لا يفترض القول أن لبنان تجاوز قطوعا أمنيا الثلاثاء على اعتبار أن "حزب الله" لم يقم بتحركات تصعيدية "نوعية" في الشارع بالتزامن مع الجلسة الحكومية المخصصة لمناقشة حصرية السلاح بيد الدولة. بل إن ما أظهرته التطورات يشير إلى أن "حزب الله" لم يعد في مقدوره التصعيد كما كان يفعل سابقا، أو أنه يحسب ألف حساب لأي تصعيد في الداخل اللبناني على غرار هجوم 7 مايو/أيار 2008. فالجيش اللبناني نفذ انتشارا واسعا في العاصمة بيروت أمس، وحصر تحركات مناصري "الحزب" الاستعراضية ضمن نطاق الضاحية الجنوبية لبيروت، ولم يسمح لها بالعبور إلى سائر مناطق العاصمة وشوارعها وأحيائها كما كان يحصل سابقا، وهذا تطور لافت في سلوك الدولة والجيش مع هكذا تحركات يؤشر إلى دخول لبنان مرحلة جديدة.
هذه المرحلة دل عليها الثلاثاء استبدال اسم جادة تؤدي إلى مطار بيروت الدولي من حافظ الأسد إلى زياد الرحباني الفنان اللبناني الشهير الذي توفي الأسبوع الماضي، وهذا إجراء ما كان يمكن تصوره لو لم تتبدل الأوضاع في كل من سوريا ولبنان. والواقع أن لبنان تحت حكم "حزب الله" كان أكثر تعبيرا من سوريا عن "الإرث السياسي" لحافظ الأسد، خصوصا بعد انشغال النظام السوري السابق في الحرب الأهلية وانهيار منظومته السياسية والإعلامية، بينما استطاع "حزب الله" أن يقيم "صروحا" سياسية وإعلامية تولت الترويج لأدبيات الممانعة التي سيطرت على المجالين الإعلامي والسياسي في كلا البلدين لردح طويل من الزمن وخصوصا أن الأمين العام السابق لـ"حزب الله" حسن نصرالله، بما كان يمتلكه من قدرات خطابية كان يشكل رافعة رئيسة لهذا الخطاب. وإن كان هذا الخطاب مسنودا إلى منظومة أمنية وليس إلى منهجية إقناع!