منذ ولادته في العام 1985 بقرية زراعية بريف الرقة على ضفة الفرات الشرقية، حتى التحاقه بـ"جبهة النصرة" الإسلامية السلفية الجهادية في العام 2013، كان اسمه محمد. وكانت "النصرة" الفرع السوري لتنظيم "القاعدة" وفصيلا من فصائل الثورة السورية المسلحة ضد نظام الأسد، بعد أقل من سنة على اندلاعها سلمية في مطالع العام 2011. ومنذ التحاقه بالجبهة الجهادية المسلحة، ألفى اسمه الجديد أبو عبيدة - اسمه القديم محاه، إلا حينما يذكر في دائرته العائلية وبين أهله ومعارفه بقريته التي انقطع وغاب عنها، ولم يعد إليها سوى مرتين أو ثلاث، زائرا عابرا وغريبا، منذ العام 2012. وكانت غربته تلك اجتماعية، ذهنية وسلوكية وأخلاقية ولغوية. وقد استدخلها في نفسه وشخصيته إسلامه الجهادي الجديد الذي انقطع إليه، فقطعه عن بيئة أهله ومجتمعه المسلم إسلاما تقليديا، عاديا ومتوارثا. وقطعه أيضا عن نفسه وغربه عنها: ربما في سجن تدمر الأسدي أولا، وبعد خروجه منه تاليا، والتحاقه الفوري بـ"جبهة النصرة" في ملاذاتها أو معاقلها الجبلية القريبة من مدينة بانياس على الساحل السوري.
السجن مدرسة جهادية؟
كانت السجون البعثية الأسدية السورية، والأخرى البعثية الصدامية العراقية، وكذلك التدمير المديد الذي أنزله النظامان البعثيان بمجتمعات البلدين واجتثاثهما السياسة منهما، قبل عقود من دبيب الحروب الأهلية الإقليمية والدولية فيهما، كانت هذه كلها، متلاحقة ومجتمعة، من محفزات وتوسع انخراط شبان من البلدين وسواهما في إسلام سلفي جهادي مسلح ومقاتل، على ما بينت شهادات وأبحاث كثيرة.
أما من كان محمدا وصار ابا عبيدة، فهو اليوم (أغسطس/ آب 2025) ضابط متنفذ في "هيئة تحرير الشام" بدمشق، التي يقيم فيها ببيوت ثلاثة مع زوجاته الثلاث. وهذا حسب شهادة شقيقه الأصغر الذي رواها لنا ببيروت، حيث يقيم ويعمل في ضاحيتها الجنوبية، منذ 10 سنوات، وزار أخاه البكر مرات في العاصمة السورية، بعد سقوط نظام الأسد وزواله في نهاية العام 2024.
مصالحة بين الجهادية والمجتع؟
والأرجح أن أبا عبيدة نسي اسمه القديم الذي أطلقه عليه أهله نسيانا تاما، بعدما عاش فيه حياته وتلبسه منذ ولادته، وبه تعرف إلى نفسه وشخصيته قبل خروجه منهما وعليهما ولفظه إياهما، وتركهما تضيعان وتتبددان، ليولد من جديد في الـ28 من عمره، إسلاميا سلفيا جهاديا، شارك في تحرير سوريا من الأسد ونظامه.
لكن يبدو أن غربة وانفصال أبي عبيدة وأمثاله عن أنفسهم وشخصياتهم السابقة، تلك التي كانت تلازم أسماءهم التي أطلقها عليهم أهلهم، وكذلك غربتهم وانفصالهم عن أهلهم وفئات واسعة من عامة السوريين المسلمين إسلاما عاديا، تقليديا ومتوارثا، قد بدآ بالتقلص والضمور. وهذا أقله منذ زوال نظام الأسد، وتولي "هيئة تحرير الشام" والفصائل المسلحة المتحالفة معها، السلطة في دمشق.
وها أبو محمد الجولاني، قائد الهيئة السلفية الجهادية ورائدها في إدلب، يتخلى عن اسمه السلفي هذا، ويستعيد الاسم الذي أطلقه عليه أهله، أحمد الشرع، ليصير رئيس الجمهورية السورية الانتقالي في دمشق ومن دمشق. وقد تخلى الشرع أيضا، أقله رسميا وإعلاميا، عن لباسه ولغته الجهاديين السابقين.