احتدام الصراع بين بعض فصائل السويداء والبدو في المحافظة، الذي بلغ ذروته خلال منتصف شهر يوليو/تموز الجاري، بالتزامن مع التدخل الإسرائيلي في سوريا واستهدافه العاصمة السورية والجيش والأمن الداخلي بحجة حماية الدروز في سوريا، كان سببا في انفجار توتر أكبر على مستوى سوريا.
هبت العشائر العربية لدعم البدو في مواجهة "المجلس العسكري"، إحدى الفصائل المسلحة الدرزية، وسط مؤشرات بامتداد الصراع وخروجه عن السيطرة والإطار الجغرافي في السويداء، ومخاوف من تحوله إلى صراع بطابع طائفي وعشائري.
هذا التطور أثار مخاوف دول إقليمية من ارتداداته على أراضيها التي تحتضن هي الأخرى عشائر عربية ومكونات درزية، ما عجل بالدعم والضغط الدولي لإنهاء الخلاف وتفعيل جهود الوساطة لتحقيق اتفاق بين الدولة السورية وإسرائيل على وقف إطلاق النار تمهيدا لضبط الأمن في الجنوب السوري الذي شهد وصول عشرات آلاف المقاتلين المدججين بسلاحهم. وأعلنت الرئاسة السورية وقفا فوريا وشاملا لإطلاق النار في محافظة السويداء. وقال الرئيس السوري أحمد الشرع إن "الدولة السورية تمكنت من تهدئة الأوضاع رغم صعوبة الوضع لكن التدخل الإسرائيلي دفع البلاد إلى مرحلة خطيرة تهدد استقرارها نتيجة القصف السافر للجنوب ولمؤسسات الحكومة في دمشق. وعلى أثر هذه الأحداث تدخلت الوساطات الأميركية والعربية بمحاولة للوصول إلى تهدئة الأوضاع".
وأضاف الشرع قائلا: "مع خروج الدولة من بعض المناطق بدأت مجموعات مسلحة من السويداء بشن هجمات انتقامية ضد البدو وعائلاتهم، هذه الهجمات الانتقامية التي ترافقت مع انتهاكات لحقوق الإنسان دفعت باقي العشائر إلى التوافد لفك الحصار عن البدو داخل السويداء".
مجلس الأمن عقد اجتماعا ناقش فيه التطورات الأمنية في سوريا، ودعوات عربية ودولية لوقف القتال فورا ودعم الدولة السورية في جهود ضبط الأمن في المنطقة، ووقف الهجمات الإسرائيلية التي باتت تُعقد المشهد السوري وجهود دعم الاستقرار في البلاد، وتُعمق حالة الفوضى التي يُغذيها انتشار وانفلات السلاح بيد السوريين.
كما صدر بيان عن وزراء خارجية السعودية والأردن والإمارات والبحرين وتركيا والعراق وعُمان وقطر والكويت ولبنان ومصر، يوم 17 يوليو/تموز الجاري أكدوا فيه أن الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة على سوريا هي خرق فاضح للقانون الدولي، واعتداء سافر على سيادتها، واعتبروا أنها تزعزع أمن سوريا واستقرارها ووحدة وسلامة أراضيها ومواطنيها، وتقوض جهود الحكومة لبناء سوريا الجديدة بما يحقق تطلعات وخيارات شعبها.
علاقة تاريخية معقدة
محافظة السويداء يسكنها خليط من السوريين، من دروز، وسنة فيهم البدو، ومسيحيين، فالدروز يتوزعون بشكل رئيس في القنيطرة ومدينة السويداء وبعض القرى التابعة للسويداء، والبدو يتوزعون في أحياء مثل المقوس، المشورب، الحروبي، ورجم الزيتون، إضافة إلى الدياثة والشقراوية، وفي مدينة شهبا وقرى الأصلحة والرحا والكفر وعريقة والمزرعة وولغا وقم والخرسا، كما ينتشرون في مناطق أخرى، وفي بعض الأحيان يكون انتشارهم على شكل رعي الأغنام. وينتشرون في بادية الشام المفتوحة على البادية ومناطق اللجاة. في حين يتوزع المسيحيون بشكل رئيس في مدينة السويداء وشهبا وبلدات مثل القريا وأم الرمان وخربا وغيرها.
يعود الخلاف بين الدروز والبدو في محافظة السويداء إلى عقود من الزمن، وذلك مع بدء هجرة الدروز من لبنان إلى سوريا واتخاذهم منطقة جبل العرب كموطن لهم في القرن الثامن عشر، المنطقة هذه كان يتخذها البدو كمراعٍ لهم وأماكن انتشار جغرافي، ومع مرور الوقت وبدء الدروز العمل بالزراعة بدأت تظهر خلافات بين الطرفين حول الرعي وأحقية استخدام الأراضي والاستفادة منها، خلافات تزايدت وتناقصت خلال عشرات السنوات، وسط محاولات كثيرة بين عقلاء المكونين حل الخلاف، حتى إن البعض بينهم دخل بشراكات اقتصادية في سبيل تقوية العلاقة وتحقيق مصالح مشتركة.
الخلافات أخذت طابع الهدوء مع الثورة السورية الكبرى، حيث وقف الطرفان صفا لصف، وقاتلوا معا، فاتسمت السنوات الطوال بعد الثورة السورية الكبرى بأنها سنوات سلم تخللتها خلافات تتدخل الفعاليات العشائرية والدينية لحلها. إلا أن حقبة حافظ الأسد أخذت منحى أكثر عنفا بين الطرفين، وذلك في رغبة من حافظ الأسد حينها إشعار أهالي السويداء الدروز بالتهديد من البدو وتصدير نفسه كحامٍ لهم، في الوقت الذي كان نظامه يدير تحركات بعض المحسوبين عليه من البدو ضد الدروز في السويداء. والعكس صحيح أيضا، فحافظ الأسد عمل على دعم البدو وتصوير نفسه لهم بأنه هو معهم ويدعمهم، فكانت أجهزة الأمن السورية تخلق المشكلة وتتدخل لحلها.