ما يكشفه الهجوم على الدوحة عن استراتيجية نتنياهو

من العمليات السرية إلى الضربات العلنية

"المجلة"
"المجلة"

ما يكشفه الهجوم على الدوحة عن استراتيجية نتنياهو

في عام 1997، أمر بنيامين نتنياهو، الذي كان آنذاك في مرحلة مبكرة من حياته السياسية، باغتيال خالد مشعل، الرئيس الجديد للمكتب السياسي لحركة "حماس" في المنفى. أُرسل عملاء الموساد إلى العاصمة الأردنية عمان لتنفيذ العملية، مستخدمين مادة سامة شديدة الفعالية، يمكن أن تسبب الوفاة بمجرد ملامستها للجلد.

فشلت محاولة الاغتيال. كان عملاء الموساد قد خططوا لوضع السم على خالد مشعل بطريقة خفية، مستخدمين رذاذ علبة صودا مهزوزة كغطاء. لكن أحد حراسه الشخصيين لاحظ الحركة المريبة، فكشف الخدعة. ونتيجة لذلك، تدخلت الشرطة الأردنية بسرعة، وألقت القبض على العميلين.

أثارت هذه الحادثة أزمة دبلوماسية خطيرة: فقد كان الأردن قد وقّع معاهدة سلام مع إسرائيل قبل ثلاث سنوات فحسب، وكان قد أوضح أن أراضيه تمثل "خطا أحمر" يُحظر تجاوزه فيما يخص عمليات الاغتيال الإسرائيلية. استشاط الملك الأردني غضبا، ولم يوافق على تهدئة الأزمة (وإطلاق سراح عملاء الموساد) إلا مقابل تنازلات إسرائيلية كبيرة، شملت الإفراج عن مؤسس "حماس" وزعيمها الروحي الشيخ أحمد ياسين، وتوفير الترياق المضاد للسم.

تحمل محاولة الاغتيال الفاشلة عام 1997 بعض أوجه التشابه مع الضربة الإسرائيلية في قطر هذا الأسبوع، والتي سعت إلى إسقاط قيادة الحركة. إذ جاءت كلتا العمليتين ردا على هجمات لـ"حماس" فمحاولة عام 1997 جاءت بعد شهرين من تفجير انتحاري في القدس، بينما جاء الهجوم هذا العام بعد لحظات فحسب، من إعلان "حماس" مسؤوليتها الرسمية عن هجوم إطلاق نار داخل حافلة في المدينة نفسها. وفي كلتا الحالتين- بفارق زمني يقارب ثلاثة عقود- اختار نتنياهو تجاهل العواقب الدبلوماسية للعملية. هددت محاولة عام 1997 بإضعاف العلاقات الهشّة مع الأردن، بينما أثارت الضربة هذا العام في الدوحة غضبا بين قادة الخليج– من ضمن ذلك دولتان لهما أهمية خاصة لإسرائيل: الإمارات العربية المتحدة (الدولة الخليجية الوحيدة التي قامت بتطبيع العلاقات مع إسرائيل) والمملكة العربية السعودية، التي طالما نظرت إليها إسرائيل على أنها "المرشح التالي" للتطبيع على الرغم من إحجام الرياض الواضح.

ومع ذلك، يقف هجوم هذا العام في الدوحة على النقيض تماما من محاولة عام 1997 ومن العمليات الإسرائيلية الأقل "علنية" من النوع ذاته، بما في ذلك عملية اغتيال المؤسس المشارك للجناح العسكري لـ"حماس" محمود المبحوح في دبي عام 2010 والتي نفذتها مجموعة من عملاء الموساد السريين.

استخدمت إسرائيل الطائرات لإطلاق عشرة صواريخ، هزت العاصمة القطرية بعنف، وأدت إلى مقتل أحد أفراد قوات الأمن في البلاد، وهذه الرسالة تستهدف بشكل خاص منطقة الخليج

ففي الدوحة، استخدمت إسرائيل الطائرات لإطلاق عشرة صواريخ، هزت العاصمة القطرية بعنف، وأدت إلى مقتل أحد أفراد قوات الأمن في البلاد إضافة إلى خمسة أشخاص فلسطينيين. وهذا يثير تساؤلا حول ما إذا كانت طريقة التنفيذ هذه تشكل رسالة بحد ذاتها، لتحذير الدول التي قد تفكر في استضافة قيادات "حماس" بأن الحرب ستلاحق الحركة أينما حلت، وتستهدف هذه الرسالة بشكل خاص منطقة الخليج، حيث تسعى دولها إلى البعد عن صراعات الشرق الأوسط الأوسع، وإبراز نفسها كفاعل دولي مستقر يحظى بالاحترام.

وألقت الضربة بظلالها الثقيلة على مستقبل المفاوضات الرامية إلى تحقيق اتفاق لوقف إطلاق النار في غزة، والإفراج عن الرهائن، إذ أعربت عائلات بعض الرهائن عن حالة من الارتباك والخوف، معتبرة أن الهجوم يمثل حكما بالإعدام على أحبائهم. وكشفت تقارير إسرائيلية عن معارضة شخصيات عديدة داخل المؤسسة الأمنية الإسرائيلية، بينهم رئيس الموساد، توقيت الضربة، التي كانت ستعرقل حتما المساعي الأميركية الجديدة لإيجاد حل دبلوماسي للحرب.

وتقدم رواية مبررة للهجوم ادعاءً بأن مسؤولي "حماس" المشاركين في اجتماع الدوحة كانوا في الواقع "متشددين" يعارضون أي اتفاق. وادعى نتنياهو شخصيا أن الضربة قد تسرع من إنهاء الحرب، وعودة الرهائن إلى ديارهم. وهي الذريعة نفسها التي تقدم بها إعلاميون ومحللون مقربون من نتنياهو حينما اغتيل إسماعيل هنية، زاعمين أن الاغتيال يستهدف "عقبة" أمام الاتفاق. كما ادعى نتنياهو سابقا أن تصفية يحيى السنوار، زعيم "حماس" في غزة، ستساعد في الإفراج عن الرهائن، إلا أن ذلك لم يتحقق بعد مرور عام كامل على تصفية العقل المدبر لهجوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول.

رويترز
تصاعد الدخان بعد سماع دوي عدة انفجارات في الدوحة، قطر، 9 سبتمبر 2025

يبدو أن الضربة تتماشى مع تشدد الموقف الإسرائيلي. ففي الآونة الأخيرة، غيّرت إسرائيل موقفها التفاوضي على نحو جوهري: انتقلت من سعيها السابق لتحقيق وقف إطلاق نار مؤقت يمكن أن يتحول إلى هدنة طويلة الأمد، إلى المطالبة بإنهاء دائم للحرب يشمل نزع سلاح "حماس" بالكامل، وهو ما يمكن لرئيس الوزراء الإسرائيلي أن يقدمه على أنه "انتصار مطلق" كما يُسميه.

تكمن المشكلة في أن تحقيق هذا الهدف يبدو بعيد المنال. فحتى بعد مرور ما يقرب من عامين على الصراع، لا تزال "حماس" تُعلي من شأن جناحها العسكري، ويأتي في أولوية متقدمة على جناحها السياسي، في ظل سعيها للعودة إلى جذورها كحركة مقاومة، بدلا من كونها قوة سياسية. وفي مواجهة هذا الواقع، سعى رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو إلى زيادة الضغط على الحركة بوسائل مختلفة، منها التهديد بشن عملية عسكرية واسعة للسيطرة الكاملة على مدينة غزة.

ومع ذلك، بحلول وقت تنفيذ الغارة الجوية، لم تُحقق تلك التهديدات النتائج المرجوة. فبينما أظهرت "حماس" استعدادا للتفاوض حول اتفاق محتمل، بقي نزع السلاح خطا أحمر لا يمكن تجاوزه. ليس ذلك فحسب، بل إن قيادة الجيش الإسرائيلي، ظلت تتريث في التصعيد، مدركة تماما لمخاطر شن عملية عسكرية شاملة، قد لا تؤدي إلى الاتفاق الذي ينشده نتنياهو، بل ستترتب عليها حتما عواقب وخيمة، منها توسيع نطاق المهام بشكل غير محدود، وارتفاع عدد الإصابات في صفوف القوات العسكرية، وتصاعد وتيرة العمليات المقاومة.

ونتيجةً لذلك، لجأ نتنياهو على الأرجح إلى تكثيف الضغط بوسائل أخرى، ولا سيما من خلال توجيه ضربة مباشرة إلى قيادة "حماس"، لتوضيح أن السبيل الوحيد لبقاء الحركة يكمن في الخيار التفاوضي. ومن الجليّ أيضا أن نتنياهو كان على دراية تامة بالمخاطر المترتبة على هذه الخطوة، سواء من ناحية إمكانية تأخير أي اتفاق محتمل وتعريض حياة الرهائن للخطر، أو من ناحية التداعيات الدولية السلبية التي قد تنتج عن هذه الضربة.

يزيد الغموض حول نتائج الضربة من تعميق حالة عدم اليقين السائدة، لكن التكاليف أصبحت جليّة للجميع

في الختام، تَكشِف ضربة الدوحة عن استمرارية وتصعيد في نهج نتنياهو تجاه "حماس"، يتمثل في استعداده للمخاطرة بعمليات اغتيال رفيعة المستوى، حتى على حساب العلاقات الدبلوماسية والاستقرار الإقليمي والمفاوضات الهشّة. فبينما كانت محاولة الاغتيال الفاشلة في عمّان عام 1997 سريّة ومحدودة التأثير، جاء الهجوم على قطر في 2025 علنيا وعنيفا، مما يشير ليس إلى محاولة إضعاف "حماس" فحسب، بل أيضا إلى إرسال رسالة واضحة إلى الدول التي قد تستضيف قياداتها. ويزيد الغموض حول نتائج الضربة من تعميق حالة عدم اليقين السائدة، لكن التكاليف أصبحت جليّة للجميع: عائلات الرهائن تخشى على حياة أحبائها، وحلفاء إسرائيل يُعبّرون عن قلقهم البالغ، وآفاق تحقيق وقف إطلاق النار تتباعد أكثر من أي وقت مضى.

font change


مقالات ذات صلة