الدروز والبدو جنوب سوريا… تاريخ العداء وجولاته

محاولات لا تتوقف لتفتيت البنية الاجتماعية

رويترز
رويترز
مقاتلون من البدو والعشائر العربية في محافظة السويداء، 18 يوليو

الدروز والبدو جنوب سوريا… تاريخ العداء وجولاته

احتدام الصراع بين بعض فصائل السويداء والبدو في المحافظة، الذي بلغ ذروته خلال منتصف شهر يوليو/تموز الجاري، بالتزامن مع التدخل الإسرائيلي في سوريا واستهدافه العاصمة السورية والجيش والأمن الداخلي بحجة حماية الدروز في سوريا، كان سببا في انفجار توتر أكبر على مستوى سوريا.

هبت العشائر العربية لدعم البدو في مواجهة "المجلس العسكري"، إحدى الفصائل المسلحة الدرزية، وسط مؤشرات بامتداد الصراع وخروجه عن السيطرة والإطار الجغرافي في السويداء، ومخاوف من تحوله إلى صراع بطابع طائفي وعشائري.

هذا التطور أثار مخاوف دول إقليمية من ارتداداته على أراضيها التي تحتضن هي الأخرى عشائر عربية ومكونات درزية، ما عجل بالدعم والضغط الدولي لإنهاء الخلاف وتفعيل جهود الوساطة لتحقيق اتفاق بين الدولة السورية وإسرائيل على وقف إطلاق النار تمهيدا لضبط الأمن في الجنوب السوري الذي شهد وصول عشرات آلاف المقاتلين المدججين بسلاحهم. وأعلنت الرئاسة السورية وقفا فوريا وشاملا لإطلاق النار في محافظة السويداء. وقال الرئيس السوري أحمد الشرع إن "الدولة السورية تمكنت من تهدئة الأوضاع رغم صعوبة الوضع لكن التدخل الإسرائيلي دفع البلاد إلى مرحلة خطيرة تهدد استقرارها نتيجة القصف السافر للجنوب ولمؤسسات الحكومة في دمشق. وعلى أثر هذه الأحداث تدخلت الوساطات الأميركية والعربية بمحاولة للوصول إلى تهدئة الأوضاع".

وأضاف الشرع قائلا: "مع خروج الدولة من بعض المناطق بدأت مجموعات مسلحة من السويداء بشن هجمات انتقامية ضد البدو وعائلاتهم، هذه الهجمات الانتقامية التي ترافقت مع انتهاكات لحقوق الإنسان دفعت باقي العشائر إلى التوافد لفك الحصار عن البدو داخل السويداء".

مجلس الأمن عقد اجتماعا ناقش فيه التطورات الأمنية في سوريا، ودعوات عربية ودولية لوقف القتال فورا ودعم الدولة السورية في جهود ضبط الأمن في المنطقة، ووقف الهجمات الإسرائيلية التي باتت تُعقد المشهد السوري وجهود دعم الاستقرار في البلاد، وتُعمق حالة الفوضى التي يُغذيها انتشار وانفلات السلاح بيد السوريين.

كما صدر بيان عن وزراء خارجية السعودية والأردن والإمارات والبحرين وتركيا والعراق وعُمان وقطر والكويت ولبنان ومصر، يوم 17 يوليو/تموز الجاري أكدوا فيه أن الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة على سوريا هي خرق فاضح للقانون الدولي، واعتداء سافر على سيادتها، واعتبروا أنها تزعزع أمن سوريا واستقرارها ووحدة وسلامة أراضيها ومواطنيها، وتقوض جهود الحكومة لبناء سوريا الجديدة بما يحقق تطلعات وخيارات شعبها.

علاقة تاريخية معقدة

محافظة السويداء يسكنها خليط من السوريين، من دروز، وسنة فيهم البدو، ومسيحيين، فالدروز يتوزعون بشكل رئيس في القنيطرة ومدينة السويداء وبعض القرى التابعة للسويداء، والبدو يتوزعون في أحياء مثل المقوس، المشورب، الحروبي، ورجم الزيتون، إضافة إلى الدياثة والشقراوية، وفي مدينة شهبا وقرى الأصلحة والرحا والكفر وعريقة والمزرعة وولغا وقم والخرسا، كما ينتشرون في مناطق أخرى، وفي بعض الأحيان يكون انتشارهم على شكل رعي الأغنام. وينتشرون في بادية الشام المفتوحة على البادية ومناطق اللجاة. في حين يتوزع المسيحيون بشكل رئيس في مدينة السويداء وشهبا وبلدات مثل القريا وأم الرمان وخربا وغيرها.

يعود الخلاف بين الدروز والبدو في محافظة السويداء إلى عقود من الزمن، وذلك مع بدء هجرة الدروز من لبنان إلى سوريا واتخاذهم منطقة جبل العرب كموطن لهم في القرن الثامن عشر، المنطقة هذه كان يتخذها البدو كمراعٍ لهم وأماكن انتشار جغرافي، ومع مرور الوقت وبدء الدروز العمل بالزراعة بدأت تظهر خلافات بين الطرفين حول الرعي وأحقية استخدام الأراضي والاستفادة منها، خلافات تزايدت وتناقصت خلال عشرات السنوات، وسط محاولات كثيرة بين عقلاء المكونين حل الخلاف، حتى إن البعض بينهم دخل بشراكات اقتصادية في سبيل تقوية العلاقة وتحقيق مصالح مشتركة.

الخلافات أخذت طابع الهدوء مع الثورة السورية الكبرى، حيث وقف الطرفان صفا لصف، وقاتلوا معا، فاتسمت السنوات الطوال بعد الثورة السورية الكبرى بأنها سنوات سلم تخللتها خلافات تتدخل الفعاليات العشائرية والدينية لحلها. إلا أن حقبة حافظ الأسد أخذت منحى أكثر عنفا بين الطرفين، وذلك في رغبة من حافظ الأسد حينها إشعار أهالي السويداء الدروز بالتهديد من البدو وتصدير نفسه كحامٍ لهم، في الوقت الذي كان نظامه يدير تحركات بعض المحسوبين عليه من البدو ضد الدروز في السويداء. والعكس صحيح أيضا، فحافظ الأسد عمل على دعم البدو وتصوير نفسه لهم بأنه هو معهم ويدعمهم، فكانت أجهزة الأمن السورية تخلق المشكلة وتتدخل لحلها.

خلافات تزايدت وتناقصت خلال عشرات السنوات، وسط محاولات كثيرة بين عقلاء المكونين حل الخلاف، حتى إن البعض بينهم دخل بشراكات اقتصادية في سبيل تقوية العلاقة وتحقيق مصالح مشتركة

ومع استلام بشار الأسد الحكم عام 2000 اندلعت إحدى أكبر الإشكالات بين الدروز والبدو والتي روج لها نظام بشار الأسد حينها باسم "أحداث البدو"، وبحسب ما ذكرت كثير من الدراسات والأهالي فإن الإشكالية بدأت عندما وجد الأهالي في السويداء حمارا نافقا في إحدى مقابر السويداء وبعض المضايقات بحقهم من قبل ضباط وعناصر يتبعون للنظام من البدو، ما خلق حالة من الفوضى بين الطرفين تحولت إلى اشتباكات مسلحة، ولأن البدو حينها كانت لهم السلطة العليا من ناحية حيازة السلاح، اضطر الأهالي في السويداء إلى طلب الحماية من النظام حينها، وكادت أن تسبب المظاهرات في السويداء حالة من التمرد ضد النظام، فتدخل حينها وضبط الوضع، وبفعل ذلك تمكن النظام من تعزيز وجوده الأمني والعسكري أكثر وأكثر داخل السويداء، وبدأ باستغلال ورقة حمايتهم من البدو كعامل لضمان هدوئهم وانحيازهم له. وكانت أجهزة النظام الأمنية تستخدم ضباطا من الطرفين في خدمة تأجيج الخلافات وحالات الخطف بين الطرفين، ويتدخل عبر آخرين يتبعون له لحل الخلافات، لتبقى حالة الاستعداد والتوتر موجودة في صفوف البدو والدروز الذين جمعتهم ذات الأرض لعقود طوال.

ومنذ عام 2000 حتى بداية الثورة السورية عام 2011، شهدت العلاقات بين الطرفين توترات واستفزازات وتدخل الوجهاء وأطرف من النظام لحل الإشكال، وكل ذلك يتم بإدارة من قبل أجهزة الأمن السورية. مع اندلاع الثورة السورية وبداية الاشتباكات بين المعارضة السورية والنظام، بدأت الأطراف جميعها تتسلح وتتجهز، ومن بين هذه الأطراف البدو والدروز الذين بذلوا جهودا كبيرة في عمليات التسليح، حتى إن بعض الشخصيات من الطرفين امتهن تجارة السلاح وتهريبه.

أ.ف.ب
مقاتلون بدو وعشائر ينتشرون عند المدخل الغربي لمدينة السويداء، 18 يوليو

البدو انقسموا في توجهاتهم، منهم من وقف على الحياد، والبعض انضم للجيش السوري الحر، وآخرون ذهبوا باتجاه الانضمام لتنظيم "داعش" إضافة إلى مجموعات عملت مع النظام وأفرعه. السويداء حاولت البقاء على الحياد، إلا أن النظام السوري عمل مرات عديدة على زج السويداء في الصراع، بحجة ضرورة حماية أنفسهم من البدو، وبدأ بخلق جماعات مسلحة عديدة داخل السويداء أبرزها الدفاع الوطني والأمن العسكري الذي لعب دورا في تمويل وإنشاء عصابات وجماعات مثل مجموعة درع الشرق ويوسف الباشا وأسياج الجبل وغيرها، كما لعبت قوى أخرى للنظام في خلق مجموعات لها، ففرع أمن الدولة كانت "مجموعة جهاد الجربوع" تتبع له، والمخابرات الجوية تبعت لها "قوات الحق" وعصابات أخرى.

مع اشتداد حالة الصراع بين النظام والمعارضة، دخل "حزب الله" اللبناني على خط تجنيد أفراد له في صفوف البدو والدروز ودعم مجموعات لخدمة أجنداته والعمل في التهريب، ومن بين هذه المجموعات "مجموعة أيمن زهر الدين" و"المقاومة الشعبية"، و"مجموعة عماد شروف"، وغيرها. إضافة إلى التعاون مع عصابات من البدو لخدمته أو التعامل معه في ملفات التهريب.

وفي مواجهة تحركات النظام، وسعيه لتعميق الهوة بين الدروز ومحيطهم البدوي والعشائري، نشأت في السويداء حركة "رجال الكرامة" بقيادة وحيد البلعوس التي وقفت في وجه عمليات التجنيد وإلزام الشباب في السويداء بخدمة العلم، إضافة إلى هدف حماية السويداء من أي تهديد يواجهها، ومع مرور الوقت ونتيجة خلافات داخل حركة "رجال الكرامة" نشأت عنها حركة أخرى تحت اسم "شيخ الكرامة" بقيادة ليث وفهد البلعوس وتحمل ذات الأهداف. ومع بدء انتفاضة السويداء في 2020-2021، ظهرت أيضا جماعة جديدة هي تجمع "أحرار الجبل" بقيادة سلمان عبد الباقي، جميع هذه المجموعات لعبت دورا في الحد من التدخلات بين أبناء المحافظة، وحاولت حل النزاعات بين صفوفهم بالتعاون مع فعاليات من البدو.

صراع القوى على كسب السويداء.. بذريعة البدو

شكل عام 2018 عاما فاصلا في الجنوب السوري، حيث تم التوصل إلى اتفاق بين النظام السوري بدعم ورعاية روسية وبين فصائل المعارضة السورية في الجنوب، ما أطلق عليه حينها اتفاق التسوية الذي بموجبه خرج من الجنوب السوري كل من يرفض التسوية، في حين بقي من رفض الخروج أو قبل بالتسوية، الاتفاق الذي تم التوصل إليه وسط قبول أميركي حينها كان يشترط أن تضمن من خلاله روسيا عدم وجود نفوذ إيراني في الجنوب يهدد أمن إسرائيل.

هذا الشرط خلق حالة من الصراع بين القوى الرئيسة الداعمة للنظام (روسيا/إيران)، وبدأ كل طرف منهما محاولات لتعزيز نفوذه من خلال كسب تأييد المكونات المختلفة في الجنوب، في الوقت نفسه كان يحاول النظام أيضا تثبيت أقدامه كلاعب ثالث في المنطقة، هذا الصراع كان أحد جوانبه محاولات حثيثة من قبل الأطراف الثلاثة الحصول على دعم من الفعاليات في درعا، البدو، الدروز. ونتيجة تضارب الأهداف لدى القوى الثلاث تضاربت معها ديناميكيات التعايش بين البدو والدروز في السويداء. فالميليشيات الإيرانية بدأت محاولات تجنيد في درعا لتأمين بقاء نفوذها في الجبهة الجنوبية المقابلة للجانب الإسرائيلي كورقة قوة، كما عملت على تجنيد شباب من البدو للعمل معها في عمليات التهريب، وفي الوقت نفسه سعت إلى تشكيل عصابات وميليشيات في السويداء تعمل معها وتحاول إقناعها أن الغاية من دعمها حمايتهم من البدو.

مع اندلاع الثورة السورية وبداية الاشتباكات بين المعارضة السورية والنظام، بدأت الأطراف جميعها تتسلح وتتجهز، ومن بين هذه الأطراف البدو والدروز الذين بذلوا جهودا كبيرة في عمليات التسلح، حتى إن بعض الشخصيات من الطرفين امتهن تجارة السلاح وتهريبه

روسيا أيضا عملت على استقطاب الشباب في السويداء للانضمام في الفيلق الخامس، وعملت جاهدة على فتح قنوات تواصل وتنسيق مع حركة "رجال الكرامة" بحجة أنها تسعى للسلم الأهلي والحفاظ على أمن المحافظة، كما عملت في نفس الوقت على زرع الخوف في نفوس الأهالي في السويداء عبر الصمت عن هجمات نفذتها قوى من الفيلق الخامس وبعض البدو على قرى درزية في السويداء، وصمتت أيضا عن رد الجماعات في السويداء على تلك الهجمات.

أما النظام وعبر أجهزته الأمنية فقد عمد إلى تعزيز الخلاف بين البدو والدروز، ودفع لإنشاء ودعم عصابات بين الطرفين تعمل في التهريب والابتزاز، فكانت ذراعه في خلخلة توازنات القوى، وعرقلة جهود كل من روسيا وإيران للتفرد بالجنوب، يُضاف لها الاستفادة من هذه العصابات في عمليات إنتاج وتهريب المخدرات، وخصوصا الفرقة الرابعة وأذرعها في المنطقة.

وفي العام نفسه أيضا، حصلت أقوى هجمات "داعش" ضد الدروز في السويداء والتي راح ضحيتها أكثر من 250 قتيلا من السويداء، هجوم "داعش" الذي حصل يوم 25 يوليو/تموز من عام 2018، وذلك عبر قيام انتحاريين بتفجير أنفسهم في مدينة السويداء وبعض القرى، وليدخل بعدها عناصر التنظيم ويقتلوا المدنيين والمقاتلين في السويداء. هجوم "داعش" استغلته القوى الثلاث، خصوصا مع وجود مزاج لدى بعض الجماعات المسلحة في السويداء متحضر لاتهام البدو بتسهيل عملية وصول "داعش" إلى المنطقة ومشاركتها معها. حلفاء النظام التقطوا ذلك المزاج وحاولوا تعزيزه في خطوات منفردة لكسب ود الأهالي والفصائل في السويداء بحجة مساعدتهم أمام خطر البدو.

وفي عام 2019، عرض النظام السوري على عشائر من البدو مساعدتهم وتسهيل عودتهم إلى قراهم في منطقة الأصفر، مقابل مساعدته والعمل معه سواء في عملياته العسكرية أو عمليات تهريب المخدرات، إلا أن غالبية تلك العشائر رفضت العرض مؤكدة أن عودتهم إلى قراهم في تلك الفترة خطر على السلم الأهلي وعلى عائلاتهم وسط حالة التجييش التي تعيشها المنطقة بين البدو والدروز.

كما برزت تداعيات صراع إيراني-روسي لكسب تأييد السويداء في علاقة البدو والدروز، والتي شهدت توترا عاليا وسط محاولات الأمن العسكري تجنيد عشائر البدو وتقليبهم على الدروز وتشجيعهم على الانضمام إلى الميليشيات المدعومة من إيران، في الوقت الذي تحاول فيه تلك الميلشيات نفسها تجنيد خلايا تتبع لها في السويداء بحجة حمايتهم من البدو. 

عوامل وصراعات محمومة للقوى منذ عام 2018 حتى لحظة سقوط النظام عمقت الخلافات بين الدروز والبدو، وأصبحت العصابات والمجموعات التي تتبع لتلك القوى تقف عقبة في وجه كل جهود شيوخ العقل وشيوخ العشائر وأصحاب الرأي بين الطرفين لتخفيف حدة الخلاف، وارتفعت وتيرة الخطف والاغتيالات بين الطرفين بشكل متزايد خلال السنوات اللاحقة.

عمد النظام عبر أجهزته الأمنية إلى تعزيز الخلاف بين البدو والدروز، ودفع لإنشاء ودعم عصابات بين الطرفين تعمل في التهريب والابتزاز

ومع سقوط النظام، استمرت حالة التوتر بين الطرفين عبر حالات الخطف المتبادل، وعلى الرغم من كل جهود التهدئة التي قامت بها الدولة السورية الجديدة بمساعدة مشايخ العقل وبعض القوى العسكرية في السويداء، وشخصيات عشائرية من البدو، فإن حالة التوتر وصلت حالة انفجار كبير  مطلع شهر يوليو/تموز الجاري، باشتباكات بين "المجلس العسكري" الذي تم تأسيسه بعد سقوط الأسد، وبين عشائر البدو. وعند محاولة الدولة السورية التقدم لحل الخلاف وفرض الأمن، تدخل الجانب الإسرائيلي وقصف مراكز عسكرية وقيادية تتبع للدولة السورية من بينها مبنى هيئة الأركان السورية والقصر الرئاسي في دمشق، ما عقد المشهد كثيرا وخلق حالة من التوتر والغضب بين الأطراف. وخلقت الهجمات الإسرائيلية حالة من الفوضى العامة مع إعلان الدولة السورية سحب قواتها من الجنوب لمنع دخول سوريا "حربا مفتوحة" مع إسرائيل، وقيام مسلحين من "المجلس العسكري" في اليوم التالي بهجمات على قرى البدو في ريف السويداء. وهي هجمات أججت الصراع وتسببت في حالة نفير عام لدى العشائر في سوريا لدعم البدو في مواجهة قوات "المجلس العسكري" في السويداء، وتوتر هدد الأمن الإقليمي بالانفجار نتيجة جو مشحون جدا تعيشه مكونات الدروز في كل من لبنان وإسرائيل، والعشائر العربية في الدول الإقليمية.

رويترز
مقاتلون بدو في الشارع بأسلحتهم، على أثر اشتباكات مع فصائل درزية، في إدلب، سوريا، 18 يوليو 2025

مستقبل الصراع

عقود من الخلافات بين البدو والدروز في السويداء لم تكن ببعد طائفي، فهي بدأت كخلاف اقتصادي محلي، ليصبح ذلك الخلاف عاملا استغلته القوى المتعاقبة على المنطقة، وذلك في خطوة منها للسيطرة على الجنوب السوري من خلال تفتيت البنية العشائرية والعائلية فيه، والعمل مع تلك البنيات بشكل منفرد، تخلق بينها خلافات حينا، وتتدخل لحل تلك الخلافات حينا آخر، لتبقى السويداء عبر عقود من الزمن متوترة، تحاول التعايش فيما بينها، وسط جهود حثيثة من قبل العُقلاء فيها لرأب الصدع الذي لم تتوقف عقود الأسد وخلفاؤه  عن استغلاله وتعميقه لتحقيق لمصالحها.

ومما لا شك فيه أن الاقتتال الأخير بين البدو وبعض فصائل السويداء سيكون له أثر كبير على البنية الاجتماعية والأهلية في المنطقة، خصوصا مع سقوط عشرات القتلى والجرحى بين الطرفين، وتأزيم حالة السلم الأهلي باتهامات متبادلة بين الطرفين بارتكاب جرائم بحق بعضهم البعض، يُضاف إليها شعور لدى كثير من أهالي المنطقة من البدو وبعض المدنيين في مناطق أخرى من سوريا بأن "المجلس العسكري" في السويداء كان سببا في تدخل الإسرائيلي وقصفه للعاصمة دمشق وأرتال من الأمن العام والجيش السوري.

تقف الدولة السورية والسوريون اليوم أمام أحد أبرز الامتحانات على مستوى ترميم الشرخ ورأب الخلاف بين بعض مكونات السويداء ومكونات من البدو، وتخفيف حالة الاحتقان الحاصلة بين السوريين بشكل عام

تقف الدولة السورية والسوريون اليوم أمام أحد أبرز الامتحانات على مستوى ترميم الشرخ ورأب الخلاف بين بعض مكونات السويداء ومكونات من البدو، وتخفيف حالة الاحتقان الحاصلة بين السوريين بشكل عام خصوصا مع سقوط قتلى وجرحى نتيجة الاشتباكات الدامية بين الأطراف على مدار أيام، وحملات التجييش بين الطرفين والتي تُغذيها أطراف داخلية وخارجية ليس من مصلحتها استقرار سوريا.

وهي جهود جماعية تتطلب ضمان تفعيل دور الدولة في المحافظة، ودعم جهودها في ضبط السلاح وإجراء التحقيقات اللازمة لمحاسبة المتورطين بقتل المدنيين على اختلاف توجهاتهم الدينية والاجتماعية، تفعيل وتقوية صوت العقل والفعاليات المدنية والدينية والعشائرية الداعمة للسلم الأهلي، وتمكين جهود المجتمع المدني وبرامج السلم الأهلي وفض النزاعات. وذلك في محاولة لاحتواء الصراع الحالي، وقطع الطريق على كل الأطراف الداخلية والخارجية الساعية لتجديد وتعميق الخلاف الذي يهدد سوريا والإقليم على حد سواء، وضبط تداعيات الاشتباكات الأخيرة وتداعيات التاريخ الطويل من التوتر بين مكونات المحافظة في المستقبل الآمن والمزدهر الذي يسعى السوريون جميعا لتحقيقه.

font change

مقالات ذات صلة