عرض شي جين بينغ العسكري

عرض شي جين بينغ العسكري

استمع إلى المقال دقيقة

أثار العرض العسكري القوي الذي نظمه الرئيس الصيني شي جين بينغ بمناسبة الذكرى الثمانين لانتصار الصين على اليابان في الحرب العالمية الثانية تكهنات بأن نظاما عالميا جديدا بدأ يتشكل، وأن بكين تسعى لتولي دور القيادة فيه.

وقد عزز حضور الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون، الذي سافر إلى القمة على متن قطاره المصفح الخاص، الشعور بأن هناك اصطفافا جديدا بدأ يتبلور في الشؤون الدولية.

وظهر بوتين وكيم في لقطات مصورة إلى جانب شي خلال العرض العسكري الضخم الذي أقيم في بكين بهذه المناسبة، حيث استعرضت القوات المسلحة الصينية أسلحتها الأكثر تطورا، بما في ذلك أجيال جديدة من طائرات الشبح والصواريخ الباليستية، إضافة إلى طائرات مسيرة بحرية قادرة على حمل رؤوس نووية.

ورغم تأكيد شي أن نوايا الصين سلمية بالكامل، لم يشك المراقبون الغربيون لحظة في أن الهدف من وراء هذا الاستعراض للقوة العسكرية كان توجيه رسالة واضحة إلى الولايات المتحدة وحلفائها، مفادها أن هيمنتهم الطويلة على الساحة العالمية باتت تواجه تحديا جديا من قوة منافسة تتمركز في بكين لا في واشنطن.

وفي خطاب ألقاه من بوابة السلام السماوي في بكين، أمام حشد ضم 26 قائدا من دول معظمها غير غربية، أعلن شي تصميمه على السعي نحو عالم أكثر سلما.

وقال: "إن الشعب الصيني سيقف بثبات على الجانب الصحيح من التاريخ، وعلى جانب التقدم الإنساني، وسيتمسك بطريق التنمية السلمية، ويتكاتف مع بقية العالم لبناء مجتمع المستقبل المشترك للبشرية".

ولإيصال هذه الرسالة، حلّقت الطائرات الحربية الصينية في سماء المنطقة، وحملت المروحيات لافتات كُتب عليها: "العدالة ستسود"، "السلام سيسود"، و"الشعب سينتصر".

رغم تأكيد شي أن نوايا الصين سلمية بالكامل، لم يشك المراقبون الغربيون لحظة في أن الهدف من وراء هذا الاستعراض للقوة العسكرية كان توجيه رسالة واضحة إلى الولايات المتحدة وحلفائها

ولم يمر هذا الاستعراض القوي للقوة العسكرية الصينية مرور الكرام على الرئيس الأميركي دونالد ترمب، الذي بدا مستاء من حضور كل من بوتين وكيم للعرض. وقد توجه الزعيم الأميركي إلى وسائل التواصل الاجتماعي ليؤكد على المساهمة الحيوية التي قدمها الجيش الأميركي لجهود الصين الحربية خلال الحرب العالمية الثانية، مشددا على أن تلك المساهمة لعبت دورا رئيسا في تمكين الصينيين من إعلان النصر عام 1945.

وكتب ترمب: "السؤال المهم الذي يجب الإجابة عليه هو ما إذا كان الرئيس شي سيذكر حجم الدعم الهائل و'الدم' الذي قدمته الولايات المتحدة الأميركية للصين لمساعدتها في نيل حريتها من غازٍ أجنبي معادٍ".

وأضاف: "سقط الكثير من الأميركيين في سبيل انتصار الصين ومجدها... أتمنى للرئيس شي والشعب الصيني الرائع يوم احتفال عظيم ودائم".

وختم قائلا: "رجاء، انقلوا تحياتي الحارة إلى فلاديمير بوتين وكيم جونغ أون، بينما تتآمرون ضد الولايات المتحدة الأميركية".

إن الظهور اللافت لبوتين في الحدث الذي أقيم في بكين قد يدفع ترمب إلى إعادة التفكير، بينما يواصل جهوده لإنهاء الصراع في أوكرانيا، وهي مبادرة لم تحقق حتى الآن أي نجاح يُذكر.

فبعد قمته المباشرة مع بوتين في ألاسكا الشهر الماضي، أعرب ترمب عن ثقته بأن المحادثات قد تفضي إلى انفراجة في جهود واشنطن لفرض وقف لإطلاق النار في النزاع الأوكراني، المستمر منذ أكثر من ثلاث سنوات ونصف وخلف أكثر من مليون ضحية. وقد اختتم ترمب قمته مع بوتين بالتأكيد على أنه حقق "تقدما كبيرا" في السعي لإنهاء النزاع، رغم أن التطورات اللاحقة أوحت بخلاف ذلك. فعوضا عن إبداء أي استعداد لوقف الهجوم العسكري الروسي، اختار بوتين التصعيد بعد اجتماع ألاسكا، إذ واصلت القوات الروسية شن هجمات مكثفة بالصواريخ والطائرات المسيّرة على أهداف أوكرانية.

رغم أنه من غير المرجح أن يوافق زيلينسكي على لقاء الزعيم الروسي في موسكو، فإن مجرد تفكير بوتين في عقد هذا اللقاء يُعد إشارة إلى أن اجتماعا بين الزعيمين لا يزال خيارا قائما

وقد ساهم الدعم الذي يتلقاه بوتين من كل من الصين وكوريا الشمالية في تعزيز قدرته على مواصلة العمليات العسكرية، إذ يُقدّر أن كوريا الشمالية أرسلت نحو 15 ألف جندي للقتال على الجبهة الروسية.

ورغم ذلك، يؤكد ترمب أنه لا يزال ملتزما بحل النزاع، وقد صرح هذا الأسبوع لقناة "سي بي إس" بأن المحادثات قد وصلت إلى "مفترق طرق". وتتزايد التكهنات بأن اللقاء المرتقب منذ فترة طويلة بين بوتين والرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي قد يُعقد أخيرا، بعد أن وجّه الزعيم الروسي دعوة إلى نظيره الأوكراني للقاء في موسكو أثناء عودته من مراسم بكين.

ورغم أنه من غير المرجح أن يوافق زيلينسكي على لقاء الزعيم الروسي في موسكو، إذ قد يُنظر إلى ذلك على أنه شكل من أشكال الاستسلام، فإن مجرد تفكير بوتين في عقد هذا اللقاء يُعد إشارة إلى أن اجتماعا بين الزعيمين لا يزال خيارا قائما.

ويبدو أن هذا هو بالضبط رأي ترمب، الذي وصف موقفه من النزاع بأنه "واقعي وتفاؤلي".
وقال ترمب في مقابلة هاتفية مع قناة "سي بي إس": "لقد كنت أتابع الأمر، وأرى ذلك وأتحدث عنه مع الرئيس بوتين والرئيس زيلينسكي. شيء ما سيحدث، لكنهما ليسا مستعدين بعد. لكنه سيحدث. سننجز الأمر".

وفي حال فشلت جهود ترمب في إقناع بوتين بالموافقة على وقف إطلاق النار، قد يلجأ إلى خيار آخر سبق أن هدّد به، وهو فرض عقوبات قاسية على الدول التي تواصل التجارة مع موسكو، مثل الصين والهند.

ومثل هذه الخطوة لن تؤدي فقط إلى تقويض جهود بوتين في تمويل آلته الحربية في أوكرانيا، بل سترسل أيضا رسالة واضحة مفادها أن الولايات المتحدة لن تتنازل عن دورها القيادي لصالح نظام عالمي جديد تقوده قوى مثل الصين وروسيا وكوريا الشمالية.

font change