"حزب الله" يصر على تهريب أسلحته المخزنة في سوريا

تحديات جغرافية وأمنية تعيق السيطرة السورية على كامل الحدود

رويترز
رويترز
جنود سوريون يجلسون فوق دبابة أثناء توجههم نحو الحدود السورية اللبنانية بعد اشتباكات مع جنود لبنانيين وجماعات مسلحة، في القصير، سوريا، 17 مارس 2025

"حزب الله" يصر على تهريب أسلحته المخزنة في سوريا

منذ سقوط النظام السوري، تستمر محاولات "حزب الله" اللبناني لاسترجاع كميات كبيرة من سلاحه المخزن في سوريا، إضافة إلى أسلحة كانت تابعة لجيش النظام السوري والمُخزنة في مواقع جغرافية ما زالت الحكومة السورية تحاول بسط سيطرتها عليها. عمليات التهريب التي تتم عبر الحدود السورية-اللبنانية على الرغم من تراجع وتيرتها مقارنة بفترة ما قبل سقوط النظام، إلا أنها ما زالت مستمرة وبتركيز أكثر من ناحية نقل السلاح من سوريا إلى لبنان، فيما تتم عمليات تهريب المخدرات من لبنان نحو سوريا، وذلك بحسب معلومات "المجلة".

"حزب الله" الذي قرر الوقوف في وجه مساعي الحكومة اللبنانية لحصر السلاح بيد الدولة، وهي مساعٍ تتماشى مع مطالب عربية وغربية، على رأسها الولايات المتحدة الأميركية، يسعى لتدعيم موقفه داخليا والتحضير لمواجهة محتملة مع إسرائيل، ومع وجود هذا الاحتمال يحتاج "الحزب" إلى سلاحه الموجود في سوريا، يضاف إليه سلاح النظام والميليشيات الإيرانية المخزنة سابقا في أماكن يعلم مكانها "الحزب"، خصوصا وأن الهجمات الإسرائيلية أفقدت "الحزب" مخزونا كبيرا من ترسانته العسكرية المخزنة منذ زمن في لبنان.

وبحسب معلومات "المجلة" فإنه خلال الأسابيع الثمانية الماضية استطاعت الدولة السورية إحباط نحو 13 محاولة تهريب من داخل سوريا إلى الجانب اللبناني، غالبيتها كانت شحنات أسلحة، فيما يعتقد مسؤولون في الأمن الداخلي أن الدولة السورية باتت قادرة على السيطرة على أكثر من 75 في المئة من الحدود التي تصل سوريا بلبنان، لكن في الوقت ذاته تبقى الفجوات الأمنية موجودة في الحدود السورية-اللبنانية المطلة على حمص والساحل السوري، وذلك نتيجة الجغرافيا الصعبة للمنطقة، فضلا عن عدم استقرار تلك المناطق أمنيا بشكل كامل. وبدرجة أقل الحدود السورية اللبنانية المُطلة على القلمون السوري في ريف دمشق، سيّما وأنها مناطق تنشط فيها عمليات التهريب لعشرات السنوات.

"حزب الله" لا يحاول فقط نقل السلاح من سوريا إلى لبنان، بل أيضا يعمل بالتنسيق مع العصابات السورية لتهريب المخدرات من لبنان إلى سوريا

صعوبات جغرافية بإمكانيات محدودة

مصادر "المجلة" أكّدت أن عمليات التهريب التي تتم من سوريا إلى لبنان هي عمليات تهريب أسلحة بشكل عام، وفي بعض الأحيان تكون عمليات تهريب أشخاص كانوا في صفوف النظام السوري السابق، موضحة أن من بين شحنات الأسلحة التي استطاعت الدولة السورية اعتراضها كانت تحتوي صواريخ غراد، وأسلحة خفيفة ومتوسطة، وذخيرة، وفي بعض الأحيان كانت الشحنات تحتوي على صواريخ خارقة للدروع.

وتضيف المصادر أن جهود الحكومة الحثيثة لضبط الأمن على الحدود تواجه عقبات من ناحية عدد العناصر والإمكانيات المتوفرة لكشف عمليات التهريب، حيث تقتصر الامكانيات على الدوريات المتعاقبة، الدرونات، والإخباريات التي تصل للأمن الداخلي عن محاولات التهريب، كما أن طبيعة الجغرافيا الجبلية الصعبة للحدود السورية-اللبنانية في منطقة أرياف حمص، وطرطوس، ومنطقة القلمون تحدّ قدرة الدولة السورية على ضبط الحدود.

أ ف ب
صورة التقطت في 2 أغسطس 2017 خلال جولة نظمها "حزب الله" في بلدة فليطة بالقرب من الحدود اللبنانية السورية

وتنشط عمليات تهريب السلاح من سوريا إلى لبنان عبر ثلاث مناطق رئيسة، ففي محافظة حمص تنتشر علميات التهريب في القصير، تلكلخ، والمناطق المحاذية لها، وفي طرطوس تنشط بالقرب من منطقة بني نعيم والقرى القريبة منها، أما في القلمون فتنتشر بالقرب من الزبداني وعسال الورد. وجميع هذه المناطق تتسم بأنها مناطق جبلية وعرة، وهي خطوط تهريب مستخدمة منذ عقود، واعتمد عليها "حزب الله" والفرقة الرابعة التابعة لماهر الأسد سابقا لسنوات طويلة في عمليات تهريب السلاح والمخدرات بين البلدين. وما يُعقّد جهود الدولة السورية إضافة للجغرافيا، هي استخدام هذه المناطق من قبل مهربين محليين يتعاملون مع "حزب الله" منذ سنوات ويحيطون بكل تعقيدات هذه الجغرافيا الصعبة، إضافة إلى معرفتهم بنشاط حرس الحدود اللبناني في تلك المناطق، يُضاف إليها تعقيد آخر هو استخدام هذه الطرق من قبل مهربين يعملون في تهريب المواد الغذائية أو الوقود، ونتيجة كثرة عمليات التهريب هذه فإن مقدرات الدولة السورية البشرية تواجه عقبات على سبيل استنزاف الموارد المتاحة وصعوبة مواجهة عدد كبير من عمليات التهريب في آن واحد.

تحاول الحكومتان السورية واللبنانية زيادة التنسيق بينهما لضبط الحدود، سواء على مستوى تبادل المعلومات عن عمليات التهريب، أو تبادل المعلومات عن أسماء المتورطين في هذه العمليات والمتواجدين في الداخل السوري أو اللبناني. وبحسب المعلومات فإن البلدين يحاولان إيجاد أنجح الطرق لوقف عمليات التهريب أو مواجهة تلك العمليات الكبرى على الأقل (السلاح والمخدرات) في المرحلة الأولى.

"حزب الله" لا يحاول فقط نقل السلاح من سوريا إلى لبنان، بل أيضا يعمل بالتنسيق مع العصابات السورية لتهريب المخدرات من لبنان إلى سوريا، وهو ما تدرك خطورته أيضا الدولة السورية وتعمل جاهدة لتعزيز قوات مكافحة الإرهاب بالمقدرة البشرية والتدريبية، وفي هذا السياق قامت بتخريج دفعة كبيرة من العناصر خلال شهر أغسطس/آب الجاري في مدينة حارم بريف إدلب، وذلك بحضور وزير الداخلية السوري أنس خطاب، ووفود عراقية وخليجية، سيّما أن ملف تهريب المخدرات يقع في أولويات الدولة السورية، وهو الأمر الذي أشار إليه الرئيس الشرع من الجامع الأموي بدمشق في أول كلمة له بعد دخول قوات ردع العدوان العاصمة دمشق وهروب بشار الأسد إلى روسيا يوم 8 ديسمبر/كانون الأول الماضي.  

العمليات التي تتم ضد الأمن الداخلي هي هجمات منفردة وغير منظمة، وتقف أطراف عدّة وراء هذه الهجمات، كمجموعات محلية غاضبة من أحداث الساحل لذلك تريد الانتقام

وكانت الدولة السورية قد أعلنت خلال الأسابيع الماضية عن اعتراض عدّة عمليات تهريب أسلحة نحو لبنان، ففي يوم 26 أغسطس/آب الماضي أعلنت الداخلية السورية أنها أحبطت عملية تهريب مخدرات من لبنان إلى سوريا، وصادرت كميات كبيرة من المخدرات في منطقة سرغايا في ضواحي الزبداني، وصرّح قائد الحدود الغربية في الإدارة العامة لحرس الحدود المقدم مؤيد السلامة قائلا إن حرس الحدود في منطقة سرغايا  "نصب كمينا محكما لضبط شحنة مواد مخدرة كانت متجهة نحو الأراضي السورية". وأضاف أنه "عند وصول المهربين اللبنانيين إلى الموقع المذكور، بادروا بإطلاق النار على المهرب السوري وعناصر حرس الحدود، مما أدى إلى وقوع اشتباك أسفر عن مقتل مهرب لبناني، وإلقاء القبض على آخر بعد إصابته".
وفي نهاية شهر يوليو/تموز الماضي أعلنت الداخلية السورية عن مداهمة في منطقة القصير بريف حمص استهدفت "مستودعا يحوي كمية من الأسلحة المتوسطة والذخائر المتنوعة"، كما أعلنت يوم 19 أغسطس/آب عن توقيف "سيارة محمّلة بصواريخ غراد كانت معدة للتهريب باتجاه الحدود اللبنانية".

"حزب الله" يعبث بأمن الساحل السوري

الحكومة السورية لا ترى خطورة "حزب الله" ضمن إطار عمليات تهريب السلاح والمخدرات فحسب، بل إنها تحاول مواجهة خلاياه ضمن الجغرافيا السورية أيضا، سيّما وأن أجندات "الحزب" تتضمن إبقاء منطقة الساحل السوري والحدود السورية-اللبنانية غير مستقرة أمنيا، كون أن هذا الاستقرار ستكون تداعياته كبيرة عليه. وقالت مصادر "المجلة" إن كثيرا من خلايا النظام السابق التي تم إلقاء القبض عليها في ريف جبلة، أظهرت تنسيقا بينها وبين "حزب الله" أو شخصيات من ضباط النظام السوري الذين هربوا إلى لبنان والعراق.

أ.ف.ب.
جندي لبناني يقف بالقرب من الحدود السورية اللبنانية، في العريضة، 9 ديسمبر 2024

وتشير المصادر أيضا إلى أن منطقة ريف جبلة فيها كميات سلاح كبيرة مخبأة تحاول الدولة السورية الوصول إليها إلا أن هذه المحاولات تتخللها عقبات أبرزها أن المنطقة جبلية ووعرة، والبنية الطرقية فيها هشّة، لذلك فإن الطبيعة الجغرافية للمنطقة وضعف المعلومات الاستخباراتية يمنعان قوات الأمن الداخلي من التحرك بحرية أو القيام بدوريات مكثفة، فذلك سيُعرضهم لهجمات قاتلة من قبل بقايا النظام والعصابات الموجودة في المنطقة التي لها ارتباط بـ"حزب الله" اللبناني. لذلك تكون الدوريات التي تقوم بها وزارة الداخلية هي في مدينة جبلة (المركز)، مع بعض الدوريات الخفيفة في الأرياف القريبة من المدينة.

العمليات التي تتم ضد الأمن الداخلي في أرياف جبلة هي هجمات منفردة وغير منظمة، بحسب مصادر "المجلة"، وتقف أطراف عدّة وراء هذه الهجمات، كمجموعات محلية غاضبة من أحداث الساحل لذلك تريد الانتقام، أو عناصر من النظام السابق لا يرون أملا في التسويات مع الدولة كون أنهم ارتكبوا جرائم بحق المدنيين زمن الأسد، لذلك هم يشنون هجمات لمنع الدولة من بسط الاستقرار في المنطقة، أو مجموعات مرتبطة بإيران و"حزب الله"، فبعض الذين تم إلقاء القبض عليهم قالوا خلال التحقيقات إنهم يتواصلون مع قادة من "حزب الله" وقادة في الميليشيات الإيرانية الموجودة في العراق.

وفي 13 يوليو/تموز أعلنت الداخلية السورية عن إلقاء القبض على محمود فاضل في محافظة حمص، وقالت إن  فاضل كان "يعتزم تنفيذ عمليات إرهابية في المنطقة"، وأوضحت أن "التحقيقات الأوّلية" كشفت "ارتباط الموقوف بخلية تتبع لميليشيا حزب الله"، لتتبعها بعد أيام عملية أخرى في 27 يوليو في اللاذقية أسفرت عن اعتقال خلية يتزعمها ماهر حسين علي والذي قالت الداخلية السورية إنه "متورط في تنفيذ هجمات سابقة استهدفت مواقع تابعة للأمن الداخلي، وكان بصدد الإعداد لهجمات جديدة تستهدف مواقع عسكرية وأمنية في محافظة اللاذقية". وبحسب الداخلية السورية فإن هذه الخلية تُنسق بشكل "مباشر" مع "ماهر الأسد والوضاح سهيل إسماعيل"، إلى جانب "تلقي دعم لوجستي مباشر" من "حزب الله" وميليشيات طائفية أخرى.

خطوات الحكومة السورية تعكس الرغبة الحثيثة عندها لإنهاء ملفي التهريب، ومحاولة عبث "حزب الله" في الداخل السوري

جهود لاحتواء السيناريو الأسوأ

تبذل الحكومة السورية جهودا كبيرة للحد من عمليات التهريب عبر الحدود، وضبط الأمن الداخلي في المنطقة الساحلية، ونتيجة حساسية الموقف في المنطقة الساحلية، وعدم رغبة الدولة السورية بتكرار مأساة مارس/آذار الماضي- التي بدأت بهجوم منظم شنّه عناصر النظام السابق على الأمن العام (حاليا الأمن الداخلي)، تبعته اشتباكات واسعة النطاق شاركت بها أطراف سورية عديدة وأسفرت عن وقوع عمليات قتل كبيرة بحق المدنيين- لذلك فإن دمشق في الوقت الحالي تدرس عدّة خيارات يمكن أن تساعدها في ضبط المنطقة دون فوضى، وعلمت "المجلة" أن الدولة السورية قد تبدأ قريبا بفتح باب الانتساب للأمن العام والجيش في المنطقة الساحلية، ليكونوا عونا لها كونهم أبناء المنطقة ويعلمون جغرافيتها وأهلها من جهة، بالإضافة إلى أنهم جزء من نسيجها الاجتماعي والديني من جهة أخرى.

أ.ب
تتمركز قوات سورية في قرية حوش السيد علي، الواقعة على بُعد كيلومترين (1.24 ميل) من الحدود اللبنانية، سوريا في 17 مارس 2025

إضافة إلى ذلك، تضع الدولة السورية ضمن خطتها العمل المكثّف مع المخاتير في المنطقة، والشخصيات الدينية العلوية الذين لم يكن لهم دور زمن النظام في التحشيد الطائفي، وتعتقد الدولة أن هؤلاء يمكن أن يكونوا جسر تواصل مع أهالي المنطقة لكسر جليد التعقيد بين الطرفين وبناء جسور تواصل وتفاهم وسلام بينهم. كما تدرس الدولة السورية إعادة نسبة كبيرة من الموظفين المدنيين/الإداريين الذين تم إعفاؤهم من مهامهم خلال الفترة الماضية بعد سقوط النظام، لأن النسبة الكبرى من الأهالي في المنطقة الساحلية تعتمد على الراتب الشهري للعيش، وفي حال استمرت حالة البطالة التي يعيشونها فإن ذلك قد يؤدي إلى انضمامهم للمجموعات العسكرية المناهضة للدولة مقابل الرواتب الشهرية.

خطوات الحكومة السورية تعكس الرغبة الحثيثة عندها لإنهاء ملفي التهريب، ومحاولة عبث "حزب الله" في الداخل السوري، وذلك من خلال تأمين المنطقة الحدودية والحدّ من مخاطر هذه المناطق على الأمن السوري من جهة، والأمن الإقليمي من جهة أخرى. إلا أن الحاجة الماسة للموارد البشرية العسكرية والأمنية وفي حال قبول المنتسبين دون التدقيق المكثف في خلفياتهم وارتباطاتهم قد يكون مفتاحا جديدا لكثير من القوى السورية المناهضة للدولة أو تلك المدعومة من إيران.

font change