مع التغيرات السياسية والجغرافية في المنطقة، تخلل هذه الفترة حالة انزياح جديدة في الجنوب السوري بعد استيلاء الجانب الإسرائيلي على الجولان، حيث غادر كثير من أهالي المنطقة والقبائل وتم تسهيل استقرارهم في محيط دمشق العاصمة، والذين باتوا يُعرفون بالنازحين في تلك المجتمعات، ثم صعود سلطة حافظ الأسد الذي أسس هو الآخر لسياسة الجذب-الغلبة في تعامله مع القبائل والعشائر السورية.

الأسد على خطى الفرنسيين.. وأكثر

لم يغفل حافظ الأسد منذ بداية حكمه عن أهمية وقوة القبيلة في سوريا، فتحرك على خطى الفرنسيين في تأطير وقوننة النفوذ القبلي، بما تتيحه له القدرة على إضعاف القوة الكامنة فيها من جهة، وكسب ولائها من جهة أخرى. فعمل الأسد على إنهاء فكرة القبيلة، والذهاب بها نحو إطار التنظيم الهيكلي التابع للدولة (مثل النقابات، الجمعيات، الانتماء الحزبي)، فالقانون  الصادر عام 1974 والخاص بالتنظيم الفلاحي عكس سياسة الأسد في التعامل مع القبيلة، حيث جاء فيه مفهوم "إحلال العلاقة الاشتراكية محل سائر الانتماءات والعلاقات المرضية"، في خطوة لإنهاء قوة القبيلة المستقلة عن تصورات السلطة وتوجهاتها.

منطقة الجزيرة السورية التي تتمركز فيها قوة العشائر هي خزان سوريا على مستوى الثروات الباطنية والزراعية

وعلى المستوى الاجتماعي عمل الأسد على تفكيك فكرة أن القبائل يمكنها حل خلافاتها وحدها، وهجن قانونها العرفي من خلال إدخال دور الدولة في التعامل مع الخلافات بالتنسيق مع زعماء القبائل وأهل الحل والعقد في صفوفها، وبذلك فتح نظام الأسد الباب لنفسه ليكون صاحب تأثير مزدوج بين القبائل لترسيخ قوته وإضعاف وحدة القبيلة التي كانت في الأصل منهكة نتيجة العوامل التاريخية والانقسام الجغرافي والولاءات المتعددة. فقام نظام الأسد عبر سنوات حكمه بخلق الفوضى بينهم والتدخل لحلها، فكان في آن واحد بمثابة الزناد القاتل ووسيط السلام. كما عمد نظام الأسد سياسة بناء علاقة مع الزعامات القبلية تقوم على الولاء مقابل النفوذ، فكان يُعطي بعض الشخصيات القبلية والعشائرية نفوذا قويا في الدولة ليُصدرهم كواجهة قبلية/عشائرية، في الوقت الذي بدأ فيه إضعاف الشخصيات الحقيقية المتزعمة للقبيلة والتي يمكن أن تؤثر على نظام حكمه.

أ.ف.ب
مقاتلون من العشائر بجانب حاجز تفتيش حكومي في بلدة بصرى الحريري، شرق مدينة السويداء، في 20 يوليو 2025

لم تختلف سياسة الأسد الابن (بشار) عن سياسة الأب (حافظ) في التعامل مع العشائر، لكنها ذهبت نحو بُعد آخر تجاوز استغلال خلافات القبيلة، وذلك مع تسهيل الدور الإيراني في التشييع بين القبائل، خصوصا تلك الموجودة في دير الزور، حلب، وإدلب. البعد الجديد كان بمثابة تحول إضافي لآليات التعامل مع القبيلة لناحية إضعافها، فأصبحت هناك قبائل ذات نفوذ كبير مقابل قبائل بنفوذ أقل، كما أن الاصطفافات التي حدثت في تاريخ الاقتتال العشائري كان لها دور في تعميق الخلافات، فمثلا في عام 2000 عند اندلاع اشتباكات بين البدو والعائلات في السويداء لعب نظام الأسد دورا في تغيير البنية الاجتماعية في الجنوب، فالأسد تمكن بحجة حماية الدروز من تعزيز قوته أكثر في محافظة السويداء، في حين أن دعم الأسد لبعض شخصيات البدو أعطاهم نفوذا أكبر بين البدو والقبائل في الجنوب.  كما أن تدخل النظام لتعميق الخلاف كان واضحا في الاشتباكات التي اندلعت في محافظة حلب بين عائلتي آل حميدة وآل بري (لدى العائلتين بعد عشائري وتاريخ قديم من الخلافات) عام 2000، حيث وقف النظام إلى طرف آل حميدة وحسم الخلاف لصالحه، علما أن آل بري كان لديهم نفوذ في الدولة أيضا.

نظام الأسدين لم يكن يريد الدخول في صراع شامل مع القبائل السورية، لإدراكه أهمية كسب ودهم ونفوذهم كون مناطق انتشارهم ذات بعد استراتيجي (الحدود السورية مع العراق، تركيا، الأردن، ولبنان)، إضافة إلى أن منطقة الجزيرة السورية التي تتمركز فيها قوة العشائر هي خزان سوريا على مستوى الثروات الباطنية والزراعية، لذلك عمد إلى سياسة الولاء والنفوذ المتقلب للسيطرة على قرار القبائل، وأعطاهم نفوذا في البرلمان والوزارات عبر سنوات حكمه، وذلك بالتزامن مع نشر سرديات تهدف إلى تغيير عقلية القبيلة، من ناحية أن العصبية القبلية تتعاكس مع التيار التطوري المدني، وأن القبيلة رديف للنظام الاقطاعي والتسلطي في التركيبة الاجتماعية.

بعض القبائل ذات ثقل على المستوى الاجتماعي في سوريا، سواء في شرق أو جنوب البلاد وشمالها، وتبقى أيضا هذه القبائل قبلة القوى الداخلية والخارجية لتقوية نفوذها أو زعزعة نفوذ قبائل أخرى

أبرز القبائل والعشائر السورية

عملية تفصيل وتتريب القبائل والعشائر السورية معقدة، خصوصا إذا ما أُخذت بعين الاعتبار عوامل عديدة: الأول هو الهجرات التي شهدتها القبائل السورية عبر التاريخ الطويل والتي أثرت على حجم انتشارها في سوريا وطبيعة هذا الانتشار، الثاني هو عمليات المصاهرة وقرابة الدم التي مرت بها القبائل في ما بينها نتيجة الهجرات الطوعية والقسرية، والتي شكلت تداخلا كبيرا في البنية القبلية السورية ونشأت معها عشائر صغيرة وذابت فيها عشائر أخرى بقبائل ثانية، والثالث هو حالة التمدن/التحضر التي شهدتها القبائل السورية والتي محت كثيرا من معالم وتمايز بعض العشائر. إلا أنه ورغم تلك العوامل، تبقى بعض القبائل ذات ثقل على المستوى الاجتماعي في سوريا، سواء في الشرق، أو جنوب البلاد وشمالها، وتبقى أيضا هذه القبائل قبلة القوى الداخلية والخارجية لتقوية نفوذها أو زعزعة نفوذ قبائل وعشائر أخرى.

أهم القبائل السورية: 

العقيدات: تتألف من عدة عشائر أبرزها البوجامل، البوجمال، الشعيطات، البكير، شويط، بوخابور، قرعان، بوحسن، بورحمة، الدميم، الحسون، البومريح، والمشاهدة. تتمركز قوتها البشرية في دير الزور بشكل رئيس، على ضفتي النهر، إضافة إلى امتداد في أرياف حمص وحلب ودمشق، وخارج الحدود لها امتداد في العراق.

البقارة: تتألف من عدة عشائر أبرزها العابد، العبيد، البوسلطان، عبيدات، المشهور، بومصعب، بومعيش، حميد عبيد، بوعرب، بوبردان، تتمركز قوتها البشرية في دير الزور الغربي، الحسكة، منطقة جبل عبد العزيز، حلب، وخارج الحدود لها امتداد في الأردن والعراق.

شمر: هي صاحبة نفوذ في المناطق الحدودية بين سوريا والعراق في الحسكة والقامشلي، وبشكل خاص في منطقة اليعربية وضواحيها، لديها علاقات تاريخية مع العشائر والأكراد في سوريا والعراق، خارج الحدود لها انتشار في العراق، والخليج العربي.

الجبور: من القبائل الكبيرة في الحسكة، تنبثق منها عشائر البوخطاب، البومهنا، المحاسن، الصبح، الهزيم، المجادم، العلي، الواوي، عشيرة الشويخ. انتشارها في منطقة الحسكة والشدادي، ولديها وجود في حلب أيضا.

طي: من العشائر الكبيرة في القامشلي. وطي هي تحالف لعدة قبائل أبرزها العساف، الحريث، الجوالة، الغنامة، المعامرة، اليسار، البوعاصي، بنو سبعة، الراشد، الشبل، البونصير، الراشد، الكيار، حرب، وآخرون. هذا الحلف توثقه ورقة تُسمى "مضبطة طي" والتي تعد المرجعية للقبائل الموجودة في الحلف في العلاقات وحل النزاعات. وإضافة إلى نفوذها في القامشلي لديها انتشار في حلب وإدلب والجنوب السوري.

البوشعبان: هي من القبائل السورية البارزة أيضا، وتضم عددا من العشائر أبرزها الجعابات، العميرات، الشاهر، البوحميد، العميشات، المسرات، الصعب، البوحسن، الغانم، والحسين العلي. ولدى القبيلة بعشائرها انتشار في شمال غربي سوريا في حلب، وإدلب، والرقة، ومناطق من البادية السورية، وريف دير الزور، والجنوب، ولديها انتشار في الجنوب الشرقي التركي أيضا.

الموالي: وهي من القبائل التي لديها تاريخ طويل في المنطقة، تضم عشائر أبرزها الدولة، الغازي، الطوقان، المصارع، الجماجمة، البدر، الأُمار، بني عز، المشارفة، الأسود، السعران، الدليم، التركي، والفنير. والموالي هي أيضا تشكل حلفا لقبائل سورية تتضمن الدليم، النعيم، بني خالدو البوشعبان، البقارة، وتنتشر القبيلة في مناطق سورية عدة أبرزها ريف حماة، البادية السورية، حلب، إدلب، وأرياف الرقة.

انعكس التاريخ العميق لتحولات القبيلة والعشيرة في سوريا على توجهات هذه القبائل وحواملها خلال سنوات الثورة السورية

قيس: من القبائل السورية الكبيرة، وتضم عددا من العشائر أبرزها  بنو عجل، بنو عثمان، العويسات، بنو عامر، النواجحة، السرامدة، الغجر، القرعان، الصيفي، ولها انتظار واسع على مختلف الأراضي السورية، ابتداء من الشمال السوري، مروا بالبادية، ووصولا للجنوب السوري.

النعيم: القبيلة لديها انتشار واسع في سوريا في الجنوب السوري والبادية والشمال السوري، وتضم بين صفوفها عددا من العشائر أبرزها  الشيخ،  الشطيحات، البريدات، العويشات، البيين، والتوبلس.

وهناك قبائل أخرى مثل اللهيب، الدليم، بني خالد، بني سعد، الحديديين، عنزة، بري، عشائر التركمان، الغياث، السردي، الشرعة، الخضير، القطاعنة، العقادية، وغيرها ذات الانتشار القوي في حلب وإدلب وجنوب سوريا على الحدود السورية الأردنية، هذه القبائل يتبع لها عشرات من العشائر الصغيرة والمتوسطة، وتتوزع على مناطق جغرافية شاسعة في الأراضي السورية، وانتشار يتجاوز الحدود نحو العراق، الأردن، لبنان، الخليج العربي، واليمن.

رويترز
مقاتلون من العشائر خلال المواجهات في السويداء في 17 يوليو

تاريخ معقد يلقي بظلاله على حقبة الثورة السورية

انعكس التاريخ العميق لتحولات القبيلة والعشيرة في سوريا على توجهات هذه القبائل وحواملها خلال سنوات الثورة السورية، فشهدت أحيانا القبيلة الواحدة (شمر مثلا) انقساما حادا في التوجهات، فكان جزء من القبيلة يقف مع نظام الأسد، وآخر يقف مع الثورة السورية، ولاحقا قسم ثالث وقف مع "قوات سوريا الديمقراطية"، وكان ذلك ظاهرا في ظهور مجالس عشائر متعددة في سوريا تضم أفرادا وكيانات اجتماعية وسياسية من القبائل نفسها، لكنها تدعم أطرافا مختلفة، فظهرت مجالس عشائر موالية للمعارضة السورية، وأخرى موالية لـ"قسد"، وأيضا مجالس موالية للنظام، هذه الانقسامات لم تكن من الناحية الاجتماعية والسياسية فحسب، بل تعدت ذلك إلى التحالف العسكري والاقتتال البيني. فشهدت سنوات الثورة ظهور قوى مسلحة تتبع للقبائل والعشائر السورية، كل فصيل يقف مع طرف في الاقتتال الحاصل، فمثلا من أبرز القوى العشائرية التي وقفت مع المعارضة السورية هي: أحرار البقارة (البقارة)، جيش الأمة (الشعيطات)، لواء القادسية (البكير)، لواء القعقاع (القرعان)،  السلطان مراد، كتيبة السلاجقة، كتيبة أحفاد الفاتحين (عشائر تركمانية)، درع الأمة (عساسنة)، جيش البوشعبان (بوشعبان)، فوج أنصار الشريعة (البقارة)، كتيبة معاوية بن أبي سفيان (تحالف عشائر)، لواء ملوك البر (الموالي)، وجيش أحرار العشائر (ضم مع الوقت غالبية العشائر المنتشرة جنوب سوريا).

رغم أن "قوات سوريا الديمقراطية" نشأت بوصفها تحالفا عسكريا متعدد المكونات، فإن القيادة الفعلية ظلت بيد "وحدات حماية الشعب" الكردية، ما خلق فجوة في علاقتها مع البيئة العربية

وفي المقابل وقفت تشكيلات أخرى مع النظام السوري- أحيانا بدعم إيراني- ومن هذه التشكيلات لواء العساسنة (عساسنة)، فوج عشائر منبج (تحالف عشائر)، قوات الصحوة العشائرية (طي)، صقور الضاهر (تحالف حديديين، موالي)، ولواء الباقر (قبيلة البقارة)، لواء زين العابدين، قوات القاطرجي، إضافة إلى مجموعات تتبع للدفاع الوطني، الأمن العسكري، المخابرات العسكرية وغيرها. في هذه التجمعات لعب النظام والإيرانيون دورا كبيرا في السيطرة على قرارهم، ودعمهم، حتى إن بعض القوى تجاوز عملها الدفاع عن النظام وباتت تخدم الأجندات الإيرانية فعملت بالتنسيق مع "حزب الله" اللبناني وفي قطاعات التهريب ونقل السلاح، وتجارة المخدرات، إضافة إلى دور بعض هذه القوى في عمليات تسهيل مد النفوذ الثقافي والديني لصالح إيران في المنطقة، كالمركز الثقافي الإيراني في دير الزور ذائع الصيت بنشاطاته التي استهدفت القبائل/العشائر والمدنيين سواء لكسب ولائهم أو لاستهدافهم في حملات التشييع، وفعاليات مشابهة في دمشق حلب ودرعا.

"قسد" والقبيلة.. هشاشة التحالف

على الرغم من أن "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد) نشأت بوصفها تحالفا عسكريا متعدد المكونات، فإن القيادة الفعلية ظلت بيد "وحدات حماية الشعب" الكردية، ما خلق فجوة في علاقتها مع البيئة العربية التي تشكل غالبية سكان مناطق سيطرتها في الجزيرة والفرات. وسعت "قسد" إلى ملء هذه الفجوة عبر توظيف البنية القبلية كأداة لتثبيت نفوذها، فاستعانت ببعض القوى العشائرية الموالية أو المحايدة، مثل قوات الصناديد التابعة لقبيلة شمر، ومنحت شخصيات عشائرية مواقع إدارية ورمزية في "المجالس العسكرية والمدنية"، في محاولة لتأمين غطاء عربي لسلطتها.

غير أن هذا التوظيف ظل وظيفيا ومصلحيا أكثر منه شراكة حقيقية، إذ جرى تهميش الهياكل القبلية التقليدية وإخضاعها لإطار القرار الكردي المركزي. ومع كل لحظة تصدع– كما في أحداث دير الزور عام 2023 حين اندلعت انتفاضة عشائرية واسعة بعد اعتقال قائد مجلسها العسكري– انكشفت هشاشة الولاء العشائري لـ"قسد"، وتحول بعض الحلفاء السابقين إلى خصوم مسلحين. وقد تطور الصراع حينها إلى مواجهة مفتوحة بين قبيلة العقيدات و"قسد"، سرعان ما استقطبت أطرافا خارجية، حيث تدخل التحالف الدولي من جهة، وإيران عبر ميليشياتها المحلية من جهة أخرى، ما أدى في النهاية إلى احتواء المواجهة وفرض تسوية غير مستقرة. ويُظهر ذلك أن علاقة "قسد" بالقبائل لم تنجح في بناء عقد اجتماعي مستدام، بل اقتصرت على مقايضة الولاء بالنفوذ، ما جعلها عرضة للاهتزاز كلما تراجعت المكاسب المادية أو تضاربت المصالح مع التقاليد القبلية.

"الفزعة العشائرية" أعادت إلى الأذهان القوة الكامنة في البنية السورية القبلية، والتي يمكن لها أن تعيد رسم الخرائط السياسية في سوريا

أحداث السويداء.. "فزعة العشائر" تُثير "الفزع"

شكلت الاشتباكات التي حصلت بين البدو وفصائل من السويداء منتصف شهر يوليو/تموز الماضي تحولا حادا في ديناميكيات التعامل مع القبائل/العشائر السورية، حيث امتدت تداعيات اشتباكات فصائل من السويداء مع البدو- وهي اشتباكات متكررة تاريخيا- أبعد من جغرافيا الجنوب السوري، سيما مع تدخل الجانب الإسرائيلي بحجة حماية الدروز وقصفه للعاصمة دمشق، الأمر الذي أثار غضب القبائل السورية وقاد إلى ما أُطلق عليه "فزعة العشائر"، هذه الفزعة التي ضمت عشرات الآلاف من مقاتلي العشائر السورية من كل المناطق، زاحفين بسلاحهم إلى السويداء لمواجهة فصائل السويداء التي واجهت البدو.

تحشيد عشائري أثار قلق دول الإقليم بشكل خاص، والدول العربية والغربية بشكل عام، وذلك أن هذه "الفزعة" لن تكون- حال استمرت لفترة طويلة- ذات تأثير داخلي سوري فحسب، بل ربما امتدت لتطال دول الإقليم المعقد بتركيبته الإثنية والعشائرية، وهو ما سيُلقي بظلاله على الاستقرار الإقليمي، فكثير من قبائل العراق، الأردن، لبنان، وأبعد من ذلك، باتت تتحضر وتُصدر بيانات دعم للفزعة العشائرية السورية.

أ.ف.ب
أفراد من الطائفة الدرزية يحاولون دخول سوريا عبر المنطقة العازلة بين سوريا ومرتفعات الجولان التي ضمتها إسرائيل بالقرب من مجدل شمس في 16 يوليو 2025

"الفزعة العشائرية" أعادت إلى الأذهان القوة الكامنة في البنية السورية القبلية، والتي يمكن لها أن تعيد رسم الخرائط السياسية في سوريا، سواء جنوب البلاد أو شرقها حيث قوات سوريا الديمقراطية تحكم بحرا قبليا لا يمكن الاستهانة بقوة غضبه، هي لحظة فارقة في تاريخ القبيلة السورية الحديث أثارت فضول الباحثين لدراسة تاريخ البدو/القبيلة في المنطقة مرة أخرى، من زاوية جديدة، وهي إمكانية الطوفان الجديد للقبيلة، خصوصا إذا ما كان يستنير بتاريخ النفوذ القديم بمراحل صعوده وضعفه، وتعاقب القوى الكثيرة التي حاولت السيطرة عليه، أو استجراره لمصالحها.  

من زاوية أخرى، يمكن النظر إلى هذه "الفزعة"- إذا ما كانت "فزعة" وطنية سلمية- كقوة سلام مدنية سورية يمكن أن تلعب دورا كبيرا في إعادة الاستقرار السوري، فهي صورة من منظمة مدنية تضم ملايين المتطوعين، سيما أن السواد الأعظم من السوريين تعود أصولهم إلى البنية القبلية/العشائرية، وسوريا اليوم أحوج ما تكون إلى "فزعة" عشائرية-مدنية تُعيد بناء الثقة بين السوريين، وضبط السلاح وتداعياته، وتؤسس لعقد مدني يحفظ كرامتهم ويقود البلاد إلى بر الأمان.

font change