في جلسة تلفزيونية، قبل أكثر من ثلاثين عاما، حكت الصحافية والأديبة المصرية صافي ناز كاظم عن المرة الأولى التي قررت فيها الكتابة: "بدأت حياتي الأدبية عندما قررت كتابة رواية -على حسب الموضة الأدبية وقتها- أسميتها آنذاك ’الطريق إلى منزلي’". لم تكتمل تلك الرواية: "فهمت أن الطريق إلى منزلي ذلك كان في عقلي سيؤدي إلى مستشفى المجانين". يبدو هذا المجاز مناسبا للبدء في سرد قصة صحافية وأديبة ربما هي بين الأكثر إنتاجا وجدلا في الوسط الثقافي المصري. سيدة تحركت سياسيا بين أقصى اليسار واليمين، وفنيا بين المسرح والسينما والموسيقى، لم يحتوها شيء ولم تقف في منطقة آمنة، لذلك يصعب الحديث عن نتاجها كله بعد مسيرة تجاوزت الثمانين عاما، توجتها بكتابها الأخير "رؤى وذات" الصادر حديثا عن "دار الشروق"، الذي يقدم سيرتها الشخصية في شكل مختلف نوعا ما عن المعتاد.
حتى من لم يسبق له الاطلاع على أعمال صافي ناز كاظم، فغالب الأمر أن يكون قد صادفها في برنامج تلفزيوني أو سمع شذرا بعض "طلقات" الرصاص الكلامية التي أدلت بها في غالبية المرات التي طلب رأيها فيه. وربما هذه المسألة تقف على عتبة أي حديث عن هذه السيدة، إذ تصبح تلك المعرفة المقتضبة التي تسبق معرفتها الحقيقية بالفعل حجابا أمام أكثر القراء الذين يتحدثون عن تعليقاتها "النارية" أو يصفونها بأنها "خفيفة الظل" أكثر مما يتكلمون على مشروعها الحقيقي.
كتاب "رؤى وذات" يبدو اسما على مسمى، ففي أربعين فصلا تقدم كاظم خلاصة مواقفها وأفكارها في الصحافة والفن والكتابة والنقد والثقافة، تجري في اتجاهات متفرقة باختيار نماذج من هنا وهناك. تروي قصتها منذ فترة الطفولة وحتى ما بعد التقاعد. وتصحب القارئ في جولة داخل مكاتب المؤسسات الصحافية والقائمين عليها بما لهم وما عليهم. تروي تجاربها الكاشفة مع رؤساء تحرير وزملاء وكتاب وفنانين لتقدم نظرة مختلفة عن الشهير والمغمور من أبناء جيلها. كل ذلك من خلال بروفايل فردي لكل شخصية تختار الحديث عنها. تبحث فيهم وخلالهم عن كل شيء يشبع نهمها.
ذات باحثة
تروي كاظم إذن سيرتها من خلال الشخصيات التي عرفتها، وليس من خلال الحديث المباشر عن نفسها، فهي تحكي عن نفسها وجيلها ومسيرتها معا، دون تمييز بين التشابكات والاختلافات، وهي تتحمل كامل المسؤولية انطلاقا من أنها مجرد "رؤى" لا تحمل سياقات تذكر سوى "ذات" كاتبتها.